رسم الخارطة المائية للعراق على ضوء نقص المياه، ضرورة وطنية

رمضان حمزة محمد
خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية وتغير المناخ
عضو لجنة الزراعة والري في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
أزمة المياه في العراق لم تعد أزمة عابرة أو ظرفية، بل هي تحدٍ وجودي يتطلب التخطيط المستند إلى المعلومات والبيانات الدقيقة، وتعد الخارطة المائية الوطنية حجر الأساس الذي سيمكن العراق من مواجهة هذا التحدي وتحقيق أمنه المائي للأجيال القادمة. إن رسم الخارطة المائية ضرورة وطنية عاجلة تفرضها الوقائع الراهنة وحجم المخاطر المستقبلية. لان البلاد يمرُ اليوم بأزمة مائية غير مسبوقة تهدد الأمن الغذائي، الاقتصادي، والاجتماعي للبلاد. وصلت أزمة نقص المياه إلى مستويات خطيرة، حيث سجل مخزون المياه أدنى مستوى له منذ 80 عاماً نتيجة ضعف الأمطار وانخفاض تدفق نهري دجلة والفرات بسبب المشاريع المائية في دول التشارك المائي وظروف التغير المناخي. في ظل هذه الأزمات المائية، تكمن الضرورة الوطنية القصوى في رسم خارطة مائية دقيقة للعراق لتكون أساساً للسياسات والإجراءات المستدامة في إدارة هذا المورد الحيوي.
واقع الموارد المائية في العراق والاساس في حياة العراقيين هما نهري دجلة والفرات اللذان يمثلان الشريان المائي الرئيس للبلاد، إذ تعتمد عليهما معظم القطاعات الزراعية والصناعية والسكانية. بينما تلعب البحيرات والسدود دور رئيسي لضمان المخزون الاستراتيجي للبلاد وتتمثل في سد الموصل، حديثة، دربنديخان، دوكان وغيرها، لكنها تعاني من تقادم وضعف في عمليات الصيانة والتشغيل، بالإضافة لتأثيرات السدود في أعالي النهرين وكذلك تلعب البحيرات الطبيعية مثل بحيرة الثرثار دوراً اساسياً في مواجهة نقص المياه في عمود نهري دجلة والفرات بينما تبقى المياه الجوفية مورداً مهماً في المناطق التي تندر فيها الموارد السطحية، غير أن استنزافها غير المنظم يمثل تهديداً لمستقبلها. ولهذا ظهرت تداعيات نقص المياه في تراجع مساحة الأراضي المزروعة بنسبة تصل إلى 50%، وخسائر جسيمة في قطاع الثروة الحيوانية والسمكية. واضطرار الدولة لتقليص المساحات الزراعية الموسمية حفاظاً على مياه الشرب، زيادة ملوحة التربة وتدهور النظم البيئية المحلية وكنتيجة لذلك تصاعد معدلات النزوح الداخلي وخاصة بين سكان الأهوار والمناطق الريفية. لذا يتطلب العمل على إدارة الكوارث لرسم سيناريوهات التصدي لمخاطر الجفاف والفيضانات. من خلال تسخير التقنيات الحديثة مثل الاستشعار عن بعد لتتبع جودة وكمية المياه بالتغيرات الموسمية والسنوية ولحماية الأمن البيئي والمجتمعي كي تساهم في الحفاظ البيئة ومنها بيئة الأهوار والمناطق البيئية الحيوية وإطلاق حملات توعوية لتعزيز ثقافة الحفاظ على المياه لدى جميع شرائح المجتمع.
من هنا نرى أهمية لرسم الخارطة المائية الجديدة للبلاد التي ستتضمن إعداد قواعد بيانات تفصيلية تشمل كل مصادر المياه السطحية والجوفية بالاعتماد على الصور الفضائية عبر الأقمار الصناعية والمسح الميداني والعمل على توحيد جميع الدراسات السابقة تحت إطار مؤسسي وطني واحد للتخطيط المائي. وهذه الخطوة ستمهد السبل للتعاون الإقليمي والدولي لدعم العراق فنياً ومالياً في رسم وتحديث الخارطة المائية ويجب ان يكون للجامعات ومراكز الأبحاث دور رئيسي في رسم وتصميم الخارطة وتدريب الكوادر الفنية اللازمة. ومن خلال عملية علمية لجمع المعلومات المكانية عن الأنهار، القنوات، البحيرات، السدود، والمياه الجوفية ونقاط التوزيع والطلب والاستهلاك وذلك باستخدام تقنيات الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية GIS، ما يوفر قاعدة بيانات دقيقة لصانع القرار كي يتم تشخيص مكامن الضعف والفاقد برصد أماكن التسرب، الهدر والتجاوزات على الحصص المائية. والعمل على ترشيد وتخطيط الاستثمارات على ضوء المعطيات الدقيقة لتحديد الأولويات في بناء السدود، القنوات، أو شبكات الري الحديثة. ويبقى التفاوض الدولي بمثابة لغة علمية وخرائط رسمية يمكن الاستناد عليها في المفاوضات الدولية بشأن تحديد الحصص المائية مع دول التشارك المائي.