اللجنة الاقتصادية

الإصلاح المصرفي في العراق، الفرص والتحديات

الدكتورة ابتسام علي حسين

عضو اللجنة الاقتصادية

 المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

     تعد المصارف التجارية من أبرز القنوات المالية اللازمة لتعبئة المدخرات وتوجيهها نحو قطاعات الاستثمار الحقيقي لدعم عملية التنمية الاقتصادية فهي تلعب دوراً كبيراً في تطوير وتنمية أسواق المال من خلال الاستثمار المباشر فيها والاستفادة منها في توظيف الأموال المتاحة لديها لغرض تحقيق عوائد مقبولة ضمن درجة مخاطرة معقولة, فضلاً عن المشاركة في إدارة منشآت الأعمال والرقابة عليها، في هذا السياق يبرز التساؤل المهم هل هنالك إمكانية لإصلاح القطاع المصرفي العراقي وما هي التحديات التي تواجه عمل المصارف في العراق؟

بالطبع ليس هناك أنموذج موحد لعملية الإصلاح المصرفي فعملية الإصلاح تتوقف على طبيعة وبنية الاقتصاد ودرجة الإصلاحات الهيكلية المتبعة فيه والأهداف المراد تحقيقها من وراء ذلك, لكن يمكن القول إن الهدف الأساس من الإصلاح المصرفي في العراق هو تحسين كفاءة استخدام وتخصيص الموارد وتقوية الجهاز المصرفي في الاقتصاد وذلك من خلال الآتي:

  • خلق أنظمة مالية ومصرفية سليمة وتنافسية من أجل تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي والإسراع في وتيرة النمو الاقتصادي.
  • إدخال نظام محاسبي رقمي متطور تعتمده المصارف العالمية يستوعب الأعمال والخدمات المصرفية كافة وإلغاء أي نظام يطبق يدوياً والذي لا يلبي الطموحات المصرفية.
  • إعادة النظر بتكاليف القروض (سعر الفائدة, العمولات, رسم الرهن, الطوابع, والتكاليف الأخرى) إذ يؤدي ذلك إلى تشجيع الأعمال الإنتاجية التي تحتاجها الدولة في المرحلة الراهنة.
  • إلغاء التخصصات المصرفية والانتقال من المصرف المتخصص إلى المصرف الشامل الذي يستطيع توزيع القروض قطاعياً وجغرافياً لتخفيض أخطار الاستثمار المصرفي ويضمن الانتشار الواسع لفروعه.
  • إعادة هيكلة الإدارات ضمن المصرف الواحد, فهذا الإجراء يؤدي إلى إلغاء بعض الدوائر والأقسام واستحداث دوائر وأقسام غير موجودة يتطلبها العمل المصرفي الجديد.
  • استخدام التقنيات المصرفية الحديثة من أجهزة حاسوب وأجهزة الربط والصراف الآلي والبطاقة المصرفية الحديثة, وتطوير أنظمة تكنولوجيا المعلومات وتعزيز التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية Fintech لتسهيل العمليات المصرفية.

كل تلك الإجراءات تساهم وبلا شك في زيادة تعبئة المدخرات واستعمالها الاستعمال الأمثل من أجل تحقيق عملية التنمية الاقتصادية كما تمكن العراق من تكييف اقتصاده ليكون قادرا على مواجهة الصدمات الخارجية التي تحدث في السوق السلعي أو السوق النقدي.

     أما فيما يخص التحديات التي تواجه العمل المصرفي في العراق فهي كثيرة بلا شك ويقف في مقدمتها:

  • العامل السياسي والتسلط الإداري, إذ إن أصحاب القرار خصوصاً مجالس إدارة المصارف الحكومية تكون تابعة لقوانين وتوجيهات السلطات العليا مما يحد من فاعليتها في اتخاذ قرار مناسب للإصلاح نتيجة هذه التبعية.
  • غياب الشفافية ونقص المعلومات عن الزبون يوقع المصارف في مشاكل كثيرة, فعلى سبيل المثال يلجأ بعض المقترضين إلى تضخيم القيمة الرأسمالية للأصول (لاسيما العقارية) بقصد الحصول على قروض بقيمة عالية مما يوقع النظام المصرفي في أخطاء اختيار المشروعات التي يتم تمويلها خصوصا عندما يعجز المدينون عن الإيفاء بالتزاماتهم بسبب المبالغة في تضخيم قيمة الأصول التي يمتلكونها من جهة واستعمال هذه القروض في قطاعات ليس لها جدوى اقتصادية أو تواجه نقصاً في الطلب وليس لديها المرونة الكافية في السوق من جهة أخرى. ([1])
  • غياب الحوكمة والحكم الرشيد في المصارف يعد معيقاً آخراً لعملية الإصلاح المصرفي, لذا فإن تطبيق مبادئ الحوكمة في الجهاز المصرفي يعد أمراً ضرورياً لضمان سلامته وتحقيق الكفاءة في الأداء, ويرجع أسباب الفشل الذي منيت به الكثير من المصارف إلى افتقارها للقواعد الجيدة في إدارتها مما يساهم في سهولة التلاعب في الحسابات وعدم اتخاذ قرارات رشيدة, الأمر الذي أدى بالمؤسسات المالية الدولية إلى وضع مجموعة من المعايير والقواعد التي تكفل حسن الأداء وتوفر الرقابة على المصارف من خلال ما يسمى بحوكمة المصارف والتي تعني تطوير الهياكل الداخلية للمصارف بما يؤدي إلى تحقيق الشفافية في الأداء وتطوير مستوى الإدارة وهي تختلف عن حوكمة الشركات والتي هي عبارة عن نظام يتم بمقتضاه إدارة الشركات ومراقبتها, لذا فإن غياب الحوكمة عن المصارف قد يحد من رغبة المستثمرين في الاستثمار .([2])
  • سياسة الكبح المالي التي يمارسها البنك المركزي أدت إلى التحكم في أسعار الفائدة وحجم الائتمان, مما أدى إلى انعدام الربط اللازم بين هذه الأسعار ومخاطر وآجال وسيولة الأدوات المالية, ونتيجة لفرض قيود على الحسابات الجارية والرأسمالية فإن مستويات أسعار الفائدة لم تتغير بما فيه الكفاية لتعكس التغيرات في الظروف الاقتصادية وأسعار الفائدة في الخارج, كذلك اعتمدت السلطات النقدية وسائل التحكم المباشر في التوسع الائتماني بفرض سقوف ائتمانية على المصارف. ([3])
  • انخفاض كفاءة تسوية المدفوعات يعد معيقاً آخر للإصلاح المصرفي لأنه يحتاج إلى نظام الكتروني كامل للتحويلات والتقاضي الآلي واستعمال الوسائل الحديثة لشبكات الاتصال بين المصارف وفروعها لتقليل الهدر بالوقت وتصحيح الأخطاء في الحوالات إن وجدت، ذلك من شأنه تحسين الأداء المصرفي وتسهيل عملية إجراء المقاصة ليس فقط بين المصرف وفروعه فحسب, بل بين المصارف المختلفة أيضاً.
  • انخفاض الثقة في التعاملات الالكترونية بسبب غياب التشريعات الحامية من الجرائم الالكترونية، حيث يصنف العراق ضمن الدول عالية الخطورة في غسل الأموال حسب تقرير مجموعة العمل المالي FATF 2023.
  • انخفاض نسب السيولة في المصارف الخاصة العراقية حيث تبلغ نسبة الائتمان إلى الودائع 40% مقارنة ب 80% في الدول الناشئة، كذلك تنخفض نسبة الائتمان إلى الناتج المحلي الإجمالي إذ لا تتجاوز 10% مقارنة بنسبة 50% في الدول الناشئة و120% في الدول المتقدمة حسب بيانات البنك المركزي العراقي وتقارير البنك الدولي لعام 2023.
  • انخفاض نسب الشمول المالي في العراق مقارنة بالمعايير العالمية إذ لا تتجاوز نسبته 23% بينما تصل إلى نسبة 63% في البلدان الناشئة ونسبة 95% في البلدان المتقدمة حسب بيانات صندوق النقد الدولي لعام 2023.

وعلى الرغم من كل تلك التحديات فأن القطاع المصرفي العراقي يمتلك إمكانات النمو والتعافي إذا ما تم تنفيذ إصلاحات جذرية وشاملة وخصوصا في مجالات التحول الرقمي وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وغسل الأموال ورفع كفاءة وفاعلية إدارته، كل ذلك يمكن أن يعالج الاختلال في بنية قطاع الخدمات ومن ثم معالجة جزء من الاختلال في هيكل الناتج، مما سيساعد في تنويع مصادر الناتج والابتعاد عن الاتكال على مصدر الناتج الوحيد في العراق وهو القطاع النفطي ومن ثم يوفر إمكانية تنويع الإيراد العام وخفض العجز في الموازنة العامة.

 

 

1  علي حسن زاير محمد, إمكانية اعتماد نظام التأمين عن الودائع ودوره في الإصلاح المصرفي في العراق, اطروحة دكتوراه كلية الإدارة والاقتصاد, جامعة بغداد, 2014 , ص62-63.

2 طارق عبد العال حماد, حوكمة الشركات, المفاهيم, المبادئ, التجارب (تطبيقات الحوكمة في المصارف) الدار الجامعية, الإسكندرية, 2005 , ص9 .

3 مايح شبيب هدهود, القطاع المالي والمصرفي بين إشكاليات الواقع وآفاق الإصلاح, دراسة في أقطار عربية مختارة, الغري للعلوم الاقتصادية والإدارية, العدد 34 , 2007 , ص50.

([1]المصدر السابق نفسه والصفحة نفسها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى