لجنة التربية و التعليم العالي و البحث العلمي

صحابي جليل عاش ومات ولم يسجد لله سجدة واحدة

بقلم: الأستاذ الدكتور قيس عبدالعزيز الدوري

عضو لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

يُعتبر الصحابي الجليل مُخيريق بن سعيد رضي الله عنه من الشخصيات الفريدة في تاريخ الإسلام، فهو نموذج استثنائي في التوبة والإيمان، إذ كان حبرًا من أحبار اليهود في المدينة المنورة، ومعروفًا بعلمه العميق في التوراة وعلم الحرف، مما جعله يكتشف حقيقة الإسلام ويُسلم دون تردد.

مخيريق وعلمه بالحرف

قبل إسلامه، كان مخيريق من كبار علماء اليهود الذين تفوقوا في دراسة التوراة وعلومها. وكان مهتمًا بـ”علم الحرف”، وكان يعتقد ان القران الكريم ورد فيه الم مرة واحدة فقط ولما علم بقية أوائل السور من النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يعتمد على تحليل الحروف لاستخراج المعاني الخفية المرتبطة بالكلمات. كان هذا العلم منتشرًا بين أحبار اليهود، وكان أداة أساسية لفهم النصوص السماوية وتأويلها.

لقد كان مخيريق يعكف على دراسة التوراة بعناية، وكان يعلم أن الكتب السماوية تتحدث عن ظهور النبي محمد ﷺ. وعندما اطلع على القرآن الكريم، اكتشف أنه يحتوي على إشارات واضحة حول هذا النبي المنتظر، الذي قرأ عنه في التوراة.

التحول إلى الإسلام: رؤية عقلانية تنطلق من علم الحرف

أدرك مخيريق أن النبي محمد ﷺ هو نفسه النبي الذي بشرت به الكتب السماوية، وأن الإسلام هو دين الحق الذي يجب اتباعه. بناءً على ذلك، قرر مخيريق أن يُسلم ويؤمن بالرسالة المحمدية، وكان إسلامه نابعًا من علمٍ وفهمٍ دقيقين، لا من عاطفة مجردة.

أول من دعا اليهود للإسلام بناءً على علم الحرف

لم يكتفِ مخيريق بإسلامه، بل دعا قومه من يهود المدينة إلى الإسلام، مستندًا إلى علمه في التوراة وعلم الحرف، مؤكدًا أن الآيات القرآنية تحقق البشارات الواردة في كتبهم عن النبي ﷺ.

القصة كما وردت في السيرة النبوية

جاء في السيرة النبوية لابن هشام، عن ابن إسحاق قوله:

«وكان من حديث مخيريق، وكان حبرًا عالمًا، ورجلًا غنيًّا كثير الأموال من النخل، وكان يعرف رسول الله ﷺ بصفته، وما يجد في علمه، وغلَبَ عليه ألفُ دينه، فلم يزل على ذلك، حتى إذا كان يوم أحد، وكان يوم السبت، قال: “يا معشر يهود، والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق”. قالوا: “إن اليوم يوم السبت”. قال: “لا سبت لكم”. ثم أخذ سلاحه، فخرج حتى أتى رسول الله ﷺ بأحد، وعهد إلى من وراءه من قومه: إن أصبتُ هذا اليوم، فأموالي لمحمد ﷺ يصنع فيها ما أراه الله. فلمّا اقتتل الناس قاتل حتى قُتل. فكان رسول الله ﷺ – فيما بلغنا – يقول: “مخيريق خير يهود”، وقَبض رسول الله ﷺ أمواله، فعيَّمت صدقات رسول الله ﷺ بالمدينة منها.» (ابن هشام، السيرة النبوية، ج2، ص518) رواية الطبري

قال الطبري في تاريخ الأمم والملوك:

«…وكان مخيريق حبرًا من يهود، وكان يعلم أن محمدًا نبي مرسل، فقال لقومه: “والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق”، فأبوا إلا السبت، فقال: “لا سبت لكم”، فأخذ سلاحه وقاتل حتى قُتل شهيدًا، وترك ماله للنبي ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: “مخيريق خير يهود”. »

(الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج2، ص520)

رواية ابن كثير

ذكر ابن كثير في البداية والنهاية:

«وكان مخيريق من أحبار اليهود، فعرف الحق فاتبعه، وأوصى بماله للنبي ﷺ، فكان مما تصدق به النبي ﷺ في المدينة، وقال فيه: “مخيريق خير يهود”.»

(ابن كثير، البداية والنهاية، ج5، ص314)

استشهاده ومكان دفنه:

استشهد مُخيريق يوم أسلم، ولم يسجد لله سجدة واحدة، لكنه نال الشهادة بصدق إيمانه وإخلاصه. دُفن في مقبرة شهداء أحد، إلى جوار سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه.

المصادر الأكاديمية:

  1. عبد الملك بن هشام المعافري، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي، الطبعة الثانية، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1375هـ/1955م، ج2، ص518.
  2. محمد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية، دار المعارف، القاهرة، 1388هـ/1968م، ج2، ص520.
  3. إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر، القاهرة، 1417هـ/1997م، ج5، ص314.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى