لجنة العلوم السياسية

العرب أمام التحدي الإسرائيلي والخيارات المحدودة

قراءة في مؤتمر القمة العربي والإسلامي

بقلم أ.د. هاني الحديثي

استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية والخبير في شؤون الباكستان واسيا

عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات – لجنة العلم السياسية.

الأمر المتفق عليه ان الكيان الاسرائيلي عبر جميع الخطوط (الحمراء) في توسيع صفحات الحرب لتشمل الى جانب غزة الضفة الغربية وبلدان المحيط الاقليمي حتى فقدت الخطوط الحمراء قيمتها عمليا وقانونيا وسياسيا بعد ان تحول القانون الدولي والمنتظم الدولي إلى مجرد قصيدة شعرية يتغنى بها الحالمون.

بلدان الخليج والعراق وسوريا ولبنان واليمن ومصر ساحات مفتوحة استراتيجيا في السعي المعلن لنتنياهو لإقامة الشرق الأوسط الكبير تحت النفوذ الإسرائيلي وهي خارطة نتنياهو التي مسح بها كل القوانين الدولية والمنتظم الدولي حين وضعها على صدره امام الجمعية العامة للأمم المتحدة دون رياء.

لأجله وامام هذه التحديات انعقد مؤتمر القمة العربي -الإسلامي في قطر بحضور مميز من قادة الدول.

البيان الذي صدر عن المؤتمر فضلا عن اجتماع بلدان مجلس التعاون الخليجي يحمل عناوين مهمة أبرزها:

1- الدعوة للدول المجتمعة بالقمة لمراجعة علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع اسرائيل.

2- التحذير من مخاطر سياسات اسرائيلية تسعى لتغيير الخارطة السياسية لبلدان الشرق الأوسط لحساب المشروع الصهيوني.

3 – تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون الخليجي.

4-  السعي لتحقيق تنسيق عربي وإسلامي مشترك يحمل مضامين (دفاع عربي مشترك).

5- تعزيز المساعي المشتركة لتعزيز الموقف الدولي وعبر الامم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين على مساحة فلسطين قبل حرب حزيران 1967م.

إلى هنا تبدو الجهود العربية والإسلامية في المؤتمر نقلة نوعية في مؤتمرات القمم العربية والإسلامية.

من جانب آخر لابد ان نأخذ بنظر الاعتبار معطيات مهمة تسير باتجاه معاكس.

اغلب الخطابات للرؤساء والملوك تضمنت التنديد والاستنكار للسلوك الإسرائيلي المخالف للقانون الدولي وهي خطابات مستهلكة تعج بها مؤتمرات وملتقيات الزعماء العرب حتى صارت محل ازدراء من شعوب الامة كما وصفها الرئيس اللبناني عون بصدق.

انتهى بيان المؤتمر (بتوصيات غير ملزمة) لجميع الدول بمراجعة سياساتها وعلاقاتها مع الكيان الاسرائيلي في وقت تستمر السفارات والملحقات الاسرائيلية مشرعة أبوابها وعلم اسرائيل يرفرف فوقها في عواصم البلدان العربية المحيطة بإسرائيل وهو الشرط الاول لموقف جاد من عدمه حتى دون استدعاء السفراء العرب من القدس والطلب من سفراء اسرائيل مغادرة العواصم العربية وإغلاق الممثليات والقنصليات ومراكز التعاون التجاري والسياحي او إغلاق المجال الجوي العربي امام الطيران الاسرائيلي.

رافق ذلك وتبعه مباشرة إعلان اسرائيلي بدعم أمريكي مطلق بدخول واحتلال غزة بالكامل مع حملة قصف عنيف لم تشهده غزة منذ سنتين ليقول نتنياهو كلمته لمؤتمر القمة كما قالها انور السادات بعد توقيعه اتفاقية كامب ديفيد وقطع العلاقات العربية مع مصر آنذاك (أنا حررت سيناء فإذا كنتم تريدون تحرير فلسطين يالله تفضلوا).

روبيو بعد زيارته لإسرائيل توجه الى قطر ليجسد قول ترامب (ان اسرائيل لن تعود لقصفكم مرة اخرى)، وهنا انتهى المشوار لتكون ساحات اخرى عربية هي المقصودة ضمن الحلم الصهيوني بإقامة اسرائيل الكبرى أكثر من قطر وغير قطر من بلدان الخليج التي تعيش الرفاهية بحماية أمريكية يمكن للإدارة الأمريكية وبإرادة اسرائيلية ان تنخرها متى تشاء والعدوان على قطر مجرد رسالة.

مواقف بعض حكام الدول المستهدفة مستقبلا يثير الضحك ،فهي لم توافق حتى على التصويت  في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة على حل الدولتين وهو مطلب فلسطيني وعربي ودولي صار أصلا حلما للشعب الفلسطيني و انطلاقا من عدم (اعترافها )بالكيان الاسرائيلي،  ولكنها من تحت الطاولة تقدم كل شي كي لا تتعرض لضربات اسرائيلية بعد ان نفضت عن بلدانها وشعوبها  مقومات القدرة عبر إجراءات التهميش والإقصاء والنهب للمال العام وتقويض المنظومات المجتمعية لصالح سيدتها الاولى المستفيد الاول من كل ما يجري بل المتخادمة معه   والتي ترفع شعار القدس وتضحك على ذقون السذج الذين لايقرأًون الواقع إلا عند قارئ الفنجان ، في الوقت الذي ينبري حكامها في المؤتمر للدعوة لإنشاء جيش عربي وإسلامي لمواجهة التمدد الصهيوني وهم لا يحسنون   بناء جيش وطني موحد داخل بلدانهم الممزقة بالولاءات الفرعية وبدعم خارجي ضيع عليهم وحدتهم الوطنية وجغرافيتهم السياسية !!!

انفض المؤتمر وعاد كل إلى دياره بعد ان ادى واجب الزيارة وإلقاء الخطاب المكرر المحفوظ في صندوق خاص يذهب به المسؤول لأي مؤتمر يدعى له.

لقد نجح القادة (العرب) في ترويض شعوبهم وتدجينها وتحويلها الى مجرد قطيع لا يستطيع حتى الخروج بتظاهرة احتجاج على مجرى نهر الدم في غزة في حين تنتفض شعوب الغرب وتؤثر على حكوماتها لمنع ارسال الأسلحة التي تستخدمها اسرائيل في حروبها الجهنمية ضد فلسطين ومستقبلا في ساحات العرب الأخرى.

فهل فهم العرب قادة وشعوب فحوى خطاب الرئيس السلفي السوري احمد الشرع بنصف دقيقة وهو يردد بيتا من قصيدة الشاعر عمرو بن براقة   في العصر الجاهلي (متى تجمع القلب الذكي وصارما.. وأنفا حميا تجتنبك المظالم)؟؟؟

الخلاصة: انتهى مؤتمر القمة العربي والإسلامي بمحاولة إنعاش الأمل، لكن بنيامين نتنياهو ومعه ترامب وروبيو قتلوا حتى الامل بإعلان واضح وصريح (نحن قادمون).

رحم الله الشهيد معمر القذافي الذي قرأ واقعنا العربي الراهن قبل 40 سنة وهو سر مقتله على يد المجتمعين في هذه القمة  .

لقد تحولنا الى صفحة الهنود الحمر ايها الغائب الحاضر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى