بدائل الغاز الايراني للعراق

الاستاذ سعد الله الفتحي
العضو المؤسس في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
لجنة الصناعة والطاقة
(رئيس المؤسسة العامة لتصفية النفط وصناعة الغاز سابقا)
يمر العراق بازمة كبيرة نتيجة الضغوط الامريكية للتوقف عن استيراد الغاز الايراني لتوليد الكهرباء. وابتداء لا اريد العودة الى الخلفية التي ادت الى استيراد الغاز الايراني اصلا فقد كتب عن ذلك الكثير وحسبي ان اقول ان اهم ما ادى اليه هذا الاستيراد كان تراخيا من قبل الجهات العراقية في استغلال الغاز المصاحب بمعالجته في مجمعات متطورة وحرق نسبة كبيرة منه هدرا نتيجة لذلك.
واذ يبدو الوضع صعبا والبدائل عن استيراد الغاز الايراني بعيدة المنال على الاقل في الامد القريب فان هناك من الاجراآت ما يمكن ان يقلل من شدة الازمة وربما يختصر الوقت اللازم لانجاز حلول اخرى معقدة بعض الشيء.
قبل انجاز مشروعي غاز الشمال والجنوب في الثمانينات من القرن الماضي، كان العراق يستهلك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي الناتج عن المرحلة الاولى لعزل النفط الخام عن الغاز. والمعروف ان غاز المرحلة الاولى يحتوي على نسبة محدودة من الغازات السائلة لذلك يمكن نقله بسهولة والاستفادة منه مباشرة في محطات توليد الكهرباء والاسمدة والبتروكيمياويات والحديد والصلب ومحطات الكبس المصاحبة لخطوط انابيب نقل النفط الخام وغيرها. لذلك يبدو لي ان العودة لهذا الاسلوب سيكون منطقيا وعمليا لغاية انجاز مشاريع عمليات معالجة الغاز المتكاملة التى تتغذى بكامل الغاز المصاحب المنتج من كل مراحل العزل. ويمكن الركون الى هذا الاسلوب اينما كان ذلك ممكنا بصورة مستقلة او بالمزج مع الغاز الجاف الناتج من عمليات المعالجة. واضيف هنا الى ان غاز المرحلة الاولى ربما يحتاج في بعض الاحيان الى تجفيف لتخليصه من بخار الماء ان وجد وهذه عملية بسيطة لا تتطلب الكثير من المعدات التي يمكن حتى شراءها جاهزة.
كما ان امكانية استغلال الغاز الخام في التوربينات الحالية يجب ان تدرس في الاقل. فهناك بالتأكيد توربينات تأخذ مثل هذه الغازات كلية لحد 8% كبريتيد الهيدروجين ولكنها في الغالب توربينات صغيرة نسبيا. لكن التوربينات الكبيرة ربما تحتاج الى بعض التغييرات او الاضافات وليس افضل من شركائنا في جي اي وسيمنز لانجاح هذا الاقتراح كليا او جزئيا حسب موقع المحطات.
كما اود الاشارة الى اننا حاليا نصدر كمية من الغاز السائل وهذا شيء جيد بالتأكيد. ولكن لا بد من الاشارة اى ان بامكاننا حقن كميات من غاز البروبان مباشرة مع الغاز الجاف لزيادة الكميات المضخة في خطوط الانابيب بدلا من تصديرالبروبان حاليا. طبعا هناك حدودا فنية يجب مراعاتها حول الكمية التي يمكن حقنها واكاد اقول انها كمية لايستهان بها وتتناسب مع كمية الغاز الجاف اصلا. واذا اعترض صانعوا التوربينات بسبب زيادة القيمة الحرارية للغاز فيمكن تعديلها بضخ الهواء مع الغاز لاستعادة القيمة الحرارية المطلوبة.
وبالانتقال الى الحلول الاصعب فان ما يقال عن استيراد الغاز من تركمينستان لا يقل غرابة عن استيراد الغاز الايراني اصلا وماهو الا طريقة اضافية لتحويل مزيد من المبالغ لايران من خلال 20% كاجور عبور. واجزم ان ليس هناك عبورا اطلاقا اذ ستستهلك ايران الغاز التركمنستاني في الشمال كما كانت تفعل منذ عقود. وثم تستمر بتجهيز العراق من ذات المصادر الحالية – وبرأيي – ان هذا لن يحدث. فليس هناك اتفاق ملزم لحد الان وان الضغوط الامريكية ستطال هذا الاسلوب الفاضح بالتأكيد.
اما عن استيراد الغاز المسال فان هذا سهل قوله وصعب انجازه في السرعة المطلوبة اذ يحتاج الى جهد هندسي كبير ومعدات خاصة اذا كان المطلوب منشآت دائمية ربما في المستقبل البعيد قد لا تكون هناك حاجة لها فيما لو تم استثمار جميع الغاز المصاحب ووقف الهدر اضافة الى تطوير حقول الغاز الحر. واذا كان لا بد من ذلك فالمفروض ان نتوجه الى سفن خاصة تخزن الغاز المسال وتعيد تغويزه حسب الحاجة يعني Floating Storage and Regasification Units (FSRU) وبهذا نتلافى كلفة منشآت دائمة ستأخذ وقتا طويلا لانجازها. كل ذلك بافتراض امكانية الاستيراد من قطر او الامارات العربية المتحدة او سلطنة عمان وهذه الدول ربما تكون قد باعت كل انتاجها مسبقا.
هناك ايضا امكانية نقل الغاز الطبيعي المضغوط CNG بسفن خاصة وهو برأيي الحل الامثل للعراق فيما اذا وجدنا عددا كافيا من هذه السفن. الطريقة متبعة في اندونيسيا منذ مدة طويلة ولكن عدد السفن المتخصصة في العالم قليلا الا اذا تم تحوير سفن للعراق بصورة خاصة. هذا الحل يتلافى الغاز المسال واحتياجاته الخاصة من خزن وتغويز.
وختاما لنفترض اننا وجدنا حلولا للازمة الحالية لذا علينا السعي ان لا تتكرر مستقبلا وذلك بتسريع مشاريع استثمار الغاز ووقف الحرق هدرا والركون ايضا الى انشاء محطات حرارية تعمل بزيت الوقود اذ هناك احتمال ان لا تكفي كميات الغاز المنتج عراقيا لتوليد الكهرباء وغيرها من الاحتياجات. اضف الى ذلك تسريع مشاريع الطاقة المتجددة وخاصة الشمسية منها. ان التنسيق الكامل بين وزارتي النفط والكهرباء يجب ان يعود وعلى اعلى المستويات للتوقف عن تقاذف الاتهامات بشان الازمة.