لجنة العلوم السياسية

ما الذي تريده إيران؟ وما هي دوافعها الخفية ومخاوفها المشروعة؟

بقلم أ.د هاني الحديثي

استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية والخبير في شؤون الباكستان واسيا

عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات – لجنة العلم السياسية

مجموعة معطيات تحيط إيران وتثير معها مجموعة اسئلة عن مستقبل النظام السياسي الإيراني وسياساته التدخلية في محيط إيران الاقليمي نرى ضرورة التركيز عليها والاستمرار في مراقبتها وطرح الاسئلة بشأنها ضمن حالة تغير في مجمل المحيط الدولي والإقليمي وتوقع تداعياتها المستقبلية.

إيران تحتج على اتفاقية طريق زانزجور (طريق ترامب) بين ارمينيا وأذربيجان برعاية ترامب وتعتبرها تهديد جيوسياسي لأمنها القومي.

لذلك طار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان  إلى ارمينيا حتى يعقد اتفاقية تطمأن إيران من اختلال التوازن لغير صالحها.

إيران ترفض اتفاق خط جيهان النفطي وإعادة افتتاحه بين العراق وتركيا وتعتبره يهدد نفوذها الاقتصادي ولذلك فإنها ترفض التقارب العراقي -التركي.

لذلك حضر مستشار الامن القومي الإيراني لاريجاني إلى بغداد ووقع اتفاقية لا يعرف مضمونها وصفت باتفاقية أمنية!!!

تبعه زيارة قااني للعراق لتنظيم عمل الفصائل المسلحة وتهيأة قواعدها للتحرك الى جانب ايران حال تعرض الأخيرة لاعتداءات عسكرية متوقعة بذات الوقت الذي لاقت زيارة لاريجاني إلى بيروت فشلا ذريعا في اعادة حزب الله إلى التحكم بالقرار السيادي للبنان رغم اصرار حزب الله على رفض نزع سلاحه لصالح وحدة لبنان ووحدة سيادة الجيش اللبناني على كامل لبنان تحت ذريعة الاحتفاظ بقدرات المقاومة ولكن  لمن هذه المقاومة ،لصالح فلسطين ام للتدخل بالشؤون الداخلية للبلدان العربية كما حصل في سوريا والعراق اسنادا للنفوذ الايراني ؟؟؟.

ايران استشعرت الخطر من توجهات إدارة ترامب لإنجاز اتفاق مع باكستان بموجبه تقوم الشركات الأمريكية باستثمارات واسعة في اقليم بلوجستان الباكستاني و المشاركة  في تطويق الامداد الإيراني لقوات بلوشية مسلحة تابعة لها في الاقليم وهو ما يشكل تطويقا لها عند حدودها جنوب – شرق ،فسارع مسعود بزشكيان للسفر إلى إسلام آباد للتوقيع على اتفاقية تعاون مع باكستان والتي ذكرته اثر توقيع اتفاقية تعاون متعدد الجوانب بالموقف من اقليم كشمير وحق الكشميريين في تقرير المصير وهو ما ينبغي ان تأخذه ايران بنظر الاعتبار في علاقاتها المتطورة مع الهند .

في ضوء ما تقدم تجهد إيران نفسها في مساعي تعميق المصالح مع كل من الصين وروسيا تأمينا لموقف داعم لها.

وفي الوقت الذي يبدو به بوتين مشغولا بقضية أوكرانيا والسعي لإيجاد حل يحفظ كرامة روسيا وأمنها القومي ودورها الدولي وهو امر مرتبط بطموحات الرئيس ترامب في عقد الصفقات مع روسيا (أوكرانيا مقابل الشرق الأوسط) الأمر الذي يطرح احتمالا قويا في دور روسي يلعبه بوتين للضغط على إيران كوسيط يستطيع ان يحقق تنازلات إيرانية في برنامجها النووي والصاروخي لتنكفىء على الداخل الإيراني بدلا من استمرار التدخل بالشؤون الداخلية لبلدان الشرق الأوسط تحت ذرائع غير حقيقية.

فإنها (ايران) تجد ان الصين هي القوة الدولية الأساسية التي يمكن ان تعزز قدرات ايران العسكرية وخاصة في مجال الطيران الحربي والصواريخ الذكية خاصة أنها تلعب دورا مهما في استمرار مشروع الطوق والطريق عبر المحيط الهندي والخليج العربي نحو العالم.

ولكن السؤال: هل ان الصين مستعدة للصدام مع الولايات المتحدة في سبيل ايران، وهي التي تجد في تامين امنها القومي في تايوان وبحر الصين الجنوبي قضية مركزية في سياساتها الخارجية خاصة ان الصين تستشعر الخطر من توظيف إدارة ترامب للمشاكل المعقدة بين الهند والصين لصالح التصدي لطموحات الصين في مشروعها نحو العالم عبر الطوق والطريق؟؟؟  

 

ايران تهدد بانها تمتلك بنى تحتية ومصانع للسلاح في بلدان مجاورة (العراق ولبنان واليمن ) ومن الطبيعي  في ضوء ذلك ان تشجع ايران حزب الله في رفض تسليم الأسلحة التي لديه للجيش اللبناني رغم موافقته سابقا على القرار الدولي بربط الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان مقابل نزع سلاح حزب الله والذي شكل أساس وقف الحرب في جنوب لبنان، وارتباط ذلك ايضا بتعزيز قدرات الفصائل الولائية في العراق ورفض دعوات حل الحشد الشعبي وكذلك بالنسبة للحوثيين في اليمن.

السؤال: مالذي تتخوف منه ايران ومالذي تريده من إشعال ساحات المشرق العربي إذا ما تعرضت لضربات ستكون حاسمة هذه المرة؟؟؟

ومن الذي منح ايران الحق في التدخل بالشؤون الداخلية للدول وتهديدها بفرض الرقابة على الملاحة في مضيق هرمز؟؟؟

ألا تعني هذه التحركات الإيرانية ضمن النزع الأخير للنظام الإيراني الذي يجد نفسه منبوذا اقليميا ودوليا وان ساعة الصفر قد اقتربت؟؟؟

تأسيسا على ما تقدم يبرز أمامنا سيناريوهين أساسيين بين سيناريوهات محتملة:

الاول: توافق ايران على مطالب الولايات المتحدة فيما يتعلق بتحديد نسبة التخصيب لليورانيوم المخصب بنسب مدنية مقبولة فضلا عن التخلي عن مستويات مقبولة من برنامجها الصاروخي مقابل انعقاد مفاوضات جدية من قبل الولايات المتحدة وبضمانات دولية أوروبية تشارك فيها روسيا الاتحادية كطرف صديق وموثوق به من قبل إيران يمكن ان يؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ودخول الشركات الأمريكية للاستثمار الواسع للمعادن في الأراضي الإيرانية والذي سبق وطرح بمبالغ هائلة تصل الى أربعة ترليون دولار.

وفي هذه الحالة تعود إيران لتلعب دور قوة اقليمية مهمة كما كان شأنها زمن شاه إيران دون ان تتدخل بشؤون بلدان الاقليم المحيط بها كما هو شأنها الان بعد ان يتم تطمين مصالحها القومية.

إن هذا السيناريو يمكن ان يناسب سياساتها (الذرائعية)  ويحافظ على النظام السياسي القائم ، بيد انه يتطلب منها  استعدادها للتخلي عما تعلنه من مبادئ أساسية ويشكل شعارها المستند على مبدأ تصدير الثورة الأسلامية والذي يشكل أساس نزاعها مع جميع بلدان محيطها الاقليمي ومنها بشكل خاص اسرائيل التي ترى في تلك السياسة (بعد تعدى ايران الخطوط الحمراء ) ما يهدد تطلعاتها لان تكون هي القوة الإقليمية  المهيمنة على محيطها العربي وخاصة مناطق بلدان المشرق العربي التي تجد نفسها مستعدة لسياسة التطبيع مع اسرائيل توقيا منها للخطر الإيراني المهدد لاستقرارها  ومجتمعاتها بفعل المنهج الطائفي الذي تعتمده ايران في التغلغل داخل المجتمعات السياسية العربية .   

الثاني: ترفض ايران التخلي عن برامجها في مجال قدراتها النووية والصاروخية واستعدادها لخوض مغامرة الحرب للمرة الثانية ورفض السماح للوكالة الدولية للطاقة النووية دخول وتفتيش منشآتها النووية، وهو الأمر الذي تستعد له إيران فعلا، ولكن ليس داخل إيران فقط انما توسيع مجال الحرب والمواجهة لتشمل العراق ولبنان واليمن.

هذا السيناريو وهو المرجح والذي يشكل تهديدا للمسرح الاقليمي والامن الدولي برمته خاصة ان إيران لا تهدد باستخدام ساحات محيط إيران الاقليمي الساندة للجهد العسكري الايراني حسب، انما تهديد طرق وممرات التجارة والطاقة الدولية عبر إغلاق مضيق هرمز والتعرض لسفن الملاحة في عموم الخليج العربي والبحر الأحمر بما يهدد الاقتصاد الدولي برمته وبخاصة في أوروبا والولايات المتحدة.

أن إيران في هذا السيناريو انما تعتمد على الاستعداد لإشعال الساحات العربية المشرقية في المجابهة مع الغرب والولايات المتحدة وكذلك مع اسرائيل كمحطة اولى في حرب واسعة تستطيع ان توظفها لصالح التوصل لاحقا لاتفاق بتقاسم النفوذ مع اسرائيل وحلفائها في منطقة المشرق العربي دون ان يفقد النظام الإيراني زخمه في الداخل الإيراني.

دليلنا في هذا السيناريو ما تقدم من معطيات في السلوك الإيراني الداعم لأذرعها المسلحة وما تعلنه رسميا من تهيأة ساحات صدام اخرى خارج نطاق مساحات الدولة الإيرانية.

وهنا يثار سؤال مهم: هل ان النظام السياسي القائم يستطيع ان يصمد امام التحديات الخطيرة التي يتضمنها السيناريو الثاني؟

الجواب من وجهة نظري ان إيران ستكون معرضة لانهيارات في الداخل متعدد القوميات والتي بدورها تجاهد في سبيل نيل حقوقها القومية بالضد من استمرار الهيمنة الفارسية عليها، وهو سيناريو آخر خطير لا يهدد وحدة إيران وحدها انما مجمل البلدان متعددة التكوينات الاثنية المحيطة بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى