لجنة العلوم السياسية

القضية الفلسطينية والحرب المفتوحة في غزة ..تداعيات و احتمالات

بقلم أ.د هاني ألحديثي

عضو لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

 

منذ العملية الاقتحامية التي نفذتها حماس ضد اسرائيل في السابع من الشهر الجاري  وما تبعها من مجازر أبادة جماعية تستحق وضع المسؤولين عنها تحت طائلة جرائم الحرب والتي  ترتكبها اسرائيل في غزة بحق المدنيين ، والعالم يشهد تفاعلات خطيرة على الصعد الاقليمية والدولية .

 

إسرائيل وجدت في الإدارة الحكومية لدى الولايات المتحدة والعالم الغربي السند والظهير عمليا وعلى جميع الاصعدة في دعمها لارتكاب حرب ابادة جماعية في غزة ، واستعدادها لتوسيع تلك الابادة في جميع مناطق محيطها الاقليمي اينما تطلب الامر ذلك وبأسلوب أثار اهتمام وتعاطف واسع لدى الراي العام الدولي خلافا لما توقعته حكومة نتنياهو ، وهو الامر الذي يكرس حقيقة تاريخية ثابتة بان العالم الغربي ألرسمي  ومؤسسات صناعة القرار فيه مستعد لفعل اي شيء للحفاظ على مشروعه الاستراتيجي في العالم العربي والذي تم الاعلان عنه منذ مؤتمر كامبل 1905-1907 والذي شكل اساس اعلان وعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو لاحقا ، الامر الذي يزيح بشكل نهائي اي فرصة للتفكير بإمكانية قيام علاقات ودية ومصالح مشتركة استراتيجية بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا مع العرب والعالم الاسلامي، وهو الامر الذي يدحض الافكار والسياسات الانهزامية العربية على صعيد حكومات ومفكرين عرب ممن يعتقدون بان الولايات المتحدة وحلفائها يمكن ان يكونوا اصدقاء يوثق بهم ،وهو ما أثبتته عقود من العلاقات بين الولايات المتحدة مع دول عربية  رضخت للمنطق الامريكي وسارت بطريق التسويات المهينة عبر التطبيع مع اسرائيل .

هنا لابد من تسجيل مواقف عربية راحت الى ابعد من ذلك حين وافقت الادارات الامريكية في خططها لتعزيز الصراعات العربية-العربية بل والمشاركة الفاعلة في الحروب الاطلسية التي خاضتها الولايات المتحدة ضد بلدان عربية فاعلة كما حصل في حالات العدوان الاطلسي ضد العراق وليبيا واليمن وسوريا ويمكن ان يحصل في بلدان عربية اخرى …

عربيا ،نجد ان الانظمة العربية تعيش اوهن حالاتها وهي تشارك اسرائيل اعلاميا على الاقل في خطابها اتجاه الحرب في غزة وفلسطين ،عازفة بنفسها عن الحد الادنى من موقف لابد منه وهو الاعلان عن ايقاف التطبيع مع اسرائيل وطرد سفراء اسرائيل من العواصم التي يرفرف عليها علم اسرائيل واتخاذ مواقف واضحة وصريحة اتجاه الدعوة لتهجير الفلسطينيين من غزة والتي تبغي اسرائيل من وراءها الى اعادة احتلال القطاع وضمه الى الاراضي المحتلة كمرحلة اولى نحو اقامة مشروع قناة بن غوريون الذي يربط ايلات بميناء غزة وهو المشروع الاستراتيجي الذي يتكامل استراتيجيا مع مشروع الربط الاستراتيجي بين الهند  وميناء حيفا عبر بلدان الخليج العربي برعاية واشنطن والناتو لفرض امر واقع تستطيع فيه اسرائيل ان تصبح القوة الاقليمية الكبرى في الشرق الاوسط لتفرض على بلدان الخليج توظيف اموالها لتحقيق مشروع اسرائيل الكبرى شرق اوسطيا .

وهنا تكون الولايات المتحدة والغرب قد ضمنوا وبشكل مطلق تجيير عموم الشرق الاوسط لصالحهم في الصراع الدولي ضد الصين وروسيا ومساعيهما لإعادة انتاج نظام دولي متعدد الاقطاب ،وهو الامر الذي ترفضه الولايات المتحدة وتعبر عن رفضها عمليا الان بدفع اساطيلها البحرية نحو البحر المتوسط والخليج العربي والذي يتكامل بتعزيز قدرات  قواعدها العسكرية في العراق وسوريا وبلدان الخليج العربي نفسها.

في المقابل فان القضية الفلسطينية تواجه الان في ظل معطيات الحرب المفتوحة تداخلات اقليمية مهمة .

فإلى جانب الرفض العربي شعبيا على الاقل  ورسميا محدودا لتطبيق اتفاقية القرن والمشروع الابراهيمي الصهيوني المحتوى والذي يقضي بإعادة تهجير ملايين الفلسطينيين من فلسطين المحتلة نحو سيناء وصحراء العراق الغربية فضلا عن مناطق اخرى في المملكة السعودية ،فان الرفض العربي المذكور يمكن ان يشكل الارض المناسبة في حال تصاعد الموقف فلسطينيا و دوليا لمواجهة المخطط الاسرائيلي -الغربي وبدعم من روسيا والصين حيت تركز المصالح الاستراتيجية لهما في الشرق الاوسط الملتهب بالصراعات المحلية والاقليمية .

في ظل هذه الاجواء الساخنة نجد سعيا ايرانيا لاستثمار الفرصة لصالحها عبر تعاونها تكتيكيا مع حركة حماس في غزة ،والذي يجري تحت واقع الانسحاب العربي من دعم حماس لأسباب ومتغيرات عديدة منها الانسجام مع الموقف الامريكي كما اسلفنا ، فضلا عما تشعر به تلك الانظمة، من خطر يهدد الامن العربي من قبل ايران المدعومة من روسيا والساعية نحو نشر نفوذها الامبراطوري في عموم العالم العربي والشرق اوسطي.

هنا نجد ان ايران تلعب لعبة شد الحبل مع الولايات  المتحدة اتجاه فلسطين والموقف من حماس وحرب فلسطين في غزة .

ايران عمليا هي اللاعب الاكثر فاعلية في هذه القضية لاعتبارات عديدة ابرزها انها عمليا تقدم الدعم الى حركة حماس ،الى جانب تواجد اذرعها القوية في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

ما تقدم يضع الانظمة العربية امام حالة حرجة جدا كونها تدرك ان ايران التي تزعم دعمها وسعيها لتحرير القدس انما هي تسعى بشكل جدي عبر ما تعلنه من دعم تكتيكي لحماس وتحت شعارات مظللة  لمد نفوذها وتحقيق مقصدها الامبراطوري على حساب العرب الذين تحكمهم انظمة سياسية غالبيتها  تخضع للمنطق الامريكي رغم ان بعظها بدأ يدرك الخطأ الاستراتيجي في ذلك و يحاول الافلات من حزمة الارتباط مع الاستراتيجية الامريكية عبر فتح بوابات التعاون مع الصين وروسيا بعد أن نفذ  صبرها من الخداع  الامريكي طيلة عقود مضت .

تأسيسا على ما تقدم فان الحرب المفتوحة الان في غزة تشير الى جملة قضايا معقدة ومتشابكة محليا وإقليميا ودوليا أبرزها ان القضية الفلسطينية ستبقى اخطر بؤرة توتر دولية يمكن ان تتسبب بمزيد من الصراعات والحروب مالم يتم وضع حل شامل لقضية فلسطين والصراع العربي – الاسرائيلي ليتجاوز مرحلة السلطة الفلسطينية الفاشلة التي لم تعد تشكل حلا مقبولا لقضية كبرى مثل القضية الفلسطينية .

وعلى صعيد الكيان الاسرائيلي، فأنها كشفت مدى الصراعات الداخلية للكيان الاسرائيلي والتي لن تستطيع حركة التطبيع مع انظمة عربية ردمها مهما علا سقفها كون القضية ليست مجرد صراع نفوذ على الحدود انما هي صراع وجودي يحتاج حلا جذريا شاملا .

ان ذلك لا ينفي فرصة توحد الداخل الاسرائيلي في مواجهة الخطر المستمر المحدق بها طالما ظلت كيانا لا يتقبل الحلول الواقعية التي تضعه في محيط مقبول بدلا من أن يرفضه عقائديا رغم جهود التطبيع التي لن تسعفه في احتلال مكانة مقبولة دون الحل الذي يحقق سلاما جديا يؤمن مصير الشعب العربي الفلسطيني بذات الوقت الذي يؤمن الحقوق المقدسة للعالمين العربي و الاسلامي .

ان سبعة عقود ونصف من الصراع المستمر كافية لكبار قادة الكيان ليعيدوا النظر في رؤيتهم التي لن تخدم طموحهم في الاستمرار بغض النظر عن جميع الدعم الغربي .

أن ذلك يطرح في المستقبل القريب احتمال وضرورة التخلص من المد اليميني المتطرف القابض على السلطة حاليا في إسرائيل .

 

كذلك فأن التخادم الاسرائيلي -الايراني المزيف بشعارات غير حقيقية لن تجدي لإيران نفعا في كشف حقيقة مقاصدها رغم جميع المزاعم الايرانية، بعد كل ما حققته ايران واذرعها من جرائم ابادة جماعية في محيطها العربي والتي جعلتها تتخادم عمليا مع اسرائيل في تدمير البنية الاجتماعية المحيطة بإسرائيل .

في ضوء ما تقدم فان سيناريوهات مستقبلية تطرح نفسها ابرزها:

السيناريو الاول ؛استمرار وتوسع الحرب المفتوحة لتشمل الضفة الغربية والقدس فضلا عن الجولان و جنوب لبنان بما يحقق القفز من خندق التكتيك من قبل احزاب وقوى اسلامية مثل حزب الله تحت ضغط الامر الواقع والذهاب الى مشاركةً جدية فيها ستفرض على قوى عربية واقليمية التدخل فيها بما يؤدي الى توسيع التدخل الدولي بصيغة او بأخرى مثل روسيا والصين الامر الذي يهدد بتحول منطقة الشرق الاوسط الى مركز لحرب عالمية سبق لهنري كيسنجر ان توقعها بين الشرق والغرب قبل اكثر من عقد تهدد باستخدام القدرات النووية التكتيكية وخاصة الاسرائيلية وما يعنيه ذلك من دمار لمنطقة الشرق الاوسط لصالح احدى القوتين ،الغرب أو الشرق  ، رغم أن كيسنجر توقع فيها انتصار التحالف الغربي على روسيا والصين وإيران مجتمعين ربما لان الغرب لم يكن حينها منخرطا في حرب أوكرانيا حيث بدأت معالم الفشل ألغربي في حسم الموقف لصالحه ،وهو متغير مهم يأخذه الغرب في حسابه اذا ما قرر تحويل اتجاهاته  نحو الشرق الاوسط كما هو متوقع .

 

السيناريو الثاني  ؛ استدراك الغرب للمخاطر الجدية التي باتت تهدد مصالحه في الشرق الاوسط عبر ادراكه ان الدعم المطلق من قبله لإسرائيل لم يعد مجديا في عالم بدأ بالتغير خارج نطاق الهيمنة الامريكية ،وهو الامر الذي سيدفعه رغما عنه نحو الاقرار بضرورة ايجاد حل شامل مثل حل الدولتين وفق ما يؤمن رضا حلفائه من الانظمة العربية  فضلا عن تامين الامن القومي لإسرائيل وبوجود دولة فلسطينية ترضي طموحات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية و الاسلامية.

ان مثل هذا السيناريو يمكن ان يحقق للفلسطينيين دولة وقيادة جديدة خارج نطاق سلطة ضعيفة كسلطة ابو مازن الكسيحة او سلطة الحرب الحمساوية

التي تفرض نفسها كقوة سياسية على الارض دون ان تتمكن من حسم الموقف لصالحها بشكل مطلق بفعل رفض اقليمي ودولي فضلا عن وجود قوى فلسطينية فاعلة داخليا. وهو الاحتمال الاكثر ملامسة للواقع  السيناريو الثالث يقوم على استمرار الوضع على ما هو عليه   للمدى المنظور وفق نظرية السلطة الاسرائيلية بالتوقف عند حدود الردع لحركة حماس عبر الضربات التدميرية وايقاع اكبر الخسائر بالبنى الاساسية الى جانب اكبر عدد من الضحايا بين المدنيين في قطاع غزة كما دأبت عليه في معاركها السابقة ، وهو السيناريو ألأضعف بفعل أ لمتغيرات ألتي تفرضها الحرب الحالية وتداعياتها التي تفرض متغيرات باتجاه الحسم نحو خيارات اخرى تفرضها  ظروف ما تقدم ذكره من متغيرات  ، ومن بينها تداعيات الحرب على النظام السياسي الاسرائيلي وحالة التفكك التي يعاني منها منذ ما يقارب السنة التي شكلت حالة جديدة داخل اسرائيل تهدد الكيان ومستقبله ، وهي الحالة المتحولة التي دفعت نتانياهو وحكومته ومن يأتلف معه من المتطرفين الى سيناريو الهروب نحو الامام عبر اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية بالتوازي مع اهمال تصاعد المعارضة الداخلية وتهديدات الامن القومي الاسرائيلي من محيطه الاقليمي وضمن ذلك  تلك التهديدات الناشئة عن تصاعد القدرات القتالية لدى حركتي حماس  في غزة وحزب الله في لبنان مما انتج خلل جدي في الامن الداخلي استثمرته حركة حماس في اختراق جميع الحواجز الامنية لإسرائيل وغزوها في عقر مستعمراتها المحيطة بقطاع غزة  في حالة لم تشهدها اسرائيل منذ حرب اكتوبر 1973م وهو الامر الذي بات يهدد فعليا فرص استمرار نتنياهو ومنهجه في ادارة السلطة في اسرائيل .

أن فشل هذا السيناريو يوجب على البلدان العربية المطبعة او التي تنوي التطبيع مع اسرائيل ان تعيد النظر في سلوكها السياسي اتجاه القضية الفلسطينية وهو اضعف الايمان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى