الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة الأنظمة المستهدفة: الأسلوب والخطوات

✍ بقلم: الأستاذ الدكتور سعد عثمان
الامين العام للمنتدى العراقي للنخب والكفاءات
على مدى العقود الأربعة الماضية، انتهجت الولايات المتحدة أسلوبًا متكررًا في التعامل مع الأنظمة التي تعتبرها معادية أو تشكل تهديدًا لمصالحها. هذا النهج لم يتغير جوهريًا، بل شهد تطورًا في الوسائل والأساليب بما يتناسب مع التقدم التكنولوجي والاستراتيجيات الحديثة لإدارة النزاعات. يمكن تلخيص هذه الاستراتيجية في المراحل التالية:
- التشويه الإعلامي وبناء صورة العدو
تبدأ الولايات المتحدة حملتها ضد النظام المستهدف عبر ماكينتها الإعلامية الضخمة، والتي تشمل قنوات إخبارية عالمية، وصحفًا مرموقة، ومراكز أبحاث متخصصة تعمل على تضخيم أخطاء هذا النظام وشيطنته أمام الرأي العام الدولي. الهدف هو خلق بيئة معادية للنظام داخل بلده وخارجه، بحيث يصبح سقوطه مطلبًا شعبيًا، ليس فقط محليًا، بل أيضًا دوليًا.
- دعم وتنظيم المعارضة
بعد نجاح التشويه الإعلامي، تتحرك واشنطن لدعم معارضة سياسية داخلية أو خارجية، فتقدم لها الدعم المالي والسياسي، وأحيانًا التسليحي، لضمان وجود بديل جاهز للنظام القائم. يمكن أن يكون هذا الدعم مباشرًا أو عبر دول حليفة تلعب دور الوسيط، كما حدث في عدة تجارب سابقة في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.
- العمليات الاستخباراتية والاختراق
تبدأ أجهزة الاستخبارات الأمريكية بجمع معلومات دقيقة عن نقاط ضعف النظام المستهدف، سواء من خلال التجسس الإلكتروني، أو عبر العملاء الميدانيين، أو عبر شخصيات داخل النظام يتم استقطابها. الهدف من هذه العمليات هو زرع الفتن، وتعميق الخلافات الداخلية، وتهيئة الأجواء لانهيار النظام بأقل تكلفة ممكنة.
- العقوبات الاقتصادية والسياسية
بعد التأكد من هشاشة النظام وتآكله الداخلي، تبدأ مرحلة العقوبات، التي تستهدف شخصيات نافذة في النظام لتشديد الضغط عليهم ودفعهم للانشقاق أو التمرد. بالتزامن مع ذلك، يتم فرض عقوبات اقتصادية تهدف إلى خنق الدولة، وتجفيف مواردها المالية، مما يؤدي إلى تدهور الأوضاع المعيشية، وبالتالي تحريض الشعب ضد حكومته. تُستخدم في هذه المرحلة الحجج القانونية لتبرير العقوبات أمام المجتمع الدولي، وغالبًا ما تكون بحجة تهديد النظام المستهدف للأمن القومي الأمريكي أو حقوق الإنسان.
- فرض الشروط التعجيزية
عند وصول النظام المستهدف إلى مرحلة ضعف واضحة، تبدأ واشنطن بفرض شروطها، والتي عادةً ما تكون تعجيزية ولا يمكن لأي حكومة وطنية قبولها. هذه الشروط تُطرح كوسيلة ضغط لإجبار النظام على تقديم تنازلات كبيرة، مع تهديدات مباشرة بالعقوبات أو التدخل العسكري في حال رفض الامتثال.
- استعراض القوة العسكرية والتلويح بالحوار
في هذه المرحلة، تبدأ الولايات المتحدة في إرسال إشارات مزدوجة: من جهة، تعرض الحوار كخيار لتجنب المواجهة، ومن جهة أخرى، تقوم بحشد قواتها في المناطق القريبة، وإجراء مناورات عسكرية، وإظهار قدرتها على تنفيذ ضربة سريعة ومدمرة إذا اقتضت الحاجة. الهدف من هذا الاستعراض هو إقناع النظام المستهدف بأنه في موقف خاسر لا محالة.
- “الفرصة الأخيرة” قبل التدخل المباشر
تأتي هذه المرحلة كإنذار أخير، حيث ترسل واشنطن رسائل مباشرة إلى رئيس الدولة المستهدفة، تطالبه بقبول شروطها قبل فوات الأوان. غالبًا ما تكون هذه المرحلة مزيجًا من الترغيب والترهيب، مع إعطاء وعود بمخرج آمن في حال الموافقة، مقابل التهديد بالتدخل العسكري المباشر في حال الرفض.
- التدخل المباشر أو الفوضى الخلاقة
إذا لم يستجب النظام، تبدأ الولايات المتحدة بتنفيذ خطتها النهائية، والتي قد تشمل:
- التدخل العسكري المباشر كما حدث في العراق وأفغانستان.
- دعم حركات التمرد المسلحة كما حدث في سوريا وليبيا.
- إثارة الفوضى الداخلية عبر دعم الاحتجاجات العنيفة وإحداث فراغ أمني كما حصل في العديد من الدول.
في جميع الأحوال، يكون الهدف النهائي هو إسقاط النظام، لكن التوقيت يعتمد على مدى نضج البديل القادر على تولي السلطة بأقل تكلفة ممكنة لواشنطن.
التحولات في الاستراتيجية الأمريكية: الربح الاقتصادي أولًا
في ظل الإدارة الأمريكية الحالية، يبدو أن النهج المتبع يركز بشكل أكبر على المنفعة الاقتصادية من عمليات التغيير، حيث لم تعد الولايات المتحدة تعتمد فقط على القوة العسكرية، بل أصبحت تطالب الدول الحليفة أو الجهات المستفيدة بتمويل أي عملية تغيير، مع ضمان تحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة تفوق التكاليف.
الأنظمة المرشحة للاستهداف
حاليًا، تشير المؤشرات إلى أن إيران تأتي على رأس قائمة الأنظمة المستهدفة، نظرًا لدورها الإقليمي وسياساتها المعادية للولايات المتحدة وحلفائها. أما العراق، فقد يكون هدفًا بدرجة أقل، لكن احتمالية زعزعة استقراره لا تزال قائمة، خاصة في ظل التنافس بين القوى الإقليمية والدولية عليه.
الخاتمة
الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة خصومها لم تتغير كثيرًا خلال العقود الماضية، لكنها أصبحت أكثر ذكاءً في تقليل تكاليفها وزيادة مكاسبها. يبقى السؤال مفتوحًا: من سيكون الهدف القادم؟