لجنة الثقافة و الاعلام

ذكرى تأسيس الجيش العراقي

أ.د محمد مظفر الادهمي

رئيس لجنة الثقافة والإعلام والفنون

   في 25 تشرين الاول من عام 1920 تشكلت الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة عبد الرحمن الكيلاني نقيب اشراف بغداد، تمهيدا لتأسيس الدولة العراقية واصبح  الفريق جعفر العسكري وزيرا للدفاع الوطني في هذه الحكومة.

   وفي 6 كانون الثاني / يناير 1921، اي بعد حوالي شهرين من تشكيل الحكومة، تأسس المقر العام للجيش العراقي ليصبح هذا اليوم عيدا يحتفل به العراقيون في كل عام. و كان لتأسيس فوج موسى الكاظم وفق مبدا التطوع الخطوة الاولى على طريق تشكيل الجيش العراقي ليكون نواة لهذا الجيش الذي اصبح فيما بعد قوة ضاربة يحسب لها الاعداء الف حساب.

وفي مؤتمر القاهرة الذي عقد في آذار 1921 وافق المجتمعون على مقترح العراقيين بأنشاء دولة ملكية عربية في العراق يرأسها ملك عربي مسلم هو فيصل بن الشريف حسين وتشكيل جيش وطني  يتألف من فوج مشاة وكتائب خيالة وبطريات مدفعية وسرايا رشاشة متوسطة.

ثم تقدم وزير الدفاع العسكري بمشروع قانون التطوع المؤقت للجيش العراقي فأقرته الحكومة المؤقتة في 26 ايار 1921.

وفي 22 حزيران 1921 اذيع بيان دعي فيه المواطنون الى التطوع لتأليف الجيش العراقي وجاء فيه:

  (( لقد تشكلت والحمد لله وزارة الدفاع، وقد عينت لجميع المحلات ضباطا للتجنيد لأجل تأليف الجيش العراقي الوطني، الذي هو المستند الحقيقي لحفظ كيان البلاد، ودفع الطوارئ العدوانية عنه فعلى مواطني الكرام، ولي الامل الوطيد والثقة بهم، ان يتهافتوا على الانخراط في الجيش المذكور، مثبتين بذلك ميلهم الصحيح، و وطنيتهم الصادقة للحصول على الضالة المنشودة

                                                     جعفر العسكري

وزير الدفاع الوطني))

    كان اساس تشكيل الجيش العراقي هم الضباط العراقيون الذين شاركوا بالثورة العربية عام 1916 وقاتلوا ضد الاتراك العثمانيين بعد ان كانوا ضباطا في الجيش العثماني ومن خريجي المدرسة الحربية في اسطنبول. وكان هؤلاء المؤسسون قد خدموا مع الملك فيصل بن الشريف حسين حينما اصبح ملكا على سوريا  بعد دخول قوات الثورة العربية الي دمشق وتحريرها من الاتراك , وكان العراقيان جعفر العسكري قائدا للجيش العربي ونوري السعيد رئيسا لأركانه تحت امرة الامير فيصل بن الحسين ,بل ان ضباط الجيش العراقي كانوا يشكلون العمود الفقري لجيش الثورة العربية والذين اصبحوا فيما بعد نواة تشكيل الجيش العراقي .

  وفي 23 أب 1921 انتخب العراقيون الامير فيصل بن الحسين ملكا على العراق ,وتوج وهو يلبس بزته العسكرية .

  وفي 30 تشرين الثاني 1921، وبمناسبة تكوين نواة الجيش العراقي اهدت الحكومة البريطانية بطريتين من المدافع الجبلية القديمة الفائضة لديها.

.

وفي عام 1928 تم افتتاح مدرسة الاركان وبقيت تحمل هذا الاسم حتى عام 1937 حيث وضع لها نظام جديد وسميت كلية الاركان لتخرج ضباط اقدمين وقادة من ذوي ثقافة عسكرية عالية.

شكلت الفرقة الاولى مشاة في الديوانية والفرقة الثانية مشاة في كركوك عام 1931 وفي العام نفسه وصلت الى بغداد في شهر نيسان خمس طائرات قادها طيارون عراقيون تدربوا في بريطانيا حيث اقلعت من لندن ونزلت في مطار الوشاش وسط احتفالية رسمية كبيرة يتقدمها الملك فيصل الاول.

   فرضت سلطة الانتداب البريطاني (1920- 1932 ) ان يكون مبدأ (التطوع) هو الاساس في تكوين الجيش العراقي، لكن العراقيين كانوا يريدون احلال التجنيد الالزامي محل التطوع، ولذلك قررت الوزارة السعدونية الثانية عام 1926 تأليف لجنة لوضع مسودة قانون الدفاع الوطني، فلما تسلمت الوزارة العسكرية الثانية مقاليد الحكم قرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 24 اذار 1927 قبول لائحة الدفاع الوطني لعرضها على البرلمان.

  ولما كان الانكليز يعارضون مشروع التجنيد الاجباري بحجة ان فئات كثيرة من الشعب وفي مقدمتهم العشائر ترفضه فقد طلبت سلطة الانتداب  من الحكومة عدم تقديمه للبرلمان ولكن وزارة العسكري اصرت على رفعه الى مجلس الامة (البرلمان) لإقراره وطلبت من الملك فيصل الاول ان يفاتح الحكومة البريطانية لكي تغير موقفها وتوقف تهديداتها بعدم تحمل مسؤولية العراق اذا طبق التجنيد الاجباري. وانتهت الدورة البرلمانية دون عرضه على مجلس الامة.

  ولم يتم فرض التجنيد الالزامي في العراق الا بعد زوال الانتداب البريطاني عام 1932 ،فبعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ شرع قانون التجنيد الالزامي

لقد بني الجيش العراقي على اسس علمية ومن خلال مؤسسات عسكرية عالية المستوى في كل جوانبها التعليمية والتدريبية. وكان للجيش العراقي دور مهم في الحفاظ على الامن الداخلي في العراق كما كان له دور في السياسة العراقية اضافة الى مشاركته في معارك العرب في فلسطين.

     ففي الثلاثينيات من القرن العشرين، وخلال فترة حكم الملك غازي التي سبقت قيام الحرب العالمية الثانية استخدمت الحكومة الجيش لفرض سلطتها على حركات التمرد ضدها في الجنوب والشمال وقام الجيش بأنهائها، فأصبح قوة مؤثرة في عملية تشكيل الوزارات ووصل الامر الى ان بكر صدقي قائد القوات التي قضت على التمردات في الجنوب وفي الشمال قام بانقلاب عسكري عام 1936 اسقط فيه حكومة ياسين الهاشمي وقتل وزير الدفاع ومؤسس الجيش العراقي جعفر العسكري، ونصب وزارة جديدة برئاسة حكمت سليمان بعد ان القت الطائرات القنابل على مقر الحكومة وبعض الدوائر المهمة.  ولكن الجيش نفسه انهى حكم بكر صدقي بعد ثمانية اشهر باغتياله في الموصل.

     واستمر هذا الدور السياسي للجيش العراقي عند قيام الحرب العالمية الثانية، حين قام العقداء الاربعة صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد وكامل شبيب ومحمود سلمان بحركة عسكرية ذات اتجاه قومي عربي عرفت بحركة نيسان – مايس 1941 حيث سيطر الجيش على بغداد واسقط حكومة نوري السعيد والوصي على العرش عبد الاله المواليان للإنكليز واقاموا حكومة وطنية برئاسة رشيد عالي الكيلاني التي رفضت دخول العراق في الحرب الى جانبهم، فهاجم البريطانيون العراق وقاتلهم الجيش العراقي لكنهم تمكنوا من احتلاله بفعل تفوقهم التقني فزجوا بضباطه الوطنين والقوميين بالسجون واعدموا قادة الحركة.

      لم يتوقف الدور السياسي للجيش العراقي، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لعب دورا مهما في احداث العراق السياسية في انتفاضة عام 1952 التي هدأها الجيش بتشكيل نور الدين محمود رئيس اركان الجيش الوزارة . ومن ثم ظهور تنظيم الضباط الاحرار الذي انهى النظام الملكي في العراق واقام النظام الجمهوري في 14 تموز 1958.

      لقد شهد النظام الجمهوري هيمنة تامة لضباط الجيش العراقي على مقدرات العراق ومستقبله فقد اصبح رئيس الوزراء ورئيس مجلس السيادة ورئيس الجمهورية ومعظم الوزراء من الضباط الذين قادوا او شاركوا في 14 تموز 1958 الذي اقام النظام الجمهوري في العراق وصارت الصراعات فيما بينهم تنعكس على طبيعة الحكم وتشكيلة الوزارة، ومع ذلك فقد برز من بين هؤلاء الضباط قادة سياسيين ووزراء بارعين تمكنوا بالتعاون مع السياسيين المدنيين من ادارة دفة الحكم في العهد الجمهوري الجديد.

اما عن الدور العسكري للجيش العراقي فقد كانت له مساهمات باسلة في معارك فلسطين، ففي عام 1948 وخصوصا في معركة جنين حيث تم تحرير المدينة وطرد المليشيات الصهيونية منها اثر معارك شرسة وكان على وشك تحرير حيفا بعد ان حاصرها مع قوات عربية فلسطينية لكن وقف اطلاق النار منعه من ذلك.

      لقد اسهمت مشاركة الجيش العراقي في الحفاظ على الجزء الشمالي من فلسطين وقرى واراضي منطقة مثلث جنين ودافع عنها حتى اعلنت الهدنة.

    وفي عام 1973 شاركت الجيش العراقي في حرب تحرير سيناء فكانت له الضربة الجوية الاولى على الجبهة المصرية في 6 اكتوبر يوم عبور الجيش المصري قناة السويس وتحطيم خط بارليف وتحريرها من الاحتلال الصهيوني.

     اما على الجبهة السورية فقد سارت الدبابات العراقية على السرف ووصلت مشارف دمشق يوم 10 أكتوبر وساهمت في انقاذها من احتلال الجيش الاسرائيلي.

    لقد ساهم في هذه الحرب اللواء المدرع الثاني عشر من الفرقة الثالثة ولواء المشاة الآلي الثامن الذين قدموا 323 شهيدا من الفرقة المدرعة الثالثة دفنوا في مقبرة الشهداء جنوب دمشق.

   اما في الحرب العراقية الايرانية والتي استمرت ثمان سنوات فقد كان للجيش العراقي صولات وجولات وانتصارات باسلة في معاركه دفاعا عن ارض العراق .

     وكانت من اقوى معاركه معركة تحرير الفاو ومن ثم اعلانه تحقيق النصر على ايران في 8/8/1988 الذي اطلق عليه (يوم النصر العظيم) لينقذ العراق من محاولات ايران احتلال اراضيه.

    لقد تطور الجيش العراقي ليصبح قوة ضاربة في المنطقة ، لكن الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 اوقف هذا الدور الريادي الكبير بحل الجيش العراقي من قبل الحاكم الامريكي بريمر, لكنه لم يتمكن من ان يمحو تاريخ بطولات مشرفة وكيانا شامخا روى جنوده وضباطه ارض العراق وفلسطين وسوريا بدمائهم.  جيشا كان ومازال العراقيون يفخرون به وبأمجاده على مر السنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى