اللجنة القانونية

العفو الخاص بين النصوص المنظمة له وآلية التطبيق

الدكتور ميثاق غازي فيصل

عضو اللجنة القانونية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

ينشأ عن ارتكاب الجريمة حق للمجتمع في الاقتصاص من مرتكبها الذي مس مصلحة المجتمع في ان ينعم بالسكينة والامان, واقتضاء حق المجتمع يتم عن طريق القضاء لأنه الجهة المنوط بها تطبيق القانون, هذا الاقتضاء يكون باتباع الاجراءات التي نص عليها القانون المنظم لها وهو قانون اصول المحاكمات الجزائية, فتبدأ بتحريك الدعوى الجزائية الى ان نصل الى مرحلة اصدار قرار الحكم الفاصل بالدعوى, الا ان هناك حالات تنقضي بها الدعوى الجزائية هذه الحالات منها ما هو عام مثل وفاة المتهم والعفو وصدور حكم بات والامر بوقف الاجراءات الجنائية والتقادم.

فالعفو يراد به تنازل الدولة عن حقها في العقاب أي بتوقيع العقوبة على الجاني وهو يقسم الى نوعين عفو عام وعفو خاص, وتتنازل الدولة عن حقها في توقيع العقاب عن الجاني في العفو العام بموجب قانون يصدر عن السلطة التشريعية. اما تنازل الدولة عن حقها في توقيع العقاب فيتم بمرسوم يصدر عن رئيس الدولة.

وينظم دستور الدولة الطريقة والاجراءات التي يصدر بها العفو الخاص وهذا ما بينته المادة (73/ اولا) من دستور جمهورية العراق لسنة (2005) حيث اشترطت تقديم توصية من رئيس مجلس الوزراء الى رئيس الجمهورية, كما اشترطت ان يستثنى من العفو الخاص المحكومين عن الجرائم التي تتعلق بالحق الخاص, والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية, وجرائم الارهاب, وجرائم الفساد المالي والاداري.

وقام رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الاعمال بإرسال توصيته الى رئيس الجمهورية لإصدار عفو خاص عن المحكومين الذين اكملوا نصف المدة او الذين تبقى لهم من مدة محكوميتهم سنة فاقل, مع استثناء مجموعة من الجرائم التي تشكل خطورة على امن المجتمع وكذلك المشمولين بقانوني العفو العام رقم (19) لسنة (2007) و (27) لسنة (2016).

ومن وجهة نظر قانونية نسجل على التوصيات الملاحظات الاتية.

اولاً. ان المادة القانونية التي تنظم اجراءات العفو الخاص في قانون اصول المحاكمات الجزائي معطلة بأمر من رئيس سلطة الائتلاف ( الاحتلال) المؤقتة المنحلة بمذكرتها المرقمة( 3 ) لسنة (2003), لذا فان السند القانوني للعفو الخاص هو نص المادة 154 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969. وهذا ما يجب الانتباه له والركون اليه عند اصدار العفو الخاص بمرسوم رئيس الجمهورية.

ثانياً. جاءت التوصية باستثناءات عديدة وكثيرة وطويلة اذا ما تم اخذها جميعا بنظر الاعتبار من قبل فخامة رئيس الجمهورية فان العفو الخاص سيفقد قيمته اولا, لان تلك الاستثناءات ستجعل من العفو الخاص استثناءً ومن التوصية قاعدة عامة. ثم ان العفو الخاص اذا ما صدر بكل تلك الاستثناءات سيجعل منه غير متسق مع الضرورة التي اريد لفخامة رئيس الجمهورية اصداره من اجلها وهي الحفاظ على ارواح المحكومين من الوفاة نتيجة تعرضهم للإصابة بفايروس (كورونا) او (كوفيد 19)ثانيا؛ كما سيفرغ مطالبات الجماهير المتظاهرة من فحواها وهي اخراج الابرياء او الذين قضوا مدة طويلة من محكوميتهم.

ثالثاً. لم تبين التوصية المقدمة الى فخامة رئيس الجمهورية نوع العقوبة المشمولة بالعفو الخاص خصوصا وان قانون العقوبات العراقي النافذ نص على عدم شمول العقوبات التبعية والتكميلية والتدابير الاحترازية بالعفو الخاص. لذلك فأننا نرى ان استثناء التوصية للجرائم المتعلقة بالحق الخاص وهو غالبا ما يكون في صورة تعويض لا داعي لها, لان العفو الخاص لا يترتب له أي اثر على الدعوى المدنية والتي نتيجتها التعويض, فمن لم يتنازل عن حقه الخاص بإمكانه رفع الدعوى المدنية امام المحاكم المدنية.

رابعاً. هل يشمل العفو الخاص المحكومين الذين لم تكتسب الاحكام الصادرة بحقهم درجة البتات, خصوصا وان محكمة التمييز قد تنقض قرار الادانة وتعيد الاوراق الى محكمة الموضوع لإجراء المحاكمة مجددا, الامر الذي يعني ان فترة بقاء المتهم بعد نقض الحكم ستطول الى اجل غير معلوم مع عدم امكانية تقدير الوقت لانتهاء جائحة كورونا.

خامساً. تتعارض التوصية مع القاعدة العامة في العفو الخاص وهو ان يصدر العفو الخاص عن اشخاص معينين بأسمائهم او معينين بذواتهم. ولم تتضمن التوصية قوائم بأسماء الاشخاص او ذواتهم علما ان وزير العدل ووزير العمل والشؤون الاجتماعية هما اعضاء في مجلس الوزراء. الامر الذي دعا فخامة رئيس الجمهورية الى طلب قوائم بأسماء المحكومين من وزارتي العدل و وزارة العمل والشؤون الاجتماعية, وهذا فيه ما فيه من خسارة لوقت ثمين قد تفقد معه الدولة حياة الالاف المحكومين نتيجة اصابتهم بفايروس كورونا.

وبعد هذا البيان الذي فصلنا فيه للعفو الخاص نرى ضرورة الاسراع بتشريع قانون للعفو العام بمقترح يقدم من رئيس الجمهورية خصوصا وان العفو العام اقرب للتنفيذ لأنه لا يتطلب ارفاق قوائم بأسماء المشمولين بالعفو وهو الامر الذي يتطلبه اصدار العفو الخاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى