اللجنة القانونية

جريمة الاختفاء القسري

جريمة الاختفاء القسري

المستشار سعيد النعمان

عضو اللجنة القانونية / المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

المقدمة

  ان التطور التاريخي للقانون الدولي بشان تجريم الاختفاء القسري كان ينظر اليه كقواعد عرقية كحضر الحرمان التعسفي من الحرية وحضر التعذيب والمعاملة القاسية وغيرها من القواعد .

تأسست اول منظمة انسانية ( اللجنة الدولية للصليب الاحمر في عام  1859) و(اتفاقية جنيف عام 1864 )  الا ان الوضع القانوني العام هو تجريم المحكمة الجنائية الدولية لجريمة الاختفاء القسري في المادة (7) من اتفاقية روما (2002 ) وممارسة المحكمة اختصاصاتها وفقا للمادة (13) من الاتفاقية منحها الاهتمام الدولي .

وفي (2006 ) اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لحماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري ويقصد به ( الاعتقال او الاحتجاز او الاختطاف او اي شكل من اشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة أو اي اشخاص او مجموعات من الافراد يتصرفون بأذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته او اخفاء مصير الشخص المختفي او مكان وجوده ووضعه خارج حماية القانون ) .

وتعتبر هذه الجريمة انتهاكا صارخا وخطيرا لحقوق الانسان وسلامة المجتمع وامنه لا نها تهدف الى بث الرعب والخوف داخل المجتمع في غياب دور الحكومة في توفير الامن والامان لذلك اصبح الاختفاء القسري معضلة وطنية دولية وعالمية فهي تحدث في معظم الدول. وقد يحصل الاختفاء في ظروف معقدة بسبب النزاعات الداخلية وقد يستخدم وسيلة للضغط السياسي على المعارضين للسلطة وكذلك استهداف المدافعين عن حقوق الانسان واقارب المخطوفين والشهود والمخبرين والمحامين ومن لهم اهتمامات بمتابعة هذه الجريمة. وقد تستخدم الدول اجهزة مكافحة الارهاب كذريعة لتفادي التهم الموجة اليها وابعاد الشبهات والاتهامات عنها .

كما يلاحظ افلات الكثير من مرتكبي هذه الجريمة من العقاب في نطاق واسع مما يعمق استمرار هذه الجريمة وانتشارها. اما بالنسبة لذوي المخفيين الذين يتعرضون الى الخطر نتيجة البحث والتحري عنهم ويستمرون في الانتظار من جراء عدم التوصل الى أماكنهم وفيما اذا كانوا احياء او اموات قد يستغرق سنوات وتبقى هذه الاسر في امس الحاجة الى المساعدة والعون من قبل الحكومة لسد احتياجاتهم طيلة فترة الاختفاء القسري علما بان بعضا من القوانين الوطنية لا تسمح لذوي المختفي بالحصول على راتب تقاعدي او دعم بدون شهادة وفاة . ويكون الاشخاص المختفون عرضة للتعذيب بدرجة كبيرة لا نهم خارج حماية القانون وعدم القدرة على استعمال وسائل الدفاع القانونية. ان معاناة الضحايا وممارسة الضغوط على الحكومات المتهمة بممارسة السلوك الخارج عن القانون ومحاولة أيجاد وسائل لمساعدة الضحايا واسرهم تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006 اتفاقية لحماية الاشخاص من الاختفاء القسري وقد وقع عليها (143) دولة ودخلت حيز التنفيذ في (30/8/ 2010) وتضمنت هذه  الاتفاقية الدولية التي تقدم تعريفا لجريمة الاختفاء القسري وايجازا للإجراءات الضرورية التي على الدولة أتخاذها لتفادي وقوع الجريمة والسماح بالتحقيق ومقاضاة مرتكبيها الذين ينتهكون حقوق الانسان ومن بينها  الحق في أمن الشخص وكرامته والحق في عدم التعرض للتعذيب والاكراه والحق في توفير ظروف انسانية في الحجز او الاعتقال والحق ان تكون له شخصية قانونية والحق في الحصول على محاكمة عادلة والحق في تكوين حياة اسرية والحق في الحياة .

وتقوم  منظمة العفو الدولية بحملة نشطة للتحري عن المئات من الحالات التي يتعرض فيها الاشخاص للاختفاء القسري وممارسة الضغط على الحكومات لتحديد مصير ومكان جميع الاشخاص المختفون وكشف تقريرها الصادر في (كانون اول / 2017 ) ان جميع الدول تتقاعس عن حماية المدافعين عن حقوق الانسان من عمليات القتل والاعتقال القسري ودعت الحكومات الى 1ـ اجراء التحقيق في حالة وجود ادلة كافية يعتد بها في مقاضاة المشتبه بهم 2 ـ اعتبار الاختفاء القسري سواء كان على ايدي موظفي الدولة او الجهات التابعة لها او من جهات غير حكومية جريمة بمقتضى القانون الوطني 3ـ تنفيذ الاتفاقيات الدولية وقبول الولاية القضائية للجنة المعنية بالاختفاء القسري 4 ـ ضمان حصول النازحين والذين فقدوا ذويهم الحق في جبر الضرر ويشمل التعويض واعادة التأهيل ورد الاعتبار والضمان بعدم وقوع حوادث اختفاء مرة ثانية 5 ـ الغاء اي قانون عفو او اي اجراء ات اخرى للإفلات من العقاب مثل قانون التقادم .

جريمة الاختفاء القسري في العراق

قبل احتلال العراق عام 2003 لم يكن لجريمة الاختفاء القسري ظهورا لافتا او قانونا خاصا بها  بل وردت في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل نصوصا تضمنت  الجرائم الماسة بحرية الانسان وحرمته والقبض على الاشخاص وخطفهم وحجزهم المواد (421 ـ 429) والتي ما تزال تطبق وتضمنت العقوبات ( السجن او الحبس او الغرامة ) وقبول الصلح والتنازل في بعضا منها والذي يودي الى غلق الدعوى او تخفيفها واغلب جرائم الاختفاء كانت ترتكب بدوافع اقتصادية او اجتماعية وعشائرية ولم تكن الحكومة او موظفيها من الاجهزة الامنية طرفا فيها بل تقوم بتنفيذ الاجراءات وفقا لقرارات السلطتين التنفيذية والقضائية . ونادرا ما يتعرض المخطوفين الى القتل او التعذيب ويطلق سراحهم بعد حصول الخاطفين على مطالبهم . وبعد الاحتلال بأشهر بدأت جرائم الاختفاء القسري ترتكب بكثافة بسبب انعدام الامن والفوضى التي سادت العراق وضعف الحكومة وتواجد المجموعات المسلحة الخارجة على القانون وحيازتها للأسلحة بأنواعها والتداول بها علنا وتلقي الاوامر باغتيال اشخاص او خطفهم وحجزهم في اماكن مجهولة لغرض تعذيبهم ومن ثم تصفيتهم . وليس هناك احصائيات دقيقة بعدد المخفين قسرا الا انها مرعبة ومخيفة لذلك دعت الامم المتحدة العراق الى اعلان مصير المغيبين والمختطفين ووفقا لمصادر حقوقية وسياسية ان عددهم في العراق يقترب من (40) الف شخص لغاية عام 2019 ثم صدر قرار من مجلس القضاء الاعلى تشكيل هيئات تحقيقية في كل محافظة  تعرض مواطنيها الى الخطف او التغييب ومعرفة مصيرهم .

الملاحظات الختامية من اللجنة المعنية بالاختفاء القسري في العراق

تضمنت الملاحظات الختامية بشان التقرير المقدم من العراق في 15 / شباط 2015 بموجب الفقرة (1) من المادة 29 من الاتفاقية من قبل اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري الذي شمل العديد من الملاحظات القانونية والاجرائية واجوبه دقيقه لكل فقرة من التقرير آلا ان ابرز ما فيه. ان مشاريع القوانين العراقية يشان التعذيب والاختفاء القسري لا تفي بالمعايير الدولية لحقوق الانسان لا نها غير ملائمة وهناك قصور واضح في مضامينها و انعدام المسؤولية الجنائية ومخاوف عدم قدرة المحاكم بإقامة عدالة مستقلة ونزيهة وان العقوبات غير كافية والحاجة الى قاعدة بيانات للوصول الى المعلومات . وغياب الارادة والموارد لتنفيذ القوانين بشكل فعال وحصول إخفاء قسري على يد مجموعات حكومية عسكرية ومدنية . وطلبت اللجنة من الحكومة اجراء تحقيقات فورية بمزاعم الاخفاء القسري ومقاضاة المسؤولين عن انفاذ القانون من جميع الرتب وتوجيه الاتهام فورا للمحتجزين الذين توجد ضدهم ادلة موثوقة على ارتكابهم الجرائم .

مشروع قانون الاختفاء القسري

انظم العراق الى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري بموجب القانون رقم 17 لسنة 2009 فاصبح عليه تعديل قوانينه كي تتوافق مع نصوص الاتفاقية او يقوم بتشريع قانون يحرم الاختفاء القسري ويعاقب على مرتكبيه. ونحن مع اتجاه التشريع وان المعني بذلك المفوضية العليا المستقلة لحقوق الانسان في مجلس النواب والسلطتين التنفيذية والتشريعية . وفي 22/7/ 2019 ناقش ممثلو مكتب حقوق الانسان يوناني والمفوضية العليا لحقوق الانسان حالات الاختفاء القسري وتم التأكيد عل ضرورة انجاز مشروع القانون الذي تمت قراءته الاولى في مجلس النواب . وفي 29/ 6 عقدت لجنة حقوق الانسان مع ممثل الامم المتحدة وتمت مناقشة مشروع القانون لا جل الاسراع بتشريعه . وبإيجاز شديد سأستعرض مضامين هذا القانون . في المادة1 تناولت تعريف الاختفاء القسري الذي لا يختلف عن التعريف في الاتفاقية وفي المادة2 تسري احكام القانون على كل من تم اعتقاله او احتجازه وأفاءوا قسرا في المادة 3 اهداف القانون حماية الاشخاص من الاختفاء القسري وحقهم في الحصول على التعويض وتجريم مرتكبي الاختفاء وتعزيز حماية حقوق الانسان في المادة 4 الزام كافة الجهات الحكومية بأنشاء قاعدة بيانات في المادة 5 الزام كافة الجهات الحكومية بالتعاون مع مفوضية حقوق الانسان في المادة 6 تقوم المحاكم المختصة النظر بدعاوى الاختفاء بغض النظر عن وظيفة الاطراف في المادة 7 الزمت الجهات الحكومية والقضائية اتخاذ التدابير اللازمة لضمان حماية اطراف الدعوى في المادة 8 عدم جواز التذرع بأية اوامر او تعليمات صادرة من جهة رسمية في المادة 9 حظر كافة افعال الاعتقال او الاحتجاز او الحرمان من الحرية بدون مسوغ قانوني وفي المادة 10 تضمنت العقوبات بالإعدام والسجن والحبس والغرامة وفي المادة 11 تضمنت تطبيق الظروف المشددة السجن المؤبد والاعدام أذا أدت الجريمة الى موت المخي قسرا في المادة 12 تضمنت الاعذار المخففة المعروفة للجميع وفي المادة 13 منحت الحق للمتضرر من الجريمة مراجعة المحاكم المدنية للمطالبة بالتعويض ماديا ومعنويا وفي المادة 14 منعت سريان التقادم على جرائم الاختفاء القسري وفي المادة 15 نصت على تطبيق قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969وقانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971وفي المادة 16 اوجبت على مجلس الوزراء اصدار الانظمة والتعليمات لتسهيل تنفيذ هذا القانون في حين نصت المادة 17 على تنفيذ هذا  القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية اما الاسباب الموجبة لصدور هذا القانون مكافحة جريمة الاختفاء القسري ومنع افلات مرتكبيها من العقاب ومواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية بما يعزز حماية حقوق الانسان في العراق .

ونرى اضافة موادا الى مشروع القانون تتعلق بحقوق الضحايا ومن بينها ـ :

اولا ـ  تحديد مدة زمنية معقولة لاعتبار المختفي متوفيا لغرض صرف الراتب التقاعدي ان  كان موظفا لدى الدولة

ثانيا ـ تتحمل الدولة دفع التعويض الى الضحية ان كان مرتكب جريمة الاختفاء القسري من موظفي الدولة او طرفا فيها وحكم عليه بإحدى العقوبات الواردة في هذا القانون .

ثالثا ـ لا نجد مبرر لفرض الغرامة على مرتكب جريمة الاختفاء القسري طالما حكم عليه بالانعدام او بالسجن او الحبس .

رابعا ـ الغاء المادة 13 المتعلقة بالمتضرر مراجعة المحاكم المدنية للمطالبة بالتعويض .

التوصيات

1ـ العراق بحاجة الى تفاعل قانوني حقيقي بين القانون الدولي والوطني في صياغة النصوص القانونية وبالذات ما يتعلق بجريمة الاختفاء القسري وغيرها من الجرائم ذات الطابع المختلط .

2ـ ايجاد اليات تعاون مع المنظمات الدولية ومنها اللجنة الدولية للصليب الاحمر ومنظمة العفو الدولية ولجنة حقوق الانسان في هيئة الامم المتحدة للتصدي للاختفاء القسري .

3 ـ يتوجب على مجلس النواب اعتبار مشروع قانون الاختفاء القسري من القوانين المستعجلة وضرورة انجازه خلال  الفصل التشريعي الحالي .

4 ـ تنفيذ الاتفاقيات الدولية وقبول الولاية القضائية للحنة المعنية بالاختفاء القسري والتنسيق العالي معها بما يضمن تحقيق العدالة المزدوجة الوطنية والدولية .

5 ـ عدم شمول جريمة الاختفاء القسري باي عفو عام او خاص او تخفيف الاجراءات الخاصة تحقيقا ومحاكمة .

6 ـ اجراء التحقيق في الاختفاء القسري في حالة وجود ادلة كافية يعتد بها وانجاز التحقيق  بالسرعة المطلوبة دون الاخذ بعين الاعتبار سواء كانوا من موظفي الدولة او الجهات التابعة لها

المصادر

ـ المحامي محمد نادر ـ دلالة الجريمة للاختفاء القسري بين القانون الدولي والقانون الجنائي الداخلي ـ العراق نموذجا ـ موقع رسالة بوست في 2/ 6 /2020.

ـ  الملاحظات الختامية بشان التقرير المقدم من العراق بموجب الفقرة 1 من المادة 29 الخاص باتفاقية حماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري ـ 15/ شباط /2017 .

ـ قانون انضمام  جمهورية العراق الى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري ( ملحق الاتفاقية ) .

ـ تقرير المفوضية العليا لحقوق ـ اب / 2015

ـ مناقشة مشروع قانون الاختفاء القسري مع الممثل الدائم لمكتب الامم المتحدة والنائبة وحدة الجميلي في بغداد 19 / 9/ 2019للمضي في تشريع القوانين التي ترسخ حقوق الانسان ,.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى