لجنة العلوم السياسية

قمة منظمة شنغهاي دلالات وتداعيات

بقلم أ.د. هاني الحديثي

استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية والخبير في شؤون الباكستان واسيا

عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات – لجنة العلم السياسية.

تقديم  : تشكل هذه القمة التي انعقدت في الاول من هذا الشهر (31 اغسطس و الاول من سبتمبر /أيلول)  في تيانجين بحضور زعماء الدول الأعضاء أبرزهم بوتين (روسيا )وتشي (الصين)و جودي (الهند)و شهباز شريف (باكستان )وبازشكيان (ايران ) و اردوغان (تركيا )وبقية زعماء العالم الآسيوي وخاصة بلدان وسط اسيا المؤسسين لمنظومة شانغهاي منذ 1996م  وهم إلى جانب كل من الصين وروسيا كل من كازاخستان و قرغيزستان و طاجيكستان لتنظم لهم أوزبكستان في مؤتمر شنغهاي لعام 2001م حيث الإعلان عن انشاء منظومة التعاون الاقليمي لها على أساس تعاون امني أخذ لاحقا توسيع إطاره لتصبح المنظمة ذات وظيفة اقتصادية وتنموية وأمنية اقليمية بأمانة عامة وهيكل تنظيمي وظيفي ،لتتوسع  تدريجيا فتنظم  لها دول مهمة مثل الهند وباكستان وايران وتركيا وبيلاروسيا ،إلى جانب 14  دولة مشاركة بينها بلدان عربية مثل مصر والسعودية والإمارات  وقطر  مع دولة واحدة عضو مراقب هي منغوليا .

اولا: إنها فرصة ممتازة للقاء الهند والصين وروسيا بثقلهم الآسيوي والدولي يمهد لتطوير العلاقات الصينية -الهندية خارج نطاق الصراع التقليدي بينهما، فضلا عن تأكيد العلاقات الاستراتيجية الهندية -الروسية الأمر الذي يمكن ان يمهد لظهور تكتل اسيوي دولي يغير معادلات النظام الدولي نحو نظام متعدد الأقطاب وهو الهدف الأساسي المعلن نحو اعادة بوصلة وترتيب العلاقات الدولية مستقبلا وربما في المدى القريب المنظور.

ان ذلك لا يقفز فوق معطيات واقعية وإشكاليات جدية أبرزها تحفز الولايات المتحدة باستمرار لدفع الهند بعيدا عن الصين ذات المشروع الاستراتيجي نحو العالم (الطوق والطريق) حيث التحدي الأكبر الذي تسعى الولايات المتحدة لمواجهته بجميع الوسائل الممكنة.

كما انه يثير تحديات اخرى مهمة منها الشراكة الاستراتيجية الصينية -الباكستانية ووقوفهما على خط مشترك اتجاه الهند في قضية كشمير والنزاع المستمر عند جبال الهملايا.

بيد أنها من جانب آخر يمكن ان تفتح سبل لحل توافقي للنزاعات التاريخية تفضي إلى تحقيق السلام في جنوب ووسط آسيا إذا ما تم الاتفاق على ذلك تفاديا لاستمرار الصراعات بين قوى اسيا النووية.

هنا نأخذ بنظر الاعتبار ان الصين والهند فضلا عن روسيا هم أعضاء في منظمة (بريسك) المؤسسة عام 2009 م بشراكات اقتصادية تضم روسيا والصين إلى جانب كل من الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا الساعية نحو تعزيز التنمية الاقتصادية بعيدا عن هيمنة الدولار الأمريكي عبر انشاء بنك التنمية برصيد اولي يقدر ب 50 مليار دولار، والمساعي المشتركة لتحقيق التعامل التجاري وفق سلة العملات المحلية وإطلاق نظام بديل لسويفت (نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود الدولية) والسعي لإنشاء عملة بديلة للدولار.

ثانيا: مشاركة الزعيم الكوري الشمالي في هذا المنتدى يمنح قوة إضافية للمنتدى في عملية التحدي المباشر للزعامة الأمريكية للنظام الدولي.

ثالثا: الحضور التركي المهم يعزز الدور التركي في المنظومة وهي المعروفة بالتوازن بين عضويتها في حلف الأطلسي من جهة، ونزوعها نحو واقع كون تركيا دولة اقليمية كبرى وسط بين الشرق الآسيوي والغرب الأوروبي فضلا عن بلدان جنوب غرب اسيا ودورها المتصاعد في الشرق الأوسط.

تركيا تلعب دورا فاعلا في عموم بلدان وسط اسيا الأعضاء المؤسسين لمنظومة شانغهاي، وهي ايضا تحتفظ معهم بمنظومة اقليمية مقرها إسطنبول تجمع الدول الناطقة باللغة التركية وتسعى عبرها إلى تأمين دور قيادي لها في عموم وسط اسيا (وراسيا).

نأخذ بنظر الاعتبار ان تركيا تشكل منفذا بحريا عظيما نحو العالم وتمر بها طرق التجارة العالمية من هذه البلدان فضلا عن إيران وأذربيجان وارمينيا، كما أنها تقع ضمن مشروع طريق الحرير البري للصين نحو العالم وهي في تحالف تاريخي مع الباكستان، وبالتالي فان لتركيا دور مهم يتم السعي لتهميشه من قبل الإدارة الأمريكية عبر مساعي اللعب على أوراق الضعف الداخلية حيث المشاكل الناتجة عن ضعف العملة الوطنية وعقدة القضية الكردية ومسائل حقوق الإنسان واضطراب الوضع السياسي بين حين وآخر.

هنا لابد من الإشارة ان المشروع الشرق الاوسطي الذي تطرحه اسرائيل بدعم أمريكي يهدد مستقبلا وحدة تركيا كما هو الشأن بالنسبة لإيران ايضا.

لذلك يستشعر الزعيم اردوغان الخطر الذي يهدد بلاده من التحالف الأمريكي -الإسرائيلي الأمر الذي يسعى لمعالجته عبر تعزيز الدور التركي في سوريا وليبيا والخليج العربي، ومواجهة الدور الإسرائيلي في المنطقة كما تم التعبير عن ذلك مؤخرا بقطع العلاقات التجارية بين تركيا واسرائيل وعدم السماح لها باستخدام الاجواء التركية.

رابعا: إيران التي خسرت تأثيرها في بلدان وسط اسيا رغم انفتاحها الجغرافي عليها بسبب سياساتها التدخلية بشؤون بلدان وسط اسيا وفق مبدأ تصدير الثورة الإسلامية حيث التعارض المذهبي شبه الكلي، إلا أنها تبقى دولة تتأثر بمعطيات ما يحدث في وسط اسيا وخاصة غلبة الدر التركي عليها.

ان علاقاتها متعددة الاوجه مع الصين وروسيا واهميتها للدور الروسي -الصيني، يجعل حضورها قمة شنغهاي مهما اقتصاديا لطبيعة موقعها الجيوسياسي حيث الإطلالة الطوية على الخليج العربي والبحر العربي وترابط ذلك مع العلاقات الاقتصادية والتجارية وخاصة مواضيع الطاقة وطرق التجارة مع الهند والصين ضمن مشروع الصين الاستراتيجي برا وبحرا.

بيد أنها تواجه معضلات مهمة برزت بشكل واضح في موقفها من الاتفاق الأذربيجاني -الأرميني عند القوقاز برعاية إدارة ترامب ومشروع الطريق الاستراتيجي (طريق زانجزور -ترامب) والذي شكل تحديا خطيرا لطرق تجارتها برا عبر ارمينيا دفع الرئيس بازشكيان لحمل حقائبه والذهاب إلى ارمينيا حليفته في الموقف ضد أذربيجان وهو الأمر الذي يتقاطع مع الموقف التركي من النزاع الأذربيجاني -الأرميني.

نعم استطاع الرئيس الإيراني عقد مجموعة من الاتفاقيات بعيدة الأمد مع ارمينيا ضمنها بناء طريق استراتيجي يربط موانئ إيران بأرمينيا نحو العالم، لكن هذا الطريق يواجه تحديات عملية في ظل واقع الفرص المتاحة لإيران اقتصاديا وفي الموقف الدولي منها ونظامها السياسي.

إيران تواجه تحديا مهما ومفصليا اتجاه موقف مشترك من قبل الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية ومنظمة الطاقة الذرية في موضوع برنامجها النووي وشبكتها الصاروخية المهددة لأمن الشرق الأوسط عامة وسباق على الدور الاقليمي المهيمن مع اسرائيل وهو اس الاشتباك بين إيران والكيان الاسرائيلي.

الدور الإيراني دفع ويدفع بلدان الشرق الأوسط الى الانخراط في مشروع الشرق الأوسط الكبير تحت إدارة أمريكية وما يعنيه ذلك من انفتاح سبل التطبيع العربي -الإسرائيلي.

لذلك فان الحضور الايراني مهم، ولكنه يثير التساؤلات عن مدى استعداد روسيا والصين في دعم إيران في مجابهتها مع الولايات المتحدة التي تبادر لتطويق إيران عبر مساعي التوافق مع روسيا في حرب أوكرانيا.

الصين من جهتها كالعادة تعزز قدرات إيران التسليحية وهي تعتمد على إمدادات إيران النفطية، كما أنها تلعب دورا بارزا في انشاء المشاريع التنموية داخل إيران، ولكنها ليست مستعدة للدخول في مواجهة مع الغرب لصالح إيران انما في أفضل الأحوال ستجعل من الساحة الإيرانية منطقة تنافس او ربما حرب بالنيابة.

مشاكل إيران الحدودية مع الباكستان وافغانستان تضع عقبة اخرى في دور إيران الآسيوي خاصة لطبيعة العلاقات الصينية -الباكستانية من جهة، والعلاقات الصينية-الأفغانية وطموحات الصين فيها من جانب آخر.

الدور الإيراني التدخلي بساحة البلدان العربية الشرق اوسطية كما هو الحال في العراق ولبنان واليمن يزيد من تعقيدات الموقف.

لذلك فان دورها في هذه المنظومة محفوف بالحذر مالم تذهب إلى حل هذه العقد الاستراتيجية التي وضعتها تحت طائلة العقوبات الأمريكية، والان تسير نحو تفعيل العقوبات للترويكا الأوروبية (قانون السناك باك /استراتيجية الزناد) بالمشاركة مع موقف المنظمة الدولية للطاقة الذرية حيث من المؤمل اعادة تفعيل عقوبات صارمة عليها خلال شهر واحد دون الحاجة للعودة إلى مجلس الامن الدولي.

لذلك فان امام إيران موقف صعب يضعف دورها في منظمة شانغهاي فهي اما ان تذهب لتغيير مبادئ أساسية في سياستها اتجاه برنامجها الداخل والاقليمي، او تواجه وضعا امنيا خطيرا قد يهدد مستقبل نظامها السياسي.

من تداعيات ذلك الموقف الايراني من التدخل في الشأن الداخلي وتوظيف أذرعها لصالح سياساتها ودورها الاقليمي في كل من البلدان العربية انفة الذكر.

تأسيسا على ما تقدم يثار السؤال الطبيعي بالنسبة للوضع العربي: أين يقف العرب الشرق أوسطيون منً هذا الوضع المتغير؟

استنتاجا مما سبق الإشارة اليه فان البلدان الرئيسية واقصد بها السعودية ومصر (شراكة مع منظمة شانغهاي) تذهب لتطوير شبكة علاقاتها مع الصين وروسيا والهند وغيرها من بلدان منظومة شنغهاي في ضوء سياسة المصالح المتبادلة والتي شهدت توقيع العديد من الشراكات الاقتصادية بعيدة المدى.

اما الجانب الأمني لهذه البلدان فانه مرتبط ارتباطاً وثيقا بالاستراتيجية الأمريكية اتجاه الشرق الأوسط ولا مجال للفكاك من ذلك وهو الأمر الذي يبرر ذهابها للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي.

بعبارة اخرى فان المصالح الوطنية لها الأولوية وفوق اي اعتبار آخر.

البلدان العربية الأخرى عدا سوريا التي بدأت الالتحاق بالقاطرة السعودية-الخليجية وفق ذات المنهج، فإنها رغم الموقع الجيوسياسي لها كالعراق مثلا او اليمن فان تبعيتها للمنهج الايراني سياسيا وعقائديا يجعلها تخضع لذات الوضع الايراني.  وبالتالي فإنها تبقى بلدان هامشية لأدور لها غير دور الدول الوظيفية التي تؤدي ادوارا وظيفية للآخرين يعزز من ذلك وكنتيج له ايضا الفساد الشامل الذي تعاني منه داخليا في ضل ارتباك الوضع السياسي والأمني داخليا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى