لجنة العلوم السياسية

هل أخطات حماس في عملية طوفان الاقصى؟

أ.د رشيد عمارة الزيدي

عضو الأمانة العامة ورئيس لجنة العلوم السياسية

في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

  سؤال يتبادر الى ذهن الكثير من عامة الناس وخاصتهم ، العدو والصديق ،المؤيد للقضية الفلسطينية والمعارض لها،وقبل الاجابة عن هذا التساؤل ؛لابد من الاشارة الى ان حركة المقاومة الاسلامية(حماس) نشات 15 كانون الاول من العام 1987؛  بينما قضية فلسطين نشات بعد الحرب العالمية الاولى، وبرزت في العام 1947 بعد صدور قرار التقسيم رقم 181  الصادر من الجمعية العامة للامم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947، ترسخت ماساتها بعد حرب 1948 وخسارة الجيوش العربية للمعركة، وما عرف بالنكبة الفلسطينية وتهجير اهلالها ،وما رافق ذلك من تداعياتها.

اذن نريد القول ان القضية الفلسطينية أسبق من حماس ،ولكن الاعلام الغربي واعلام المطبعين يريدون أختزال القضية الفلسطينية بالصراع بين اسرائيل وحماس بعد ان تم اختزال القضية من بعدها الاسلامي؛ فكانت صراعا عربيا اسرائيليا؛ ثم اختزل الى صراعا فلسطينيا اسرائيليا، والان تختزل القضية القضية بالصراع مع حماس.

وبغض النظر عن هذه الارهاصات لنعود الى السؤال الجوهري ،طالما تم تقزيم القضية الفلسطينية بقضية حماس ،فهل اخطات حماس في قرارها ؟

ان الكثير من المرتجفين ومدعي العقلانية وحسابات الواقعية السياسية اللذين يزنون الامر بميزان القدرات والامكانات بين الطرفين ؛لابد ان يخرجوا بنتيجة ان الوقت غير مناسب ؛لان امكانات حماس لاتقارن بامكانات اسرائيل ؛فضلا عن الدعم الاقليمي والدولي لاسرائيل،وفي ذلك هم محقين؛ ولكن من قال ان الدفاع عن القضايا المصيرية والجوهرية، ودفاع الشعوب عن حريتها واستقلالها، تقاس بالامكانات المادية؛ والا لما وجدنا حركات تحرر او مقاومة في كل دول العالم؛ فكل المقاومين إمكاناتهم لاتقاس بامكانات وعلاقات الدول ،ولنا في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عبرة في ذلك، وان يعدها البعض من الباقيات الصالحات؛ فانه عندما قرر الحرب في معركة بدر او احد لم يحسب حجم امكانات وقدرات العدو؛ وانما ايمان المسلمين بقضيتهم، وكذا خروج سيدنا الحسين عليه السلام وكل الاحرار في العالم، اذن الدفاع عن الحقوق والحريات لايرتبط بالحسابات العقلانية؛ وانما شعارها التضحية والفداء.

وهناك راي اخر عد قرار حماس وفسره ضمن (نظرية المؤامرة )على أساس إن حماس عميلة لاسرائيل وتريد ان تقضي على القضية الفلسطينية وتصفيتها؛ وانها قامت بالهجوم من أجل ان تعطي ذريعة لاسرائيل ومن خلفها الغرب والولايات المتحدة في تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين من غزة الى مصر او الى العراق كما هو متوافق مع المخططات الصهيونية القديمة،وبالتعاون مع الاطراف التطبيعية،وهذه لغة المطبعين من اجل تبرير اتجاهاتهم التطبيعية بالقاء اللوم على حماس؛ لانها بادرت بالهجوم، وكأن الشعب الفلسطيني عامة والشعب في غزة على وجه الخصوص كانوا يعيشون بنعيم ورفاهية وليس محاصرين منذ عقود مضت، ومعرضين لمختلف انواع الاذلال والحرمان وانعدام الكرامة، فضلا عما يتعرضون له من قتل واسر وتنكيل ،هل يعلم اصحاب هذا الراي كم سجين وسجينة فلسطينية في سجون الاحتلال ؟وكم عددهم من حركة حماس على وجه الخصوص ؟هل يعلم اصحاب هذا الاتجاه كم عدد الشهداء في غزة ؛ولاسيما من قادة حماس ،ويكفي ان نستذكر مؤسس حركة حماس (الشيخ احمد ياسين ،وعبد العزيز الرنتيسي،اسماعيل ابو شنب،ابراهيم المقادمة،جمال منصور،صلاح شحاذة،سعيد صيام،عماد عقل ،يحيى عياش،وغيرهم) ،فضلا عن تهجير اعضاء المكتب السياسي لحركة حماس خارج فلسطين، ورفض الدول العربية استقبالهم باستثناء قطر ،هل يعلم اصحاب هذا الاتجاه كم مستوطنة انشات في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد اقرار ما يعرف باتفاقيات اوسلو؟هل يعلم انصار هذا الاتجاه ان حماس تم محاصرتها ومقاطعتها من كل الدول العربية واغلب الدول الاسلامية ،وتم ايقاف  كل اشكال الدعم والمساندة لها ،لا لشيى سواى اصرارها على الاستمرار بحمل السلاح ضد الاحتلال الصهيوني لاراضيها.

وهناك في هذا السياق ايضا انصار المؤامرة الايرانية،وان القرار الذي اتخذته حماس بدفع من ايران باعتبار الاخيرة لديها حلف استراتيجي مع الصهوينية والولايات المتحدة الامريكية والغرب لتدمير المنطقة العربية، واعادة رسم خارطتها من جديد ،ويشفع لهم في ذلك ما عملته ايران في المنطقة العربية؛ لاسيما في العراق، وسوريا ،ولبنان ،واليمن، وغيرها من المناطق بعلم من الغرب والصهيونية ،فضلا عن تضرر مصالح ايران في المنطقة بعد الاعلان عن طريق الهند مع دول الخليج واوربا متجاوزين ايران وخط الحرير المستفيدة منه بالتعاون مع الصين.

كل ذلك له ما يبرره في الحسابات السياسية ولكن السؤال ما الفائدة التي سيجنيها الفلسطينيون وبالاخص حماس من ذلك هل سينعكس عليهم ايجابا ام سلبا ،ان الحسابات في بيدر المغانم والمغارم لاي حركة سياسية مهما كان فواعلها،وضحالة تفكير قادتها، توحي دون ريب ان خسائرها اكبر من منافعها؛ فلماذ تقدم على عمل كهذا،طالما لايخدم قضيتهم ولايعود بالنفع عليهم كحركة سياسية،ويكونون كبش فداء او حصان طروادة للاخرين؛ لاسيما وان حركة حماس وخبرتها السياسية منذ عام 1987 الى اليوم لا تعطي دافعا للاقتناع بهذ الراي .

اذن ما الذي دفع حماس لاتخاذ مثل هذا القرار وفي هذا التوقيت بالفعل؟

ان قراة بسيطة في واقع الحركة وتاريخها الجهادي ،والتطورات التي تشهدها المنطقة توحي الى ان القرار اتخذ  لاعتبارات عدة منها ما هو داخلي ومنها ما هو اقليمي ودولي وكما ياتي:

  • ان القرار جاء بناء على معلومات حصلت عليها حماس ،بما يدور من مخططات بين اسرائيل والدول المطبعة لتصفية حركة حماس من قطاع غزة واستبدال محمود عباس بمحمد دحلان لتزعم الحركة الفلسطينية،والقرار يدخل في خانة دفاع الحركة عن نفسها وعن سجلها الجهادي.
  • ان القرار جاء ردا على موجة التطبيع التي اكتسحت المنطقة وطالت دول الخليج لاسيما المملكة العربية السعودية وبعض دول المغرب العربي متجاوزة للقضية الفلسطينية ودون اي مكسب للفلسطينين وانما التطبيع من اجل مكاسب اقتصادية او الحفاظ على انظمتها السياسية، وهو ما صرح به نتنياهو في كلمته في الامم المتحدة،فجاء قرار حركة حماس ليعيد كرة التطبيع الى بداياتها الاولى لاتطبيع دون حل القضية الفلسطينية.
  • ان الشعوب العربية اصابها الوهن والكسل بخصوص القضية الفلسطينية من جراء سياسة التجين التي مارستها الانظمة الحاكمة ضدها ،وكانت بحاجة الى صدمة صحوة تعيد لهم الثقة بانفسهم والتمسك بمقدساتهم وقضاياهم المصيرية
  • ان القرار جاء ليكشف حقيقة دول المقاومة والممانعة ووضع هذه الدول على المحك بما فيها ايران وفيلق القدس ،فالعالم الاسلامي انقسم على فسطاطين مع الشعب الفلسطيني ومع اسرائيل ،وهنا يتضح الاختبار الحقيقي لما يسمى فصائل المقاومة والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، اما ان تقف معهم او تتخلى عنهم ويجري كشف حساب ان لم يكن امام حماس فامام شعوبهم.

ومنذ قيا م العملية في السابع من تشرين الاول الى اليوم توضحت حقائق عدة منها:

1-ان قرار طوفان الاقصى افرز الهوة  بين الشعوب العربية والاسلامية وحكامهم؛ فالحكام مع اسرائيل والشعوب مع القضية الفلسطينية؛الامر الذي يدفع حكام العرب الى ضرورة مراجعة سياساتهم وحتى بعض الدول الاسلامية التي تعلن نصرتها للقضية الفلسطينية مثل تركيا وايران  وماليزيا واندنوسيا وغيرها من الدول والتي وقفت عاجزة عن تقديم الدعم للشعب الفلسطيني،لابل البعض متهمة بتقديم مساعدات لاسرائيل مثل تركيا ،وايران اعلنت رسميا تخليها عن فصائل المقاومة الفلسطينية.

  • ان طوفان الاقصى اعطى دفعة معنوية لفصائل المقاومة الفلسطينية فبقدرات بسيطة استطاعت الرد على اسرائيل وكسر هيبتها وفضح مخططاتها وتجاوزاتها على الشعب الفلسطيني،وامكانية اعتمادها على الشعوب العربية والاسلامية التي لم تخذلها،لاسيما في ظل تطور وسائل الاعلام الرقمي.
  • ان العملية كسرت أسطورة القوة العسكرية الاسرائيلية، وامكاناتها التكنلوجية ،وجدارها العازل، وقبتها الحديدية، وجيشها الذي لايقهر والمنتصر على الكثير من الجيوش العربية؛ باذلال جنودهم وقدراتهم بامكانات عسكرية بسيطة.
  • اعطت العملية انطباع للاسرائلين؛ لاسيما المستوطنين منهم بان مستوطناتهم تقام على ارض مغتصبة ،وانها ممكن ان تزول باي لحظة مما يدفهم لاعادة التفكير في وضعهم وحساباتهم.واحدث انقساما غير مسبوق داخل المجتمعات الاسرائيلية.
  • ان العملية كشفت زيف المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني الذي يقف عاجزا عندما يتعلق الامر باسرائيل ،وكشفت ازدواجية تعاملهم الانساني فعندما احتلت روسيا جزء من اوكرانيا تداعى الغرب كله بقضايا حقوق الانسان وضرب البنية التحتية في اوكرانيا اما اليوم فاسرائيل تقصف وتقطع الماء والكهرباء وتقتل الاطفال والنساء وتحت مضلة الدفاع عن النفس

واخيرا فان الحكم على قرار حماس بالصواب ام الخطا امر سابق لاوانه ،ولكن لابد ان يقيم بالنتائج التي يحققها للقضية الفلسطينية؛ ان كانت سلبا ام ايجابا وسواء ادى ذلك الى انهاء حماس ام بقائها،فالقضية الفلسطينية اهم من حماس وقادتها ،وسيتولى راية الجهاد رجال اخرين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، طالما بقي الفلسطينيون في ارضهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى