ضبط النفس القضائي

المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
قرأت موجزا عن النظام القضائي الأميركي مترجما وقد لفت انتباهي مصطلح (ضبط النفس القضائي) فوجدت من المناسب أن أكتب في معنى ومفهوم هذا المصطلح. فأتضح لي أن هذا المصطلح هو مجموعة القوانين والإجراءات والمبادئ والنشاطات التي يحضر على القضاة القيام بها والانضمام إليها. وهي ليست من السلطات القضائية فالامتناع أو النظر في النزاعات تحكمها قواعد ومبادئ تقوم بمراقبة وتقييد سلطات القضاة.
وهذه القواعد تنبع من مصادر مختلفة كالدستور الأمريكي ودساتير الولايات المتحدة وقوانين الكونغرس وقوانين الهيئات التشريعية والقانون العام ومعظم هذه القواعد تطبق على محاكم الاستئناف والأنظمة القضائية والفدرالية وأنظمة الولايات القضائية ومن أهم هذه القواعد والمبادئ التي على القضاة مراعاتها
(1) يجب أن يكون هناك موضوع نزاع محدد حيث ينص الدستور على أن السلطة القاضية يجب أن تطال جميع القضايا في القانون والإنصاف الناشئة بموجب هذا الدستور. وقوانين الولايات المتحدة والمعاهدات التي عقدت تحت سلطاتها وهذا يعني أن يكون هناك موضوع نزاغ حقيقي بين خصوم قانونيين لرفع دعوى وأن يتعلق هذا النزاع حول حق ذي شأن أو يمنع أو يرد حق يؤثر مباشرة على أحد الخصوم في الدعوى وهناك ثلاث نتائج لهذه القاعدة.
القاعدة الأولى ـ أن يكون النزاع واقعيا وماديا قبل أن توافق المحكمة على قبول النظر فيه ـ والثانية أن يكون موقف الإطراف من الدعوى صحيح ـ والثالثة أن المحاكم لا تنظر في دعوى أصبحت جدلية لا تستند إلى الوقائع.
( 2 ) يجب أن يكون ألالتماس لغرض معين ومحدد لأن القضاة لا ينظرون في قضايا على أساس الجدارة إلا أذا كان المتقدم بالطلب قادرا على ذكر جزأ معين من الدستور
(3) لا يحق للمستفيد من قانون أو عمل رسمي أن يتصدى له أو يعترض عليه لدى المحاكم ويطلب أبطاله مستندا إلى أدلة أو حجج تؤيد طلبه ومع ذلك تقرر المحاكم رفض الدعوى لأنه لا يجوز لأي إنسان ما الاستفادة من مشروع حكومي معين أو من عمل رسمي أو قانون أن يتصدى له في المحاكم.
( 4) أن محاكم الاستئناف تحكم في القضايا القانونية لا الواقعية وأنها لن تنظر عادة في القضايا الني كانت أسباب الاستئناف غير مجدية أو بحجة أن قاضي المحكمة أو هيئة المحلفين جمعوا وحددوا بطريقة خاطئة العناصر الأساسية للقضية لأن هناك اعتقاد أن القضاة وهيئات المحلفين هم أقرب الإطراف الحقيقيين إلى الأدلة المادية للقضية.
(5) أن المحكمة العليا ليست مقيدة تقنيا بالسوابق ويعني أنها حرة في أبطال أو تجاوز السوابق وهي المسطرة عندما تحكم في قضية دون النظر إلى أن هناك سوابق أو أن هناك قيود لأحكام وقرارات سابقة. كما أن المحكمة تملك الكثير من المرونة لذلك فكثير من القرارات تبطل أو تتجاهل أو تتجاوز قرارات وأحكام سابقة كلما دعت الحاجة وهذا يعني الإبقاء على عقول قضائية منفتحة وغير منحازة.
(6) يجب استنفاذ الخيارات أو ما يسمى بالعلاجات الأخرى فكثير ما يحبط الخصم القلق الأ أن إدارة العدل بشكل منظم وفعال ودقيق حيث لا تقبل قضية ما لم تستنفذ جميع الخيارات القانونية والإدارية الأخرى دون النظر إلى أهمية القضية أو الأشخاص الذين رفعوا لدعوى.
(7) المحاكم لانتظر في المسائل السياسية لأن السلطتين التنفيذيتين والتشريعية هما في نظر القضاء فروع سياسية يتم أاختيارهما من قبل الشعب لغرض صنع السياسة العامة للدولة وأن حل المسائل الخلافية تعود لهما.
( 8 ) أن عبء الإثبات يقع على عاتق المدعي لمن يريد معارضة دستورية لقانون نظامي وأن تكون الأدلة ضد القانون المخالف واضحة المعالم ودامغة لا شك فيها. والاستثناء الوحيد لمبدأ عبء الإثبات يتواجد في عالم الحقوق والحريات المدنية. ومثال ذلك عندما تحاول الحكومة الحد من الحريات الإنسانية الأساسية عليها أن تثبت الحاجة الملزمة والأسباب الموجبة لإصدار هذه القيود.
(9) يتم أبطال القوانين على أضيق الأسس في بعض الحالات ويرى القاضي أن هيكلية الدستور أسيء إليها بواسطة قانون تشريعي أو أمر تنفيذي ومع ذلك قد يكون للقاضي خيار أبطال عمل رسمي على أسس نظامية بدلا من اللجوء إلى الدستور.
( 10) ليس هناك من أحكام تصدر بحجة حكمة التشريعات وأن اعتماد هذا المبدأ بصرامة يؤدي إلى أن الإعلان عن قانون أو عمل رسمي غير دستوري يجب أن ينتهك حرفيا الدستور وأن القوانين النظامية لا تخرق الدستور لمجرد أنها غير منصفة أو مبذرة ماليا أو تشكل سياسة عامة سيئة فإذا أخذنا بهذا المبدأ بمعناه الجوهري فهذا يعني أن القضاة على أنواعهم ليست لهم حرية الرجوع إلى أفكارهم الشخصية حول ما هو باطل أو صالح أو ما بين السياسة العامة الصالحة أو السيئة عندما ينظرون في دستورية التشريعات.
وأن النتيجة الأخرى لهذا المبدأ هي أمكانية سن قانون يعتبره الجميع جيدا ومكتملا، ولكنه غير دستوري وعلى العكس قد يصدر قانون نظامي يجعل من أجراء عمل رسمي، ولكنه معنى قانونيا.
بينما يعرف الجميع أنه سيء وخطير، ولكنه مع هذا لا يخرق الدستور وعلى الرغم من تدخل قيم القضاة الشخصية في تفسيرهم لنصوص عديدة من الدستور. الأ أن هناك مبدأ يحتم على الجميع التقيد به إلا وهو لا يمكن أبطال القوانين ألا أذا كانت مخالفة للدستور وليس طبقا لما يراه القضاة.
والمطلع على النظام الأميركي سيجده شديد التعقيد الأمر الذي أقتضى توفير نظام قضائي يمتلك القدرة والإمكانيات والوسائل كي يضمن تحقيق العدالة والاستقلال. ونرى أن ما تضمنه هذا المصطلح عبارة عن حوار قانوني وقضائي بين ألصياغة والتطبيق وصانعي الصياغة المرنة والجامدة في اتخاذ القرارات والأحكام مع ضرورة تطبيق القوانين من قبل القضاة بأسلوب مرن ومثالي على وفق أفكارهم واجتهاداتهم في ضؤ الأدلة والقرائن المتوفرة في القضايا.



