الجلبي يروي قصة النفط بالعراق ويضيء أبرز محطاته خلال نصف قرن
الجلبي يروي قصة النفط بالعراق ويضيء أبرز محطاته خلال نصف قرن
احمد صبري
عضو لجنة الثقافة والإعلام والفنون
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
لعل ما يميز كتاب الخبير النفطي ووزير النفط العراقي الأسبق عصام الجلبي الموسوم (50 عاما في عالم النفط) هو رصده لمسار هذا العالم المليء بالأسرار والإنجازات والتحديات، مسلطا الضوء على أبرز محطاته برؤية الباحث والخبير بشؤون النفط. والجلبي غني عن التعريف كان له بصمة في عالم النفط والغاز، وكان شاهد عيان على مسيرة قطاع النفط والطاقة في العراق.
يوصف الجلبي بأنه مفخرة العراق في شؤون النفط والطاقة تحول إلى مرجع لهذا القطاع الحيوي من فرط خبرته وتجربته على مدى نصف قرن، لم ينقطع خلالها عن متابعة شؤون ومسار هذا القطاع، كانت حصيلتها كتابه الذي يحكي قصة النفط في العراق على مدى خمسين عاما.
والجلبي عالم ينزع للتغيير والحداثة، ويتحدث بلغة الأرقام لتكريس مصادر الطاقة لخدمة الإنسان وحاجاته. وفي عهده عندما كان وزيرا للنفط شهد القطاع النفطي نهضة في استثمار النفط واستخراجه وتسويقه، فضلا عن بناء المشاريع الاستراتيجية وتنويع مصادر تصدير النفط عبر السواحل التركية والسعودية، وإبلاغ صادرات العراق في سلة أوبك إلى 4 ملايين برميل يوميا.
ويتوقف المؤلف عصام الجلبي عند مبادرته في تقنين توزيع النفط ومشتقاته كإجراء استباقي لمواجهة تداعيات الحصار وانعكاسه على هذا القطاع، ما دفع وزارة التجارة العراقية إلى استحداث نظام البطاقة التموينية لتأمين الغذاء للعراقيين خلال سنوات الحصار.
وعلى الرغم من تخصص الجلبي بشؤون النفط إلا أنه شغوف بالسياسة لقلقه من هدر النفط واستشراء الفساد في مفاصل ثروة الأجيال، وتحول بفعل خبرته إلى مرجع مهم في عالم النفط وشؤونه.
ويحتوي كتاب (50 عاما في عالم النفط) على (18) فصلا أبرزها التطور التاريخي لاكتشاف النفط وتطوير إنتاج النفط وتسويقه، وعمل شركات النفط في العراق، مرورا بظروف تأسيس شركة النفط العراقية وإقليم كردستان والنفط ودور العراق في تحديد أسعار نفوط أوبك ومخاطر استمرار حرق الغاز في العراق، ومسار العلاقة مع الكويت وإيران، وتأميم النفط ومحطات أخرى في إضاءاته في عالم النفط.
ويؤكد المؤلف في مستهل كتابه أن النفط برز كعامل استراتيجي في دائرة الصراع الدولي على المنطقة بداية القرن العشرين بعد تأكيد وجوده في دول المنطقة من بينها العراق، حيث بدأ الصراع على استثماره واستخراجه وإدارة شؤونه، مقدرا احتياطات العراق من النفط طبقا لإحصائية وزارة النفط (145) مليار برميل.
ويتوقف الجلبي عند قرار القيادة العراقية ببناء الخط الاستراتيجي بطول (730) كيلو كإجراء تحسبي لتأمين نقل نفط البصرة شمالا عبر تركيا، وكذلك تصدير نفط كركوك جنوبا (ميناء البكر) على الخليج العربي.
وينوه المؤلف إلى سعي العراق لتجاوز محددات الحرب مع إيران بإيجاد بدائل للموانئ العراقية التي تضررت بفعل الحرب باللجوء إلى مد أنبوب لتصدير النفط العراقي عبر السعودية إلى البحر الأحمر، والبحث عن بدائل عبر الكويت والأردن أيضا.
ويكشف عن قرار الرئيس الراحل صدام حسين برفع إنتاج النفط العراقي إلى 10 ملايين برميل يوميا عام 1990 بعد انخفاض أسعار النفط، موضحا أنه شرح لصدام صعوبة الوصول إلى هذا الرقم بقوله (لا يمكننا تحقيق ذلك).
وعن لقائه بالزعيم الليبي معمر القذافي قبيل الاجتياح العراقي للكويت، قال الجلبي: خلال حضوري اجتماعات منظمة أوبك كلفت بنقل رسالة من الرئيس الراحل صدام حسين إلى القذافي وفاجأني عند حديثي عن الكويت ومحاولات العراق لوقف تراجع أسعار النفط بقوله (ادخلوا الكويت) وكأنه كان يعلم بما سيجري لاحقا.
وحول الحقول المشتركة بين العراق وكل من إيران والكويت، أوضح الجلبي: رغم العلاقة المتميزة التي ربطت العراق مع إيران والنظام السياسي الجديد في العراق بعد 2003 لم يجر تقدم حقيقي لحسم الحقول المشتركة مع البلدين.
وحول جولات التراخيص التي وقعها العراق مع الشركات العالمية بعد 2003 نوه الجلبي إلى النداء الذي أطلقته نخبة من أبرز خبراء النفط العراقيين لمخاطر هذه الجولات على مستقبل هذه الثروة الوطنية بتأكيد أن تلك العقود تمنح امتيازات مالية سخية للشركات النفطية الأجنبية بالضد من مصلحة العراق، ما يكلفه مليارات الدولارات كتنازل عن عوائده الصافية للشركات.
ونخلص إلى القول إن ما عرضه الجلبي في معرض شهادته عن عالم النفط سيكون مرجعا لكل الباحثين عن أسرار هذا القطاع وإنجازاته من خلال رؤية الخبير والمختص بشؤونه، الذي كرس جهده على مدى العقود الخمسة لتطويره وتكريسه لخدمة بلده ورفاهية شعبه، وهي بالأحوال كافة مسيرة مميزة وحافلة بالعطاء والمنجزات والتحديات.