لجنة الزراعة و الري

الوضع البيئي في البصرة تجاوز مرحلة الخطر وأصبح يندرج ضمن توصيف (النكبة البيئية).

رمضان حمزة: خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية وتغير المناخ

عضو لجنة الزراعة والري في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

محافظة البصرة على شط العرب ملتقى نهري دجلة والفرات الغنية بالنفط والمياه سابقًا، تعاني الآن من أزمات مياه خانقة، تتداخل فيها عوامل الطبيعة الصحراوية القاسية مع إخفاقات الإدارة وتراكمات الإهمال. تواجه البصرة اليوم أزمة مركبة من مياه مالحة ملوثة، أدت إلى تلف أراضٍ زراعية ونفوق المواشي، وبات السكان يشترون المياه كما لو كانت سلعة نادرة.

وهذا التدهور في كمية ونوعية الموارد المائية في البصرة لم تكن وليدة أزمة مياه مفاجئة، بل هي حصيلة عوامل متشابكة بدأت بالظهور تدريجيًا، حتى وصلت إلى مستويات تهدد الحياة اليومية في المدينة.

وهذا الوضع البيئي في البصرة تجاوز مرحلة الخطر وأصبح يندرج ضمن توصيف (النكبة البيئية)” المياه الملوثة والمالحة تسببت في موجات تسمم، ونفوق واسع للمواشي، وتدمير مساحات زراعية كبيرة، حيث أن “البنية البيئية في البصرة تُستنزف من ثلاث جبهات: المياه، والانبعاثات النفطية، ومواقع الطمر غير المنظمة، ما يُشكل بيئة غير صالحة للعيش البشري أو الحيواني”.
هناك من خسائر متراكمة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، قد تكون آثارها طويلة الأمد في حال غياب التدخل العاجل. فتظل هذه التحديات، وتتضح صورة أزمة المياه الملوثة التي تدمر الزراعة، وتقتل الماشية، وتنشر الأمراض، وتفرض عبئًا ماليًا على السكان، وسط ضعف حكومي ملحوظ في الاستجابة، وغياب الخطط الاستباقية. إن مسؤولية أزمة العطش في البصرة تقع على عاتق الطبيعة وسوء الإدارة، فعوامل مثل تغير المناخ، وتحكم دول المنبع، تركيا وإيران، بتدفق المياه نحو العراق، أسهمت في تقليص مناسيب دجلة والفرات، ما زاد من الملوحة والضغط على شط العرب والتي تتصدر واجهة الأزمة، خصوصًا مع بدايات فصول ومواسم الصيف، حيث تتراجع الإطلاقات المائية القادمة من دجلة، ويمتد اللسان الملحي عبر شط العرب ليصل إلى قلب المدينة.

ولكن يبقى العامل الإداري صاحب المسؤولية الأثقل، نتيجة ضعف إدارة الموارد المتوفرة، وغياب الرؤية في تطوير البنية التحتية أو تنفيذ مشاريع التحلية الضرورية. لأن “التقاعس الإداري، وعدم وجود تنسيق فعّال وتكامل في العمل بين الوزارات والحكومات المحلية، جعل الأزمة تتفاقم عامًا بعد عام، وتهدر الجهود والأموال دون جدوى، حتى باتت تهدد الحياة في المدينة بشكل مباشر.”

حيث لم يعد العطش في البصرة مجرد معاناة موسمية، بل تحول إلى خطر يومي يهدد صحة السكان، ولقمة عيشهم، وكرامتهم المعيشية، فمع تفاقم ملوحة المياه وتلوثها، والمياه بلونها الأصفر ورائحتها الكريهة، لم تعد آمنة حتى لغسل الأواني باتت الاحتياجات الأساسية – من شرب وطبخ وغسيل –، ما اضطر العائلات لشراء الماء بأسعار مرتفعة لجميع احتياجاتها اليومية معتمدين على “تناكر الماء” التي تُباع بأسعار باهظة، تُثقل كاهل العائلات محدودة الدخل.  هذه الخسائر المتراكمة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، قد تكون آثارها طويلة الأمد في حال غياب التدخل العاجل.

لان تفاقم أزمات

بعد سنوات من تفاقم الأزمة وتراكم آثارها، من المياه الملوثة التي تدمر الزراعة، وتقتل الماشية، وتنشر الأمراض، وتفرض عبئًا ماليًا على السكان، وسط ضعف حكومي ملحوظ في الاستجابة، وغياب الاجراءات الاستباقية والخطط المتكاملة بدلًا من انتظار الكارثة. لذا لم يعد الحديث عن “أزمة مياه البصرة” مجرد توصيف لحالة طارئة، بل ضرورة ملحّة تتطلب خطة متكاملة لإنقاذ شامل، تبدأ من الإقرار بالأخطاء وتحديد الأولويات، وصولًا إلى تنفيذ حلول واقعية قابلة للتطبيق.

ورغم الجغرافيا القاسية، مثل امتداد اللسان الملحي من الخليج العربي إلى عمق شط العرب، التي تشكل عائقًا حقيقيًا، بسبب غياب الإطلاقات المائية من دجلة والفرات، وهو ما يحدث نتيجة عوامل إدارية وسياسية. ولكن “المشكلة ليست فقط في الطبيعة، بل في إدارة الأزمة، وفشل الحكومة العراقية في تأمين حصص مائية كافية، ومواجهة التجاوزات الداخلية والخارجية على المياه، ما جعل المشكلة في جوهرها إدارية – وإن اتخذت شكلًا جغرافيًا”. لذا “ما لم تكن هناك استجابة استراتيجية، فإن ظمأ البصرة سيتحول إلى تهديد دائم، والتلوث سيُحكم قبضته على مستقبل المحافظة”. وللتعامل مع الكارثة، يمكن تنقسم الخطط إلى خطوات عاجلة ومتوسطة المدى:

  • على المدى القصير، يجب توفير مياه شرب آمنة عبر وحدات تحلية متنقلة، وتكثيف الرقابة على جودة المياه، وإطلاق حملات توعية للمواطنين.
  • أما على المدى المتوسط، فيتوجب استكمال المشاريع الكبرى لتحلية المياه، وتحسين البنية التحتية، وتفعيل التنسيق مع دول المنبع لضمان إطلاقات مائية عادلة، بالإضافة إلى دعم الزراعة بتقنيات مقاومة للملوحة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى