لجنة العلوم الاجتماعية و الانسانية

إيقاع الحبّ والجمال في أعمق المشاعر

الدكتورة ربا رباعي / دكتوراه لغة عربية – نقد وبلاغة

أستاذة جامعية / الاردن

مقدّمة

منذ أن خُلق الإنسان، وهو يفتّش في الوجود عن معنى يسمو به فوق مادّيته، فيجد في الحبّ والجمال ملاذًا لروحه، ونبضًا لوجوده، وإيقاعًا خفيًّا ينساب في أعماق مشاعره كما تنساب الأنهار في مروج الحياة. إنهما سرّان متلازمان؛ فالحبّ هو الشعور بالاكتمال، والجمال هو صورته الملموسة في العالم، وإذا اجتمعا ولّدا فنًّا وحكمةً وخلودًا.

أولًا: الحبّ كطاقة كونيّة تنبض في القلب الإنساني

الحبّ في جوهره ليس مجرّد عاطفة عابرة، بل هو قوّة وجوديّة تتخطّى الزمان والمكان. يقول الفيلسوف أفلاطون في محاوراته: «الحبّ هو توق النفس إلى الجمال الأبديّ»، وهو ما يجعل الإنسان يسعى نحو الكمال، ويتجاوز نقصه بالآخر الذي يعشقه.

وفي الشعر العربي، تتجلّى هذه الرؤية في قول مجنون ليلى:

> أمرُّ على الدِّيارِ ديارِ لَيْلَى

أُقَبِّلُ ذا الجدارَ وذا الجدارا

وما حبُّ الدِّيارِ شَغَفنَ قلبي

ولكن حبُّ من سكنَ الدِّيارا

فالحبّ هنا طاقة تُحوّل الجماد إلى كائن حيّ، وتُضفي على الأشياء البسيطة قداسةً تنبع من روح العاشق نفسه.

أما نزار قبّاني فقد جعل من الحبّ نشيدًا للتمرّد والخلود، إذ يقول:

 

> ما دمتَ أنتَ معي، فالوقتُ من ذهبٍ

والعمرُ يسكنُ في كفَّيْكَ يا وطني

إنّه الحبّ الذي يتحوّل إلى وطنٍ يحتضن الوجدان، وإلى إيقاعٍ يجعل الزمن يغنّي بلحن العاطفة.

ثانيًا: الجمال لغة الروح وإشراقة الوعي

الجمال في معناه الأعمق ليس في الشكل أو الصورة، بل في انسجام الوجود وتوافق عناصره. يقول جبران خليل جبران:

> «الجمال ليس في الوجه، بل في نور القلب.»

فالجمال، إذًا، هو وعيٌ بالكون، وإحساسٌ بالانسجام بين الإنسان والطبيعة والحياة. وعندما يبلغ هذا الإحساس ذروته، يتحوّل إلى فنٍّ وإبداعٍ، لأن الفنان يرى العالم بعين القلب لا بعين الجسد.

وفي الشعر الصوفي نجد الجمال يرتقي إلى معنى إلهي، كما في قول ابن الفارض:

> ولقد تجلّى لي الجمالُ بنفسِهِ

فشَهِدتُهُ، وكأنّني في المرآةِ

الجمال هنا هو تجلّي الحقيقة المطلقة، وهو المرآة التي يرى فيها الإنسان وجه الله، فيغدو الفنّ ضربًا من العبادة، والعشق طريقًا إلى المعرفة.

ثالثًا: التقاء الحبّ بالجمال في عمق الشعور الإنساني

حين يتّحد الحبّ بالجمال، يولد ما يمكن تسميته بـ إيقاع المشاعر، ذلك اللحن الداخلي الذي لا يُسمع بالأذن، بل يُحَسّ بالقلب. هذا الإيقاع هو الذي يُحرّك الشعر، والموسيقى، والرسم، ويُلهِم الفلاسفة والأنبياء والشعراء.

 

يقول طه حسين في حديث الأربعاء:

> «الأدب العظيم هو الذي يُحرّك في النفس حبًّا للحياة، وإحساسًا بالجمال الإنسانيّ الكامن في الألم كما في الفرح.»

إذن فالجمال لا ينفصل عن الحبّ، بل هو تجسيده الحسيّ، والعشق لا يكتمل إلا بوعي الجمال في الآخر، في الفكرة، في الوجود. ولهذا قال النفّري في مواقفه:

> «كلّما اتّسعت الرؤية ضاقت العبارة.»

لأنّ الحبّ حين يبلغ غايته، يعجز اللسان عن وصفه، فيتحوّل إلى موسيقى داخلية تهزّ كيان الإنسان كله.

خاتمة

إنّ إيقاع الحبّ والجمال هو نبض الإنسان العميق، ومصدر إبداعه الأصيل. به تتطهّر الروح من جمود الواقع، وبه يسمو العقل على ضيق الماديّات. في الحبّ، نكتشف أنفسنا؛ وفي الجمال، نرى وجوهنا الحقيقية في مرآة الوجود.

وكأنّ الحياة كلّها ليست إلا قصيدة كبرى، صدرها حبّ، وعجزها جمال، وقافيتها الخلود.

المراجع والمصادر المقترحة

  1. أفلاطون – المأدبة (Symposium)، ترجمة فؤاد زكريا، دار المعارف.
  2. طه حسين – حديث الأربعاء، دار المعارف، القاهرة.
  3. جبران خليل جبران – الأجنحة المتكسّرة ورمل وزبد.
  4. ابن الفارض – ديوان ابن الفارض، تحقيق عبد الحليم محمود.
  5. ديوان نزار قبّاني – الطبعة الكاملة، دار نزار قبّاني، بيروت.
  6. النفّري – المواقف والمخاطبات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى