من إدارة النهج القطاعي للمياه الى الإدارة المتكاملة للموارد المائية في العراق لتعزيز أُطُر حَوْكمة المياه.

رمضان حمزة: خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية وتغير المناخ
عضو لجنة الزراعة والري في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
يتميز العراق بمجموعة فريدة من الظروف القانونية والمؤسسية والاقتصادية والاجتماعية والفيزيائية والجغرافية والمناخية والبيئية التي تؤثر على إدارة المياه واستراتيجياتها. وبينما تُعدّ التجارب العالمية مفيدة في استنباط خيارات العمل، يجب أن تُصمّم حلول مشاكل أي بلد بما يتناسب مع احتياجاته. وتُعدّ صياغة الاستراتيجيات الوطنية للإدارة المتكاملة للموارد المائية أمراً معقداً، إذ تعتمد على عوامل عديدة، مثل حجم البلد وتنظيمه السياسي وظروفه الهيدرولوجية.
لذلك بات من الضرورة القصوى طرح مفهوم واستراتيجية الإدارة المتكاملة للموارد المائية في العراق لضمان الأمن المائي، كحاجة إنسانية أساسية وأساس لجميع الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. واعداد برنامج ذات اهداف واضحة لتحيق تنفيذ نهج الإدارة المتكاملة للموارد المائية في العراق منها البدء ببناء القدرات الفنية لخبراء المياه لإجراء تقييم للموارد المائية في إطار مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية، والذي سيشكل أساسًا للسياسة والاستراتيجية الوطنية للمياه. وبموازاة ذلك العمل على بناء القدرات المؤسسية ضمن هيكلية جديدة لوزارة الموارد المائية والزراعة تتناسب مع حالة العوز والفقر المائي الذي أصبح حقيقة واقعة في بلاد الرافدين بهدف تعزيز القدرات الإدارية لكبار الموظفين وصانعي القرار لصياغة الخطط الوطنية الرئيسية للمياه. وللمزارعين، حيث يفتقر المزارعون في العراق إلى الخبرة في إدارة مشاريع الري الحديثة والذكية، ودائمًا ما يغيب عنهم مسؤولية صيانة مكونات المشروع. وان تتم هذه الفعاليات من خلال إنشاء مركز تدريب يهدف إلى إعداد هذه البرامج التدريبية بناءً على الاحتياجات المائية للبلاد ولمختلف الاستخدامات. تنفيذ دراسات تجريبية مختارة من قِبل خبراء عراقيين بتطوير مشاريع بحثية تجريبية ودراسات تطبيقية تتناول مختلف المجالات المتعلقة بالتخطيط المتكامل للموارد المائية، وتطويرها وإدارتها في جميع قطاعات استخدام المياه، وتعزيز معارف ومهارات موظفي وزارة الموارد المائية والزراعة يعزز الثقة بالكادر الوطني لمواكبة التطورات التقنية والإدارية وتطبيقها بشكل فعال على ارض الواقع. ويتطلب العمل على إطلاق برنامج لإدارة الموارد المائية المتشاركة والعابرة للحدود لمنع النزاعات المتعلقة بالمياه، وتعزيز التعاون الإقليمي في مجال المياه من أجل السلام.
إن الإدارة المتكاملة للموارد المائية ((IWRM)Integrated Water Resources Management) هي نهج يعزز التنسيق والإدارة للمياه والأراضي والموارد ذات الصلة من أجل تحقيق أقصى قدر ممكن من الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية بطريقة عادلة دون المساس باستدامة النظم البيئية (Ecosystems)، وهو ما يتضمن تطوير وإدارة أكثر تنسيقًا لـكل من الآتي:
- الأرض والماء.
- المياه السطحية والجوفية.
- حوض النهر والبيئة الساحلية والبحرية المجاورة له.
- مصالح دول المنبع أعلى النهر (Upstream) ودول المصب أسفل النهر (Downstream) للمساقط المائية والخزانات الجوفية.
كما إن الإدارة المتكاملة تعني أن جميع الاستخدامات المختلفة للموارد المائية وحدة واحدة، بحيث أن مخصصات أو حصص المياه (Water allocations) وقرارات الإدارة، تأخذ في اعتبارها تأثيرات كل استخدام على الاستخدامات الأخرى، وتراعي أيضًا الأهداف الاجتماعية والاقتصادية العامة لغرض تحقيق التنمية المستدامة (Sustainable development)، وهذا ما يعني ضمان وضع سياسة متماسكة تتعلق بجميع القطاعات، ومنها تم توسيع المفهوم البسيط للإدارة المتكاملة للموارد المائية إلى مفهوم يشمل وضع قرار مشترك من قِبَل مختلف المستخدمين (المزارعين، والمجتمعات، وعلماء البيئة، …الخ)؛ مما يؤثر على استراتيجيات تنمية وإدارة الموارد المائية، وهو بدوره سيجلب الكثير من المنافع بما أن المستخدمين المطلعين سيُطبِّقون التنظيم الذاتي المحلي فيما يتعلق بقضايا مثل الحفاظ على المياه وحماية مساقط المياه بكفاءة أعلى بكثير مما يمكن أن يحققه النظام المركزي أو النظام الرقابي.
هنا يتم استخدام مفهوم الإدارة بأوسع معانيه، والذي يشدد على عدم التركيز فقط على تنمية الموارد المائية، ولكن يجب إدارة تنمية المياه بوعي وبطريقة تضمن الاستخدام المستدام على المدى الطويل للأجيال القادمة.
عليه، فإن الإدارة المتكاملة للموارد المائية هي عملية منهجية للتنمية المستدامة، وكذلك لتخصيص ورصد استخدام الموارد المائية في سياق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وهو ما يتناقض مع النهج القطاعي (Sectorial approach) الذي يُطبَّق في العديد من البلدان حيث تقع مسؤولية مياه الشرب على عاتق إدارة معينة ومياه الري على إدارة أخرى والبيئة على إدارة ثالثة، وكلها تمارس مهامها في ظل غياب الروابط بين مختلف القطاعات مما يقود إلى إدارة غير منسقة لتنمية وإدارة موارد المياه بشكلٍ يؤدي إلى نشوب الصراعات والهدر وتواجد أنظمة غير مستدامة.
الإطار العام
الإدارة المتكاملة للموارد المائية تدور حول تعزيز أُطُر حَوْكمة المياه (Water governance) لتشجيع صنع القرار الجيد استجابة لحالات وأوضاع التغيير؛ حيث لا يوجد مخطط مسبق وجاهز للإدارة المتكاملة للموارد المائية يناسب جميع الحالات، ولذلك تم إنشاء إطار عام مبني على أساس مبادئ دبلن، والأركان الثلاثة الأساسية الدافعة للاستدامة والكفاءة الاقتصادية والاستدامة البيئية والإنصاف الاجتماعي، ومن أجل تنفيذ نهج الإدارة المتكاملة (IWRM) فإن مجالات العمل الرئيسية وتشمل:
- البيئة التمكينية (Enabling environment) – بما في ذلك السياسات والتشريعات والتنظيمات والتمويل وبنية الحوافز.
- الأدوار المؤسسية (Institutional roles) – النظر في النماذج التي تسمح للحوض وحوض النهر، والمصالح المحلية المركزية العامة والخاصة.
أدوات الإدارة (Management instruments) – بما في ذلك تقييم الموارد، وإدارة المعلومات وتخصيص الموارد وأدوات الحماية