الاعلام والثقافة والديمقراطية، قراءة في التفاعل والتأثير

الدكتورة فرح صابر
عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
لجنة العلوم السياسية
الديمقراطية هي نظام سياسي يعتمد على مشاركة المواطنين في صنع القرار، ويُعدّ الإعلام عنصرا أساسيا وحاسما في بناء وتطوير الديمقراطية. وفي الأنظمة الديمقراطية، يُعتبر الإعلام ركنًا أساسيًا لضمان ممارسة الديمقراطية بشكل فعّال.
وهناك علاقة متبادلة التأثير بين الديمقراطية والإعلام، حيث يلعب الإعلام دورًا حيويًا في تشكيل الرأي العام وتوجيه النقاش السياسي، عبر توفير المعلومات والبيانات التي تمكن المواطنين من اتخاذ قرارات صائبة، وذلك من خلال تغطية الأحداث السياسية والمناقشات حول السياسات العامة، والتحقيقات الصحفية حول قضايا الفساد والظلم. وهنا يؤدي الاعلام دورًا تثقيفيًا من خلال تقديم برامج ومواد إعلامية تعليمية تساعد المواطنين على فهم القضايا السياسية والاجتماعية بشكل أفضل، وفي تكوين الرأي العام وتوجيه النقاش السياسي. كما يعمل الإعلام كوسيلة لنقل المعلومات والأفكار بين الحكام والمحكومين، مما يتيح للناخبين اتخاذ قرارات وازنة.
ومن خلال مراقبته لأداء السلطة فأن الاعلام يمثل دور الرقيب على السلطة، ويسلط الضوء على أي تجاوزات أو حالات فسادٍ في مفاصل الحكومة والمؤسسات العامة، وهذا يساعد في محاسبة المسؤولين وضمان عدم إساءة استخدام السلطة، وبذلك يتيح الفرصة امام المواطنين للمساءلة والمشاركة السياسية، عبر مناقشة القضايا العامة وتسليط الضوء على المشاكل التي تواجه المجتمع.
يضاف الى ذلك كله، فإن الإعلام يمكن أن يعزز الحوار العام من خلال استضافة مختلف الأصوات والآراء في البرامج الحوارية والمناقشات العامة، وهذا يسهم في تعزيز التفاهم والتواصل بين مختلف شرائح المجتمع.
ومع ذلك، فإن العلاقة بين الديمقراطية والإعلام ليست خالية من التحديات. إذ يمكن أن يؤدي تأثير القوى الاقتصادية والسياسية على وسائل الإعلام إلى تزييف الحقائق وتشويه صورة الواقع. كما يمكن أن يؤدي انتشار المعلومات المضللة والخطاب العدائي إلى تآكل الثقة في المؤسسات الإعلامية وتقويض العملية الديمقراطية.
ومن هنا تأتي أهمية تعزيز حرية الصحافة واستقلالية وسائل الإعلام، وضمان وصول الجمهور إلى مصادر متنوعة وموثوقة للمعلومات. ويغدو تعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الجمهور لمقاومة المعلومات المضللة والخطاب العدائي، من الأمور الضرورية لتعزيز الديمقراطية وضمان ممارستها بشكل فعّال.
الثقافة مدخل لتعزيز الديمقراطية
الثقافة يمكن أن تعزز القيم الديمقراطية الاساسية كالحرية، والمساواة، والعدالة من خلال تشكيل القيم والمعتقدات التي تحدد ما يتم تقديمه في وسائل الاعلام، وعندما يتم تعزيز هذه القيم في المجتمع، يصبح من السهل بناء نظام ديمقراطي مستدام. كما تؤدي دورا مهما في تشكيل الهوية الوطنية، وتعزيز الانتماء للمجتمع. فعندما يشعر الأفراد بالانتماء لمجتمعهم، يكونون أكثر استعدادًا للمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية. فحيثما تكون الثقافة الديمقراطية قوية في المجتمع، يكون الإعلام أكثر ميلًا لتقديم محتوى يدعم الديمقراطية والمشاركة المدنية الفاعلة في الحياة العامة.
وفي الوقت الذي تدعو فيه الثقافة الى ترصين قيم التسامح والتفاهم بين مختلف المجموعات الاجتماعية، فإنها تسهم في تعميق الحوار الثقافي بين مختلف المجموعات الاجتماعية، وبناء مجتمع متماسك ومتنوع يمكن أن يستفيد من تنوعه في تعزيز مفهوم الديمقراطية.
الإعلام والثقافة: تأثيرات متبادلة
الإعلام والثقافة مترابطان بشكل وثيق في بناء الديمقراطية. فالإعلام يعكس الثقافة السائدة في المجتمع، وفي الوقت نفسه، يمكن للإعلام أن يؤثر على الثقافة من خلال ما يقدمه من محتوى.
وفي الديمقراطيات الناضجة، تلعب التغطية الإعلامية دورًا حاسمًا في توفير المعلومات حول المرشحين والسياسات، مما يساعد الناخبين على اتخاذ قرارات مستنيرة. إذن هنا فان الاعلام يشكل الرأي العام ويؤثر على مواقف الأفراد تجاه قضايا معينة. وتلعب البرامج التلفزيونية والحوارات التي تغطي الفضاء الإعلامي دورها في الترويج للقيم الديمقراطية في الحرية والمساواة والعدالة، تدعمها المبادرات الثقافية التي تشجع المشاركة المدنية، كالفعاليات الثقافية التي تشمل المعارض الفنية، والمهرجانات، والندوات التي يمكن لها جميعا ان تدعم المشاركة المدنية وتعزز الوعي بالقضايا الاجتماعية والسياسية.
أخيرا يمكن التأكيد على ان العلاقة بين الإعلام والثقافة في تعزيز الديمقراطية علاقة متبادلة؛ فالإعلام والثقافة يؤديان دورًا حاسمًا في بناء الديمقراطية. ومن خلال توفير المعلومات، وتعزيز القيم الديمقراطية، وتشكيل الهوية الوطنية، يمكن للإعلام والثقافة أن يسهما في تعزيز الديمقراطية في أي مجتمع. ومن هنا تنبع أهمية دعم الإعلام والثقافة وتعزيز دورهما في بناء وإرساء قيم الديمقراطية والترويج لمبادئها، سعياً لبناء مجتمعات مدنية تنشد السلام والاستقرار والتنمية المتوازنة.



