لجنة التربية و التعليم العالي و البحث العلمي

رحلة شغف، معرفة، وتمكين مع الدكتورة وداد سلمان حاتم الجبوري

دكتوراه الفيزياء النووية

عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

المقدمة

لطالما كان عالم العلوم والتكنولوجيا النووية مجالًا يهيمن عليه الذكور. عندما بدأت رحلتي في السبعينيات، كان المشهد مختلفًا تمامًا عما هو عليه اليوم. لم تكن هناك نماذج يُحتذى بها من النساء الطموحات في مجال العلوم، وبدون وجود الذكاء الاصطناعي أو وسائل التواصل الاجتماعي، كانت ماري كوري الأيقونة الوحيدة التي ألهمت الكثيرات منا. ومع ذلك، أشعر اليوم بالفخر لرؤية كيف تطور هذا المجال، وخصوصًا في مؤسستي، حيث تعمل العديد من النساء كنماذج ملهمة وزميلات متميزات.

لقد تشكلت مسيرتي المهنية، التي تمتد لأكثر من أربعة عقود، من خلال سعي دؤوب للمعرفة، وصمود أمام التحديات، وإيمان راسخ بقوة التعليم والعمل الجماعي. يعكس هذا المقال تجربتي بدءًا من سنواتي الأكاديمية الأولى إلى عملي كأول امراه عراقية تعمل كمفتشة نووية ، وكأول خبيرة عراقية في دورة الوقود النووي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA). ورغم أن الخبرة كانت أساسية، إلا أن العمل الجماعي والبيئة الداعمة كانا مفتاح النجاح. كما أشارككم رؤى حول تطور دور النساء في العلوم النووية.

الأساس: التعليم كأداة للتمكين

بدأ شغفي بالتكنولوجيا النووية بشكل رسمي في السبعينيات، عندما التحقت بدراسة الماجستير في جامعة سري – كلفورد بمقاطعة سري البريطانية. تركز بحثي على ضرر الإشعاع الذي يصيب غلاف الزركلوي للوقود النووي نتيجة التعرض الى جسيمات ألفا. هذا الدخول الأولي إلى علم مواد وتكنولوجيا النووية مهد الطريق لدرجة الدكتوراه، حيث قمت بتصميم وبناء منظومه كامل لإنتاج مواد نانوية للتطبيقات النووية.

لقد منحني التعليم العالي القوة من خلال المعرفة. وهذه المعرفة هي التي أعدتني للعمل في البرنامج النووي العراقي بين عامي 1981 و2003. كامرأة في مجال التكنولوجيا النووية، كانت المعرفة هي قوتي، ودرعي، وصوتي. وفي بيئة كثيرًا ما كانت تُشكك في المصداقية، منحني التعليم الثقة للتفاوض والمناقشة وإثبات كفاءتي.

ربط البحث بالسياسات

خلال عملي في العراق، لعبت دورًا رئيسيًا في تنفيذ الخطط الاستراتيجية البحثية، والتنسيق بين الباحثين في الجامعات العراقية، وهيئة الطاقة الذرية العراقية، ووزارة التصنيع العسكري. وأدركت بسرعة أن النجاح في العلوم والتكنولوجيا النووية لا يعتمد فقط على المعرفة التقنية. بل تتطلب الخطة الاستراتيجية، والاتصال الواضح، والتعاون الفعال لتمكين البحث وصياغة السياسات بشكل فعّال.

فصل جديد: الانتقال إلى الساحة الدولية

بعد عام 2003، انتقلت إلى المملكة المتحدة، وبدأت مغامرة جديدة في كلية كينك لندن، حيث عملت في مركز العلوم والأمن. وكان هذا الانتقال بمثابة تجربة متواضعة، إذ وجدت نفسي أتعلم من زملاء أصغر مني سنًا. وقد عزز ذلك أهمية التكيف والتعلم المستمر في مجال دائم التطور.

وفي عام 2006، انضممت إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية كمفتشة ضمانات نووية. وقد شكّل هذا الدور محطة فارقة في مسيرتي، ليس فقط لكوني أول امرأة عراقية تشغل هذا المنصب، بل لأنه أكد من جديد أهمية العمل الجماعي في بيئة دولية عالية الحساسية. فرغم أن خبرتي التقنية كانت لا تقدر بثمن، إلا أنني أدركت بسرعة أن التعاون الفعال هو المفتاح الحقيقي للنجاح. وكان وجود بيئة عمل شاملة وداعمة أمرًا ضروريًا لتمكين المفتشين من أداء واجباتهم وضمان الأمن النووي العالمي.

دروس مستفادة: قوة الدعم والتوازن

من أهم الدروس التي تعلمتها خلال مسيرتي أن النجاح لا يُقاس فقط بالقدرات الفردية، بل يتشكل أيضًا من خلال البيئة وأنظمة الدعم المحيطة بنا. فالنساء في مجالات متطلبة كالعلم النووي يواجهن تحدي التوازن بين الطموح المهني والمسؤوليات الشخصية. ولتحقيق النجاح الكامل، من الضروري وجود نظام دعم قوي، سواء من شريك الحياة، أو العائلة، أو الأصدقاء، أو الزملاء. فالشبكات الداعمة تساعدنا في الوصول إلى أقصى إمكاناتنا وتقي من الإرهاق. وعلاوة على ذلك، فإن تعزيز ثقافة العمل الشاملة يضمن أن تتمكن المزيد من النساء من النجاح في مجالات العلوم النووية والتكنولوجيا والأمن الدولي.

مستقبل النساء في المجال النووي

التحديات التي واجهتها النساء في العلوم النووية خلال السبعينيات تختلف عن تحديات اليوم. فرغم تحسن فرص التعليم والعمل، لا تزال النساء بحاجة إلى التمكين من خلال مهارات حيوية مثل القيادة، والتفاوض، واتخاذ القرار الاستراتيجي.

وعند استرجاع رحلتي، أشعر بالفخر لمساهمتي في كسر الحواجز أمام النساء في مجال التكنولوجيا النووية. واليوم، أرى عددًا متزايدًا من النساء يتألقن في البحث النووي والسياسات والأمن. إن وجود نماذج نسائية قوية وبيئات عمل داعمة يضمن أن الأجيال القادمة لن تضطر إلى مواجهة نفس العقبات التي وجهناها.

الخاتمة

لقد تميزت مسيرتي المهنية بالصمود، والشغف، والإيمان الراسخ بقوة المعرفة. وكوني أول مفتشة نووية عراقية وأول خبيرة عراقية في دورة الوقود النووي، فقد شهدت وساهمت في تحول هذا المجال، لا سيما للنساء. والطريق إلى الأمام واعد، وأظل متفائلة بأن الجهود المتواصلة في التعليم والإرشاد والتعاون ستقود إلى مجتمع نووي أكثر شمولًا وتمكينًا.

وللشابات اللواتي يطمحن إلى دخول مجال العلوم والتكنولوجيا النووية: اسعين وراء المعرفة بلا كلل، وواجهن التحديات بثقة، ولا تستهينّ أبدًا بقوة نظام الدعم القوي. فمستقبل التكنولوجيا النووية ينتمي لمن يجرؤن على كسر الحواجز.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى