جريمة القتل الرحيم

المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
يلاحظ أن جريمة القتل الرحيم لم يرد لها نصوص عقابية في قانون العقوبات رقم (111 لسنة 1969) وتعديلاته وتعتبر هذه الجريمة في حال ارتكابها كاملة الأركان بتوفر (الفعل والعلاقة السببية والنتيجة) وحتى لو تمت بموافقة المريض. ويعود سبب ذلك تطبيقا للشريعة الإسلامية التي تحرم وتجرم وبشكل قاطع القتل وبأي صورة أو طريقة كانت لأن حق الحياة والممات ملك لله الواحد دون وجود اجتهاد أو استثناء.
والقتل الرحيم اصطلاحاً (إنهاء حياة المريض الذي لا يرجى شفاءه طبياً ولتخيف معاناته بناء على طلبه الصريح أومن ينوب عنه وسواء قام بتنفيذه طبيب المريض نفسه أو طبيب أخر بدافع الشفقة) كما لا يوجد أي نص يسمح للاجتهاد الفقهي والقضائي في إنهاء حياة إنسان بناء على طلبه وبالتالي فهي جريمة قتل عمدا مع سبق الإصرار أياً كان الفاعل. وتلزم المحكمة بعدم الأخذ (بالأعذار المخففة أو المعفية) عملاً بنص المادة (128) من قانون العقوبات التي تقلل من جسامة الجريمة ويترك تقديرها للمحكمة. ومن بين هذه الظروف ـ عدم وجود سوابق للمتهم ـ تنازل المشتكي ـ عدم وجود اعتراف للمتهم إلى غير ذلك من الظروف التي هي كثر والتي تخضع لاجتهاد وتقدير المحكمة.
وتعد هذه الجريمة من وجهة نظر الدول العربية والإسلامية أنها جريمة قتل مرفوضة شكلاً ومضموناً لا تجسد مبادئ الشريعة الإسلامية. في حين تسمح عدد من دول أوربا الغربية وعلى سبيل المثال بلجيكيا وهولندا وكندا بالقتل الرحيم بشروط قانونية وطبية محدودة. وعلى سبيل المثال موافقة المريض ومعاناته من الآلام التي لا تطاق وحتمية الموت. كما أجازت عددا من الدول المساعدة على الانتحار لمواطنيها بطريقة أو بأخرى وعلى سبيل المثال سويسرا.
أن فكرة القتل الرحيم رفضها المشرع الأردني نهائياً وفقاً لنص المادة (16/ أ) من قانون المسؤولية الطبية والصحة رقم (25 لسنة 2018) وأما موقف المشرع المصري فانه يرفض فكرة القتل الرحيم ويعتبرها قتل عمد حتى ولو تم بإرادة المريض وأيا كان الدافع للقتل سواء كان سلباً وإيجاباً. وهكذا الحال بالنسبة لمعظم التشريعات العربية لا تأخذ بفكرة تخفيف العقوبة ولأي سبب كان. ولا يعترف المشرع العراقي أن دافع الشفقة والرحمة أحد الظروف المخففة التي يستفيد منها مرتكب جريمة القتل الرحيم. وأن فعله ينطبق وأحكام المادة (405) عقوبات التي نصت على (من قتل نفسا عمدا يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت) ولا يوجد أي ظرف مخفف ومساحة لاستخدام الرأفة والرحمة والشفقة لتعارضها مع حق الحياة الشخصية والمجتمعية.
ويلاحظ أن المشرع العراقي لم يتطرق إلى جريمة القتل الرحيم في القوانين العقابية وترك ذلك إلى اجتهاد الفقهاء والقضاء وأعتبرها من قبيل القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد (على وفق المادة (406/1/أ) التي يعاقب عليها بالإعدام) ولا تعد موافقة المريض أو التنازل عن حقه في الحياة عفواً أو ظرفاً مخففاً للعقوبة كون المشرع أعتبر حق الحياة حقا مقدساً. أن الشريعة الإسلامية تحرم قتل النفس مهما كانت الدوافع والأسباب يقول رب العزة في سورة المائدة الآية 32 (ومن قتل نفساً بغير نفس أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) وفي سورة الإسراء الآية 33 (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) كما لم نجد نصا في قانون العقوبات والقوانين العقابية الأخرى القتل بدافع الرحمة والإنسانية. وحسنا فعل المشرع العراقي بعدم الإشارة والنص الذي يتضمن مصطلح القتل الرحيم في التشريعات الجزائية والمدنية.