لجنة الصناعة و الطاقة

التكبر مقبرة العقول (وهم النخبة وغرور الماضي)

د. بشار عبد الجبار صالح بك

نائب الأمين العام للمنتدى العراقي للنخب والكفاءات

25 أيلول 2025

في المجتمعات الحديثة، تتقاطع مفاهيم النخبة والكفاءة في مشهد معقد من التأثير والتمثيل والإنجاز. فـ”النخبة” غالبًا ما تُعرّف بأنها الفئة التي تحتل مواقع القيادة أو النفوذ، في كل مجالات الحياة سواء في السياسة، أو الاقتصاد، أو الصناعة، أو الإعلام، او الجانب العلمي والأكاديمي، بينما تشير “الكفاءة” إلى القدرة الفعلية على الإنجاز والإبداع وحل المشكلات. وبينما يُنظر إلى النخبة بوصفها واجهة المجتمع وصانعة قراراته، فإن الكفاءة تمثل محركه الحقيقي نحو التقدم والابتكار.

ان العلاقة بين النخبة والكفاءة، واستكشاف قدرات الحالتين على الابداع والتأثير في المجتمع المتوازن القادر على مواجهة تحديات التنمية ومتطلبات العصر الحديث المتسارع في كل شيء يعاني منه الكثير في مجتمعنا العربي عامة والعراقي بصورة خاصة…. 

في مجتمعاتنا، يطلّ بين الحين والآخر من يظنّ نفسه من النخبة الفكرية والعلمية، ويقدّم ذاته بصفته عالمًا لا يُجارى، ومفكرًا لا يُدرك. يرفع صوته متحدثًا عن أمجاد مضت، وإنجازات ولى زمانها، كأنّ الحاضر ليس سوى ظل باهت لماضيه، بينما هو في حقيقة الأمر أسير الماضي، يعيش على بقايا أمجاد ولى زمنها، ولا يملك من الحاضر سوى التفاخر بما كان غير أنّ الحقيقة المرة أنّه يعيش خارج حركة العلم، متقوقعًا في أوهام التفوق، غارقًا في غشاوة الغرور.

إنّ هؤلاء لا يدركون أن العلم لا يقف عند حدود ما اكتسبوه يومًا، بل هو نهر جارٍ لا ينقطع. ومن يظن أن ما عنده يكفيه، سرعان ما يصبح خارج حركة الزمن. 

يقول تعالى: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 76]. فالتواضع للعلم شرطٌ للتجدد، والاعتراف بأن فوق كل عالمٍ عالمٌ آخر هو بداية الطريق نحو التقدم.

أما من يملأه الغرور فيحسب نفسه الغاية والمرجع، فإنما يكرر خطأ الأمم السابقة التي صدّت عن الحق بسبب تكبّرها، كما قال تعالى:﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأعراف: 146. فأي خسران أعظم من أن يُحجب الإنسان عن الحق بسبب كِبره؟ 

وقد أجمع الحكماء على أن التكبر قرين الجهل، فقد قال سقراط”العقل العظيم دائم التواضع” وقال الحكماء قديماً ” أن العاقل من إذا تعلم علِم أنّه يجهل أكثر” فالذي يُعجب بنفسه، ويكتفي بما عنده، يغلق باب التطوير ويحبس فكره في قفص ضيق.

العالم الحقيقي لا يتوقف عند حدّ، بل يزداد علمًا كلما تواضع، ويزداد بصيرة كلما اعترف بجهله ويتعلم باستمرار ويُسهم في بناء الحاضر وصناعة المستقبل.. أما المتشدقون بألقاب “النخبة والريادة”، فليسوا إلا أسرى ماضٍ مضى، يعيشون كمن يحاول إحياء رماد انطفأ نوره. يظنون أنفسهم من النخبة لمجرد أنهم عاشوا لحظة مجد عابرة، ويظلون صدى لأيام غابرة لا تعود.

لقد آن لهؤلاء أن يدركوا أنّ الماضي ـ مهما كان باهرًا ـ لا يُغني عن الحاضر ولا يبني المستقبل، وأنّ الكبرياء لا يرفع قدرًا، بل يهدمه. فمن أراد أن يكون من النخبة حقًا، فليجعل العلم رسالة متجددة، ولْيلبس ثوب التواضع، وإلا فسيظل مجرد صدى يتردد في فراغ لأمجادٍ ضاعت.

إنّ المطلوب اليوم أن ننظر جميعًا إلى الأمام، وأن نخلع ثوب الغرور لِنَلبس رداء التواضع، وأن نعي أن قيمة المرء بما يقدّمه الآن، لا بما يفاخر به من ماضٍ مضى. فمن أراد أن يكون من النخبة حقًا، فليكنطالبا للعلم والمعرفة دوما باحثا عن الحكمة والمعرفة ما حيا … عليه ان يكون نورًا للحاضر متطلعا للمستقبل، لا ظلًا للماضي…. فمنيتباهى بالماضي يعجز عن صناعة المستقبل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى