عائشة بنت أبي بكر الصديق ودورها في الاسلام
الاستاذ الدكتور محمد مظفر الادهمي
رئيس لجنة الثقافة والإعلام والفنون
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
عائِشة هي بنت الخليفة الاول أبي بكر الصديق التيميَّة القُرَشِيّة, ثالث زوجات النبي محمد (ص). وقد تزوجها بعد غزوة بدر في شوال سنة 2 هـ وكان عمرها ستة عشر عاما.
ان الأبحاث المُعاصرة تُشكك في صحة ما قيل عن تاريخ مولد عائشة ، (1)(2) وذلك استنادًا إلى عمر أختها أسماء التي كانت تكبرها (ببضع) عشرة سنين، وقد ماتت أسماء سنة 73 هـ، عن عمر ناهز مائة سنة،(3) ويقول ابن حجر العسقلاني أن أبي نعيم الأصبهاني قال بأن أسماء بنت أبي بكر وُلدت قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة (4)، و(البضع) في اللغة تصل الى التسعة في التعداد،(5), فيكون عمر عائشة وقت زواجها بالنبي محمد (ص ) ست عشرة سنة.
كانت عائشة من بين النساء اللواتي خرجن يوم أحد لسقاية الجرحى.(6) وكان لملازمتها للنبي محمد (ص) دورها في نقل الكثير من أحكام الدين الإسلامي والأحاديث النبوية، حتى قال الحاكم في المستدرك: «إنَّ رُبْعَ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ نُقِلَت عَن السَّيِّدَة عَائِشَة.»، وكان أكابر الصحابة يسألونها فيما استشكل عليهم، فقد قال أبو موسى الأشعري: «مَا أُشكلَ عَلَيْنَا أَصْحَاب رَسُوْل الْلَّه حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ، إلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا».(7)(8) وكانت معروفة بالفصاحة والبلاغة .
كانت عائشة كثيرة السؤال للنبي محمد (ص). عن معاني الآيات القرآنية، فمكّنها ذلك من القدرة على تفسير القرآن.(9) كما تمتعت عائشة بنت أبي بكر بذاكرة قوية مكّنتها من رواية الكثير من الأحاديث عن النبي محمد، إلى جانب حفظها الكثير من الشعر والأمثال، بالإضافة إلى كثرة سؤالها للنبي محمد،(ص). حتى قال عنها ابن أبي مليكة: «كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه إلا وراجعت فيه حتى تعرفه».(10)فكانت تصحح للصحابة ما أخطأوا فيه.
وقد روت عائشة العديد من الأحاديث عن النبي محمد (ص). مباشرة، لما توفّر لها من حظ ملازمته، وقلّما روت عن أحدهم عن النبي محمد(ص)..(11) فأصبحت حجرتها مقصد طلاب الحديث، حتى قال الذهبي أن أكثر من مئة شخص روى عن عائشة.
هاجرت عائشة إلى المدينة بعد هجرة النبي محمد(ص) بصحبة طلحة بن عبيد الله وأخيها عبد الله وأمها أم رومان وأختها أسماء، وزيد بن حارثة وأبي رافع مولى النبي وابنتي النبي أم كلثوم وفاطمة وسودة بنت زمعة وأم أيمن وابنها أسامة بن زيد.(12)(13) وتروي عائشة حديثًا عن النبي محمد (ص) أنه رأى في منامه جبريل، وقد جاء بها في ثوب من حرير، وقال له: «هَذِهِ امْرَأَتِك»، فرد النبي بقوله: «إنْ يَكُن هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمضِهِ».(14) وفي حديث آخر أن جبريل قال: «هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُنيَا وَالآخِرَة».(15)(16)
لما مرض النبي محمد (ص) مرضه الأخير، كانت رغبته أن يُمرّض في بيت عائشة، فأذنت له زوجاته.(17) وفي فترة مرضه تلك، جاءه بلال يؤذنه بالصلاة، فقال النبي محمد: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ»، فقالت عائشة: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ(18) وَمَتَى مَا يَقُومُ مَقَامَكَ يَبْكِي فَلا يَسْتَطِيعُ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ»، فكرر: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ».(19) وفي يوم الوفاة، دخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده السواك، وعائشة مسندة النبي محمد إلى صدرها، فرأته ينظر إلى عبد الرحمن فعرفت أنه يحب السواك، فقالت: «آخذه لك»، فأشار برأسه أن نعم، فناولته فاشتد عليه، فقالت: «ألينه لك؟» فأشار برأسه أن نعم، فلينته.(20) ثم حضرت النبي محمد الوفاة، فتذكر عائشة ذلك قائلة: «فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي».(21)(22)(23)(24)
ودفن النبي محمد (ص) في حجرة عائشة في المكان الذي توفي فيه. ويروي سعيد بن المسيب عن عائشة أنها رأت في منامها كأن ثلاثة أقمار سقطت في حجرتي، فسألت أباها، فقال: «يَا عَائِشَةُ، إِنْ تَصْدُقْ رُؤْيَاكِ يُدْفَنُ فِي بَيْتِكِ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ ثَلاثَةٌ»، فلما توفي النبي محمد ودفن، قال لها أبو بكر: « يَا عَائِشَةُ، هَذَا خَيْرُ أَقْمَارِكِ، وَهُوَ أَحَدُهَا».(25) وقد أوصى أبو بكر عائشة أن يدفن بجوار النبي محمد، فلما توفي حفر له في حجرة عائشة، وجُعل رأسه عند كتفي النبي محمد.(26) ثم دفن عمر بن الخطاب، فكان ذلك تمام الثلاثة أقمار.(27)
بعد وفاة أبي بكر، كرّست عائشة حياتها لنشر الدين الإسلامي، فكانت تروي الحديث وتفتي في أمور الدين، وكان عمر ثم عثمان يرسلان إليها فيسألانها.(28)(29) ولما طُعن عمر، أرسل ابنه عبد الله ليستأذن عائشة في أن يدفن إلى جوار النبي محمد وأبي بكر.(30) فقالت عائشة: «قَدْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي وَلأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي». فعاد عبد الله بالخبر إلى أبيه، فقال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ، وَقُالْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي وَإِنْ رَدَّتْنِي فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ».(31) وبعد وفاته، عاد عبد الله فاستأذن عائشة، فأذنت له، فكان عمر ثالث ثلاثة دفنوا في حجرتها.(32)
وفي عهد عثمان، حجّ عثمان بأمهات المؤمنين وفيهم عائشة، فأكرم منزلتهن فجعل عبد الرحمن بن عوف على مقدمة قاطرتهن، وسعيد بن زيد على مؤخرة القاطرة.(33) وظلت عائشة على علاقة طيبة بعثمان حتى مقتله، فكانت من أوائل من طالب بدمه والقصاص من قتلته والمتمردين عليه(34) كانت عائشة في مكة وقت مقتله، وبلغها الخبر في طريق عودتها للمدينة، فقفلت راجعة إلى مكة، واجتمع الناس إليها فقالت: «يا أيها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا وبادوا بالعدوان ونبا فعلهم عن قولهم فسفكوا الدم الحرام، واستحلوا البلد الحرام وأخذوا المال الحرام، واستحلوا الشهر الحرام. والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم ».(35)
كانت عائشة قد روت حديث وصية النبي محمد لعثمان لكي لا يتنازل عن الخلافة إن وليها مهما طلبوا منه ذلك، فقد روى النعمان بن بشير عن عائشة أنها قالت: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : يَا عُثْمَانُ إِنْ وَلَّاكَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ يَوْمًا، فَأَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصَكَ الَّذِي قَمَّصَكَ اللَّهُ، فَلَا تَخْلَعْهُ، يَقُولُ: ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»، قال النعمان فقلت لعائشة: «مَا مَنَعَكِ أَنْ تُعْلِمِي النَّاسَ بِهَذَا؟»، قالت: «أُنْسِيتُهُ وَاللَّهِ». بل وغضبت عائشة من أخيها محمد لما كان له من دور في حصار عثمان.(36)
بعد مبايعة علي بن أبي طالب بالخلافة، قصدت عائشة وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام على رأس جيش جرار البصرة، وطالبوا عليًا بمعاقبة قتلة عثمان، فأعد الخليفة علي جيشًا من رجال الكوفة، وإتجه لملاقاتهم وحسب رواية أرسل لهم بضع رجاله يدعوهم للتريّث حتى تهدأ الأمور، فيتسنّى له القبض على قتلة عثمان، وتنفيذ القصاص فيهم، فالأمر يحتاج إلى الصبر. فاقتنعوا بفكرته ، وباتوا ليلتهم على ذلك. غير أن هناك من دبّر للفتنة بين الفريقين في الليل، فدسوا في كلا المعسكرين من يقتل بعض الجنود ليتأجج القتال بين الفريقين بعد أن يظن كلا الطرفين أن الطرف الآخر غدر به. واندلعت المعركة التي وقع فيها طلحة والزبير قتيلين. ولما رأت عائشة ما يجري من قتال، ناولت كعب بن سور الأزدي الذي كان يُمسك بلجام ناقتها مصحفًا، وأمرته أن يدعوا الناس للكف عن القتال قائلةً: «خل يا كعب عن البعير، وتقدم بكتاب الله فادعهم إليه». فرمي بعضهم كعب بسهم قتله، وأصيبت عائشة نفسها في يدها بسهم طائش اخترق هودجها. ثم استحرّ القتال حول الجمل الذي يحمل هودج عائشة، حتى عُقر الجمل، وانتهت المعركة بانتصار جيش الخليفة علي بن ابي طالب . ثم أمر الخليفة علي بتنحية هودج عائشة، وأرسل أخاها محمد بن أبي بكر لتفقُّد حالها، فلما اطمأن على حالها، جهّزها بالزاد، وأعادها إلى المدينة برفقة أخيها محمد وابنيه الحسن والحسين وأربعين امرأة من نساء البصرة المعروفات.(37)
بعد موقعة الجمل، عادت عائشة فلزمت بيتها حتى حضرتها الوفاة في ليلة الثلاثاء 17 رمضان 57 هـ وقيل 58 هـ وقيل 59 هـ، وصلى عليها أبو هريرة بعد صلاة الوتر، ونزل في قبرها عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام من أختها أسماء بنت أبي بكر والقاسم وعبد الله ابني محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، ودفنت في البقيع.(38 )
المصادروالمراجع
- محمد راتب النابلسي .مستشرقين ام مفترين , نسخة محفوظة على موقع واي باك مشين .
2- Muzahim .H.Siddiqi, Prophet Muhammed`Wife Aysha,PhD.
3 – سير اعلام النبلاء .اسماء بنت ابي بكر.
4 – ابن حجر العسقلاني .الاصابة في تمييز الصحابة ,ج8 ,ص 14.
5- معجم المعاني الجامع , معنى (بضع) .
6- صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال.
7- جامع الترمذي، كِتَاب الدَّعَوَاتِ، أبوابُ الْمَنَاقِبِ، بَاب مِنْ فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
8- عبدالحميد محمود طهماز . السيدة عائشة ام المؤمنين وعالمة نساء الاسلام , دمشق ,1994 , ص 174 .
9- طهماز , المصدر السابق , ص183 .
10 – المصدر السابق , ص177 .
11- المصدر السابق , 187 .
12 – الطبقات الكبرى لابن سعد، طَبَقَاتُ الْكُوفِيِّينَ، ذِكْرُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ …، عَائِشَةُ بِنْتُ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بْنِ أبي قُحَافَةَ .
13- طهماز , المصدر السابق , ص 26 .
14- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، كتاب المناقب والفضائل، باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن.
15 – ابن الاثير . أسد الغابة في معرفة الصحابة، كتاب النساء، باب العين، عائشة بنت أبي بكر الصديق.
16- طهماز . المصدر السابق , ص 42 .
17 – صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة رضي الله عنها .
18 – سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه.
19- صحيح البخاري، كتاب النكاح ، باب إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرض في بيت بعضهن فأذن له.
20- طهماز , المصدر السابق , ص 81 .
21 – صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
22 – وَمُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلٍ أَبُو بَكْرٍ الْهَمَذَانِيُّ.
23 – المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، كتاب المغازي والسرايا، رؤيا عائشة ثلاثة أقمار سقطت في حجرتها وتعبيرها.
24 – طهماز , المصدر السابق , ص 91 .
25 – المصدر السابق , ص 84 .
26 – البلاذري. أنساب الأشراف ، أزواج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
27 – طهماز , المصدر السابق , ص 92 .
28 – ابن الاثير . أسد الغابة في معرفة الصحابة، كتاب النساء، باب العين، عائشة بنت أبي بكر الصديق. , صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة رضي الله عنها , عبدالحميد محمود طهماز . السيدة عائشة ام المؤمنين وعالمة نساء الاسلام .
29 – ابن الجوزي . صفة الصفوة .
30 – طهماز , المصدر السابق , ص 95 .
31 – المصدر السابق , ص 99 .
32 – محمد بن جرير الطبري أبو جعفر. تاريخ الأمم والملوك، ، دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى .
33- طهماز , المصدر السابق , ص ص 115- 116 .
34- سنن ابن ماجه ، كتاب المقدمة ، أبواب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب فضل عثمان رضي الله عنه .
35 – طهماز, المصدر السابق , 119 .
36 – ابو بكر بن الخلال, السنة ، خِلافَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ .
37 – أنظر المراجع:
- الكامل في التاريخ لابن الأثير
- مروج الذهب للمسعودي
- تاريخ الرسل والملوك للطبري
38 –البداية والنهاية لابن كثير , طبعة إحياء التراث ج8 ص101.