اللجنة القانونية

دساتير العراق ومبدأ استقلال القضاء

دساتير العراق ومبدأ استقلال القضاء

المستشار سعيد النعمان

عضو اللجنة القانونية ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

يقصد  بمبدأ استقلال القضاء ان القرارات القضائية يجب ان تصدر  بحياد تام وغير خاضعة لنفوذ السلطتين التشريعية والتنفيذية ومؤسساتها او لنفوذ المصالح الخاصة او السياسية وان  يكون تعين القضاة بالسلطة القضائية حصرا .

 والملفت للنظر ان معظم الدساتير تضمنت هذا المبدأ ويلاحظ ان العراق دخل في عوالم الدساتير منذ ان صدر دستور (1925) الذي تضمن مبدأ الفصل بين السلطات الا انه منح  المجال للتدخل في الممارسات الوظيفية حسب الظروف المحلية التي تقتضيها المصلحة الحكومية كما حدد أعمال وصلاحيات واختصاصات الوزراء ومسؤولياتهم في حين تناول في الفصل الخامس السلطة القضائية حيث نصت المادة (62 ) تأكيد استقلال القضاء حيث نصت ( ان الحكام لا يعزلون الا في الاحوال المصرحة في القانون والنصوص الواردة في شروط اهليتهم ومناصبهم ودرجاتهم وكيفية عزلهم ) وفي المادة (71 ) ان المحاكم مصونة من التدخل في شؤونها .

ثم تعاقب صدور الدساتير لتأكد استقلال القضاء ففي دستور( 1958)  ورد في  المادة (23 ) ( القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأي سلطة او فرد التدخل في استقلال القضاء او في شؤون العدالة.

 وفي المادة ( 85 )  من دستور 1964 المؤقت نصت على ( الحكام والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في استقلال القضاء او في شؤون العدالة ) كما تم التأكيد على مبدأ استقلال القضاء في دستور عام ( 1968) في المادة ( 79 ) ثم تم التأكيد على المادة (85) في اعلاه مع اضافة عبارة (وتنظم السلطة القضائية بقانون ) . 

ثم استبعد هذا المبدأ بموجب قانون وزارة العدل الذي صدر في ( 27/ 7 / 1977 ) وأصبحت السلطة القضائية والاجهزة العدلية تحت اشراف وزارة العدل وتم تشكيل مجلس للعدل لادارة شؤون القضاء .

وبعد غزو العراق واحتلاله أعيد الاخذ بمبدأ استقلال القضاء حيث ورد في قانون الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية عام (2004 ) الفصل بين السلطات الثلاثة  حيث تضمنت المادة (43 ) على ان القضاء مستقل ولا يدار باي شكل من الاشكال من السلطة التنفيذية ومن ضمنها وزارة العدل ويتمتع القضاة بالصلاحية التامة حصرا لتقرير براءة المتهم او ادانته وفقا للقانون من دون تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية .

اما في الدستور الدائم لعام ( 2005 ) فقد ورد في نص المادة ( 5 ) ان السيادة للقانون والشعب مصدر السلطات وشرعيتها في حين تضمنت المادة ( 47 ) ان السلطات الاتحادية تتكون من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على ان تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات .

وتناول الدستور في المادة (87 ) طبيعة السلطة القضائية بانها مؤسسة مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها ونصت المادة ( 88 ) بان القضاة مستقلون ولا يجوز لأي سلطة التدخل في شؤون العدالة .

 ونصت المادة ( 90 )  (يتولى مجلس القضاء الاعلى ادارة شؤون الهيئات القضائية وينظم القانون طريقة تكوينه واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه ) اما المادة ( 91 / أولا ) فقد تناولت صلاحيات مجلس القضاء الأعلى في أدارة شؤون الهيئات القضائية .

 ونحن نرى ان مبدأ استقلال القضاء لا يعني ان ينقطع التواصل والاتصال والتنسيق والتكامل مع السلطتين التشريعية والتنفيذية في الامور السياسية والادارية والمالية العامة للدولة وهذا لا يتعارض مع مفهوم استقلال القضاء الذي نعتقد انه ينصب على عدم التدخل في شؤون العدالة المتعلقة بالقرارات والاحكام القضائية وعمل المحاكم تحديدا وعلى السلطتين ومؤسساتهما تنفيذها حرفيا .

كما ان التفاعل الايجابي بين مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا ضرورة ملحة لترسيخ هذا المبدأ . وان الاخذ بمبدأ استقلال القضاء يجب ان يكون نسبيا ومرنا في الامور التي لا علاقة لها في العمل القضائي وشؤون العدالة وليس مطلقا بعيدا عن المتغيرات المتسارعة التي تحصل في ادارة مؤسسات الدولة والمجتمع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى