لجنة الزراعة و الري

العراق بين التحديات الطبيعية والبشرية ليست مجرّد موسم جفاف عابر، بل تهديد عميق لمستقبل المجتمع العراقي.

رمضان حمزة: خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية وتغير المناخ

عضو لجنة الزراعة والري في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

 

التحليل المعمّق حول نقص الموارد المائية في العراق وبعد تكرار مواسم جفاف متتالية، يخوض العراق أصعب مراحل التحديات الطبيعية والبشرية حتى الآن، مما يتطلب إعادة تشكيل لهيكلية وزارتي الموارد المائية والزراعة لمواجهة هذه المرحلة الحرجة والمعقّدةٍ التي تتشابك فيها الديناميكيات المحلية والإقليمية.

فشل المحادثات حول الملف المائي مع تركيا وإيران تكتيكياً وسياسياً، في ظلّ تغير المناخ وانتشار الجفاف في معظم انحاء البلاد، فان النزاعَ على المياه قد يتحول من خلافٍ محلي محدود نسبياً إلى صراع متعدّد الأطراف معقّد ذي تداعيات إقليمية.

يكمن خطر نقص المياه اليوم في تقاطع مساراتٍ ثلاثة: رغبة العراق في الحصول على حصص عادلة ومنصفة من المياه من تركيا وإيران، واستعداد العراق على تغير نهج الزراعة التقليدية الى الزراعة الحديثة والذكية باستخدام التقنيات الحديثة والمتطورة، وعزم العراق على استخدام البصمة المائية في الزراعة لتقليل الاستهلاك في المياه وتوسيع نطاق المحاصيل التي تتحمل الجفاف والملوحة.

إن ما يجرى في العراق ليس مجرّد جفاف لموسم او موسمين بل لتراكم الإهمال في اصلاح البنية التحتية والتحول الى التقنيات الحديثة ومكافحة التصحر بحملات تشجير حقيقية، مما خلق نكسة عميقة سيواجه المجتمع العراقي. فقد أصبح الجفاف محفّزاً للنزوح من الأرياف والأهوار، ما يهدّد بتعطيل الحياة في الريف العراقي وازدحام كبير في المدن، وبالتالي تقويض التعايش بين الريف والمدينة، وبين المواطنين والدولة.

لا تكمن الخطورة لهذا النقص الكبير في الموارد المائية ونسب التلوث الكبيرة لهذه المياه المتوفرة في تداعياته الصحية وحسب، بل أيضاً في تقويضه النسيج الاجتماعي. فتحويل الأراضي الزراعية إلى الى أراضي صحراوية جرداء لا يسهم سوى في ترسيخ زيادة النزوح من الريف الى حواضر المدن، يؤدي إلى إرساء معادلةٍ ديموغرافية جديدة لواقع السكان في العراق تتمثّل في وعيّ مجتمعي منقسم عاجزٍ عن تحقيق الاستقرار.

تكشفت أحداث نقص المياه والجفاف في نهاية المطاف أن النهج الذي تتبنّاه الحكومة لمعالجة أزمات المياه، لم يَعد مُجدياً وحسب، بل قد يكون حلول مؤقتة حتى. فحالات نقص المياه من دول المنبع وتكرار مواسم الجفاف ليست حالات معزولة، بل هي امتداد لأنماط برزت في وقت سابق واتّسمت ببعدٍ نظر قصير المدى، أسهم في تعزيز التجاوزات على الحصص المائية ومحرمات الأنهار، زيادة احواض الأسماك والتلوث الكبير للمتوفر من المياه، وهذا ما يدفَعَ المجتمعات المحلية إلى عدم التشبّث بالأرض بل التفكير بالنزوح الى حواضر المدن. وينطبق هذا بشكل خاص على منطقة الاهوار، حيث الإدارة المؤسساتية ضعيفة للغاية.

العراق اليوم في مرحلة صعبة للغاية ليست مجرّد دولةٍ بحاجة إلى إصلاحاتٍ مؤسسية، بل هي ضعيفة في تنفيذ التعليمات ورفع التجاوزات ومحاسبة الملوثين لموارد المياه والبيئة، كل هذا يستوجب عملية إعادة تعريف مُعمّقة للموارد المائية وكيفية ادارتها إدارة مائية متكاملة ومستدامة. إن الوضع الراهن يستلزم أكثر من إعادة وتكرار التصريحات بشأن الازمات المائية الخانقة التي بدأت تفتك بالمجتمع العراقي، إنه يتطلّب تصوّراُ سياسياً جديداً يعترف بضرورة ملحة لرسم خطط متكاملة لإنقاذ شامل، تبدأ من الإقرار بالأخطاء وتحديد الأولويات، وصولًا إلى تنفيذ حلول واقعية قابلة للتطبيق.. ويعتمد التفاوضَ وليست المحادثات مع دول المنبع في إدارة احواض نهري دجلة والفرات مثل هذا النهج قد يُبعد العراق عن شبح الجفاف ومخاطر تغير المناخ، وتتمثّل في إقامة مجتمع يضمن له الامن المائي والغذائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى