قراءة أولية في الانتخابات النيابية العراقية

بقلم أ.د. هاني الحديثي
استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية والخبير في شؤون الباكستان واسيا
عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات – لجنة العلم السياسية.
تقديم
قبيل الإعلان النهائي عن نتائج الانتخابات النيابية في العراق تبرز مقدمات شائكة أبرزها:
1-بيانات تصدر من المفوضية العامة للانتخابات عن نسبة المشاركة فيها حيث تزعم ان نسبة المشاركين وصلت إلى 54./. معتمدة على مجمل الناخبين الذين حدثوا بياناتهم الانتخابية والذين لم تتجاوز أعدادهم 10.898.327 مواطن من اصل 21.404.291 ناخب في الوقت الذي تم تجاهل 10,000,000 مليون ناخب لم يذهبوا لتحديث سجل بياناتهم عدا اكثر من 6.000.000 مليون مهجر خارج العراق لم يتم شمولهم بالانتخابات تحت اعتبارات غريبة قيدت على انها صعوبات لوجستية الامر الذي يعني ان نسبة المشاركة في هذه الانتخابات لاتزيد في افضل الأحوال عن 25./ .
2- سيف القضاء الذي هدد به السيد فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى حين نبه قبل اجراء الانتخابات بيومين ان اختيار يوم الحادي عشر من آذار توقيت غير دستوري ، وهذا يعني انه يستطيع ان ينسف العملية الانتخابية ونتائجها وربما الحكم ببطلانها متى وجد ذلك مناسبا وفق قناعاته القانونية ،وهو ذات الاجراء الذي سبق له واتخذه اتجاه إبطال قرار المحكمة الاتحادية ببطلان اتفاقية خور عبدالله فضلا عن القرار بتغيير مفهوم الكتلة الفائزة بالانتخابات في انتخابات عام 2010 والتي اعترضت عليها ايران أو الاحزاب المدعومة من قبلها الأمر الذي قاد لاحقا لتغيير تفسير نص دستوري بأن الكتلة او القائمة الفائزة والتي يحق لها تشكيل الحكومة هي الكتلة الأكبر التي تتشكل داخل البرلمان وليست القائمة الفائزة بالانتخابات .
3- التدخل السافر من قبل ايران وربما دول اخرى في هذه الانتخابات قبل وأثناء اجرائها حيث تم اعتراض الترشيح لعدد من الشخصيات العراقية وبخاصة منهم المعترضين على اتفاقية خور عبدالله تحت ذرائع تم الاعتراض عليها بشكل واسع النطاق ،ثم شخصيات اخرى ترفض التدخل الاقليمي وسطوة الفصائل المسلحة على المشهد السياسي وصلت حد التهديد بالاغتيال كما اعلن العديد من المرشحين او تم تصفيتهم فعلا كما حصل مع المرشح صفاء المشهداني.
إلى جانب الإعلانات المتواترة عن رفض قوى دولية كالولايات المتحدة الاعتراف بنتائج الانتخابات العراقية بسبب دخول قوى مسلحة فيها خلافا للنصوص الدستورية وبعظها مسجل على قائمة الارهاب لديها وبالتالي رفض النتائج التي تيسر لهذه الفصائل المشاركة في تشكيل الحكومة خاصة ان ادارة ترامب أبدت رغبتها الواضحة في دخول الشركات الأمريكية بشكل واسع في تحقيق استثمار أمثل لموارد العراق في النفط والغاز والمعادن خلاف الرغبة الإيرانية ومساعيها للسيطرة على قطاعات الاقتصاد والثروة في العراق وإبقائه معتمدا على استيراد الغاز والمشتقات النفطية فضلا عن قطاعي الصناعة والزراعة ورفع نسبة التجارة لصالح ايران واقتصادها الذي يعاني من حصار دولي .
أبرز معطيات الانتخابات العراقية تمركزت في اجرائها بشكل شفاف في اغلب مناطق اقليم كوردستان العراق في ظل خطاب سياسي وطني تركز في خطاب قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الزعيم مسعود البارزاني والذي ركز على ان الهدف منها تقديم الخدمات وإنشاء المشاريع خدمة للعراق كله وليس لحالة محافظات الاقليم وحدها والمقترن عمليا بإنشاء المشاريع فعلا على الارض حتى غدا المسؤولين في الاقليم يسبقون القول بالعمل ليصير الاقليم نموذجا للعراقيين جميعا .
من جانب آخر اشتد الخطاب الطائفي حدة في الساحتين الشيعية و السنية بين القوائم المرشحة للانتخابات مترافقا مع الانشقاقات الداخلية داخل كل طرف عربي سني او شيعي الامر الذي يهدد بانقسام مجتمعي خطير على أسس طائفية و مناطقية وعشائرية يصير فيه العيش المشترك مجرد شعار فارغ لا قيمة له خاصة انه يترافق مع تدخل سافر من قبل ايران بهذه الانتخابات حيث شهدت الانتخابات العراقية تدخل ايراني واضح عبر عنه تجول ممثل السفارة الإيرانية في مراكز الانتخابات بشكل مستفز وغير مسبوق في العلاقات بين الدول وكأنه شكل من أشكال المواجهة والتحدي للإدارة الأمريكية ليعبر بوضوح عما صرح به الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الايراني من اعتبار الانتخابات تشكل حالة مصيرية للعلاقات الإيرانية -العراقية ورفض ايران التدخل الأمريكي فيها وكأنها تملك الوصاية ( او هي فعلا كذلك ) على مجمل مايسمى العملية السياسية في العراق ، وهو الإعلان الرسمي الذي بادرت وزارة الخارجية العراقية برفضه معتبرة إياه تدخل سافر وغير مقبول بشأن داخلي عراقي الأمر الذي تداركه وكيل وزير الخارجية العراقي محمد بحر العلوم والذي صرح من طرفه خلاف بيان وزارته عادا التصريح الإيراني الرسمي تصريح إيجابي حريص على العراق ليعبر بذلك عن انقسام حتى داخل وزارة الخارجية العراقية و تحت وقع الضغط الذي عبرت عنه القوى والاحزاب وملشياتها الموالية صراحة لإيران حيث رفضت البيان الرسمي عن وزارة الخارجية العراقية لتتفاعل ايجابياً مع التدخل الايراني في الشأن العراقي .
بعبارة اخرى فان الانقسام الوطني في هذه الانتخابات بان واضحا وصريحا وضوح الشمس الامر الذي يشكك بفاعلية ووجود الدولة لصالح فاعلية (دويلات المدن و الطوائف ) .
في ضوء ماتقدم فان الانتخابات العراقية تشكل حالة متقدمة تتفاعل ولا تختلف جوهريا عن الانتخابات للدورات النيابية السابقة وفق ما يبدو حتى الان بدليل الفوز لنفس الوجوه من الزعامات السابقة ولكنها ايضا مفصلية في تاريخ العراق المعاصر بين حالتي الدولةً الفاشلة القائمة منذ الاحتلال المركب عام 2003 م ، أو حالة الانقسام والتشرذم في تهيئة قد تكون مقصودة لإعلان لاحق رسميا او عمليا او كليهما بانهيار الدولة العراقية التي تأسست عام 1921 والتحول نحو تشكيلات اخرى بأشكال مختلفة .
من جانب آخر فان الإعلان أو ما يروج إعلاميا على الأقل عن رفض الإدارة الأمريكية المسبق لنتائج الانتخابات العراقية هو إنذار واضح قد يحسم الجدل بين الدولة و اللادولة في العراق وربما ينتج عن ذلك تصعيد التوتر الأمريكي-الإيراني على حساب العراق ومصالح شعبه.
بعبارة اخرى فان عدم اعتماد برنامج نوعي وطني حقيقي في التشكيل الحكومي المقبل بعيدا عن التدخلات الاقليمية و الدولية بالشأن العراقي ويسعى لإعادة النظر في كل مرحلة ما بعد الاحتلال حتى الان وفق ما يخدم العراق والعراقيين تحت شعار العراق اولا ووفق برنامج إنمائي حقيقي يضع حدا للفساد الشامل وينجز برامج اقتصادية وخدمية واسعة النطاق ، فان المستقبل لا يبشر بنتائج إيجابية وهو مالا نأمله ولا نتمناه للعراق والشعب العراقي .
وفي ضوئه فان النتائج الانتخابية حتى الان لا تعبر عما قد يحصل على ارض الواقع لفترة ما بعد الانتخابات



