اللجنة القانونية

سلطان الإرادة في التشريع العراقي

المستشار سعيد النعمان

عضو اللجنة القانونية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

يعتبر مبدأ سلطان الإرادة من مخرجات المذهب الفردي الذي يقدس الحرية ويعتبرها الهدف الأساسي لتنظيم المجتمع ويقصد بها حرية الفرد وضمان مصالحه الخاصة فأن إرادته يجب أن تتوافق مع إرادته الحرة التي تملك إنشاء العقد وتحديد آثاره ونتائجه المتوقعة ولا يجوز لأي جهة أن تفرض عليه ما يتعارض مع إرادته.

ثم ظهر المبدأ الجماعي الذي يمنع تسلط الطرف القوي على الطرف الضعيف في أنشاء العقد. وعندما اتجهت الدول نحو النظام الاشتراكي الذي يفضل مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد ومنعه الاتفاق أو التعاقد على مخالفة النظام العام والآداب العامة أو التعارض مع الخطط الاقتصادية أو توجهات الدولة والمجتمع. وفي ضوء ذلك أقرت القوانين المدنية بمبدأ سلطان الإرادة في إنشاء التصرفات، ولكن ضمن مساحات مقبولة ومعقولة بقصد تحقيق التوازن بين الإرادة والعدالة على أساس تحديد مضامين العقد والآثار التي تنتج عنه على وفق القوانين والمصلحة العامة والنظام العام وسياسة الدولة الاقتصادية.

ثم أصبح سلطان الإرادة ومخرجاته الناتجة عن حرية التعاقد مبدأ ثابت ومستقر في معظم النظم القانونية ذات الاتجاه الفردي ويبدوا أن هذا الأمر لم يقتصر على القوانين الوطنية، بل أخذت به الاتفاقيات الدولية وقواعد التحكيم الدولي في المنازعات الدولية. وإذا كان العقد قد بني أصلا على الإرادة فأن ذلك يعد تجسيدا حيا لمبدأ سلطان الإرادة في إطار القوانين المدنية لكافة الدول التي أخذت بهذا المبدأ وأصبح للإرادة الحق في أنشاء كافة العقود غير ملزمة بأنواعها الذي نظمت في القانون المدني. كما أن للإرادة الحرية في عدم التقيد بالآثار التي يفرضها المشرع على عدد من العقود فلها الحق والحرية في تقليل الآثار أو توسيعها أو تعديلها أو حتى حذفها.

ونذكر أن مبدأ سلطان الإرادة قد شهد رواجا حتى على مستوى العقود الدولية والوطنية مع استبعاد أي قانون وطني وإخضاع العقد للمبادئ العامة والعادات والأعراف التجارية الدولية. كما منح الأطراف حرية الاتفاق على تعين المحكمة المختصة وصيغ التحكيم.

أما المبادئ الناجمة عن مبدأ سلطان الإرادة فهي:

 1ـ لا يقوم أي التزام على أي شخص إلا أذا ارتضاه أو حفاظا على النظام العام والآداب العامة.

 2 ـ توفر مبدأ الرضائية في التعاقد.

3ـ الحرية الكاملة للطرفين في تحديد أثار العقد ونتائجه.

 4 ـ مراعاة قاعدة (العقد شريعة المتعاقدين)

  • موقف المشرع العراقي من مبدأ سلطان الإرادة

في القانون المدني العراقي رقم (40 لسنة1951) المعدل تواجد مبدأ سلطان الإرادة في المادة (75 ) حيث نصت على ( يصح أن يرد العقد على أي شيء أخر لا يكون الالتزام به ممنوعا بالقانون أو مخالفا للنظام العام أو للآداب ) ولم يكتفي المشرع بذلك وبغية تحقيق العدالة والأنصاف بين طرفي العقد أجاز للمحكمة مراعاة مصلحة طرفي العقد حيث نصت المادة ( 146 1و2 ):

 1 ـ أذا نفذ العقد كان لازما ولا يجوز لاحد العاقدين الرجوع عنه ولا تعديله الأ بمقتضى نص في القانون أو بالتراضي.

 2ـ على أنه أذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وأن لم يصبح مستحيلا. صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للمحكمة بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن تنقص الالتزام المرهق إلى الحد المعقول أن اقتضت العدالة ذلك. (ويقع باطلا كل أتفاق على خلاف ذلك).

 كما نجد في أسس ونطاق سريان قانون التجارة (رقم 30 لسنة 1984) في المادة (1) يقوم هذا القانون على:

 1 ـ تنظيم النشاط الاقتصادي للقطاعات الاشتراكي والمختلط والخاص وفقا لمقتضيات خطة التنمية.

2 ـ جعل دور القطاعين المختلط والخاص مكملا لنشاط القطاع الاشتراكي.

3 ـ الحد من مبدأ سلطان الإرادة وتغليب العلاقة القانونية على العلاقة العقدية.

  • الملاحظات والرأي

ـ صحيح أن مبدأ سلطان الإرادة يقوم على أساس الحرية والمساواة القانونية لإنشاء العقد الأ انه لابد من تحقيق التوازن والتوافق بينهما. حيث لكل منهما هدفا لتحقيقه وهذا لا يحصل إلا أذا أعتبر الأفراد متساوون في ممارسة حقوقهم في أبرام العقد وتحمل أثاره. وأن هذه المساواة لابد أن تؤدي إلى المصلحة العامة التي أساسها مصلحة الفرد والمجتمع معا.

ـ يلاحظ أن هذا المبدأ يتجاهل منظومة التضامن الاجتماعي نتيجة نظرته إلى الفردية وتغليب مصلحتها على مصلحة الجماعة لذلك نجد أن القانون خول تدخل القاضي بل حتى المشرع في تعديل بنود العقد لصالح المتضرر أثناء الأزمات الاقتصادية التي تضر بأحد طرفي العقد الذي لحق به الضرر نتيجة ذلك .

ـ يجب تقييد مبدأ سلطان الإرادة في أنشاء العقود بالضوابط والقيود التي تنسجم وتتناغم مع العدالة والنظام العام والآداب والقوانين المدنية النافذة وعلى المشرع والقاضي تهذيب هذا المبدأ بما يحقق ذلك.  

ـ ضرورة التوازن بين مبدأ سلطان الإرادة ومبدأ الرضائية والتوافق والانسجام بين الإرادتين في انعقاد العقد لكي لا يلحق ضررا في أحد الطرفين.

ـ اللافت للنظر أن المشرع لم يكافئ الإرادة الظاهرة والبطانة ولم يمنح الغلبة بينهما بهدف أما تحقيق العدالة وأما استقرار المعاملات. وهذه هي النظرة السليمة لتحقيق فكرة التوازن بين الإرادتين.

ـ نقترح فرض غرامات مالية للطرفين في حالة ثبوت مخالفة المادة ( 75 ) من القانون المدني في أعلاه وإلغاء النصوص المخالفة وترك الخيار فيما يتعلق ببقية النصوص للطرفين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى