نشاطات المنتدى

النخب والكفاءات العراقية .. المثول أمام الاستحقاق الوطني

الدكتور صباح ياسين

نائب الامين العام ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

 

في معنى المنتدى وغاياته :

النخب والكفاءات العراقية .. المثول أمام الاستحقاق الوطني

 

    أجدني هنا أكتب في إطار مقولة عامة لا تبدو انها وفي الوهلة الاولى  مثيرة للاهتمام لدى المعنيين بالمجال العام ، وهي معنى الحقوق الطبيعية للإنسان في محيط نشاطه الطبيعي ، تلك الحقوق التي يمتلكها الانسان حين يولد . انه الحق في الحرية ، وهنا لابد ان نستدرك ان تلك الحرية وان كانت طبيعية في إصولها ، الا انها أضحت قابلة للانتزاع أو التزوير ، وبالمقابل ، وعلى مدى المسيرة التي قطعها الانسان على هذه الارض ولغاية اليوم ، فأنها موضوع جدل مستمر من حيث مشروعيتها وشكلها وحدودها المفترضة ، وكذلك الحق الطبيعي للإنسان في امتلاكه تلك الحرية دون منازع .

تلك المقدمة فرضتها قراءة متأنية لأهداف المنتدى ، وتحديدا من ذلك الهدف الاول ( جمع العراقيين ذوي الكفاءات من كافة الاختصاصات تحت مظلة واحدة لضمان التواصل بينهم والاستفادة من خبراتهم وقدراتهم في بناء العراق ، وحل مشكلاته التنموية ) . لأجد ثمة حزمة من الاهداف المضمرة في تلك الصياغة تقترب من معطى ( الاستحقاق الوطني ) كتعبير جامع يلخص الغايات الوطنية وفي إطار المواطنة الحقة المفترضة على الفرد منذ ولادته وحمله لهوية الانتماء للارض والشعب ، وذلك الاستحقاق يترجم معطى الحرية في مفهوم الالتزام الوطني المشروع أمام كل فرد .

إن مفردة ( جمع العراقيين ) بذاتها مقاربة حرجة مع مفهوم الحرية اذا ما اعتبرناها حقا طبيعيا ، ولكن هذا الحق الطبيعي لابد له من إطار معنوي فاعل يترجم في الواقع عبر صيغة محدد ، تنظيمية وفاعلة ، وهذه الصيغة هي الحرية في الاختيار والانحياز الى قضية بذاتها ، فالنداء الموجه الى النخب والكفاءات هو جوهر الاستحقاق الوطني الذي لا يمكن إطلاقه تنظيميا دون ان تكون الحرية ذاتها دافعا للانتساب الى الحشد النوعي من العراقيين أصحاب الخبرة والتجربة والدراية بالشأن الوطني ومتطلباته في كل الميادين .

هنا تتوضح الصورة في الهدف الاولى من ذلك الاجتماع وغايته ، وهي  ( المظلة الواحدة لضمان التواصل ) إنه معيار أخلاقي قبل كل شيء ، عندما تكون الحرية في الاختيار موازية لحرية الانتساب للجماعة تحت مظلة واحدة ، أي اختيار منصة العمل المشترك الجماعي  . أي صيغة جامعة توفر الصلابة ولبناء كتلة متوافقة للعمل المشترك . ولكن بأية  صيغة تنظيمية توفر الطاقة للعمل باتجاه الاهداف المعلنة  ؟ ، المنتدى أجاب في الجزء الاخير من صياغة الهدف الاول بوضوح في هذه الصياغة اللغوية .. ( الاستفادة من خبراتهم وقدراتهم في بناء العراق ، وحل مشكلاته التنموية )  .

وهكذا تقوم المنظمات ، وآي كانت التسمية المعبرة عن ذلك مثل مفهوم المنتدى ، بدور مركزي بالغ الاهمية في حياتنا المعاصرة ، ولخصها عالم الاجتماع ماكس فيبر : بانها تمثل وسيلة فاعلة لتنظيم اعداد كبيرة من الناس بصورة تضمن اتخاذ القرارات وفق معايير محددة لتحقيق أهداف معينة . والناس بالمفهوم الاطلاقي العام يقومون بهذه الاعمال طواعية في إطار الانتماء للأهداف والايمان بها كوسيلة للتغير ، وهذا هو تحديدا الجانب الاخلاقي من مفهوم الاستحقاق الوطني ، لان تلك الاعمال تصب في النهاية بالصالح العام وليس لمصلحة افراد بحد ذاتهم .

والمنتدى جمع كل أهدافه مرة واحدة في الفقرة الاولى ، والغاية واضحة لأنه ببساطة يتعامل مع النخب والكفاءات ، وهم بشكل خاص يدركون معنى ودلالة ذلك التجمع ، ومعنى الاستجابة له كحاجة تأريخية فرضتها ظروف عديدة أهمها الشتات المادي والنفسي الذي تعيشه النخب والكفاءات منذ عام 2003 ( الاحتلال الامريكي للعراق واسقاط النظام الوطني ) ولغاية اليوم ، وضرورة إعادة لحمة الطاقة الاكبر والأوسع والأكثر تأثيرا في مسيرة البناء وهم النخب والكفاءات ، بما يملكون من رصيد علمي ومعرفي وخبرات متراكمة في مختلف ميادين الحياة والبناء الحضاري .

وهذا التكامل بين معنى الاجتماع تحت مسمى المنتدى كمؤسسة وطنية شرعيتها مستمدة من معنى الاستحقاق الوطني ، او الاجتماع النوعي على توظيف الخبرة والكفاءات الوطنية من أجل بناء العراق واستعادة دوره الحضاري وطنيا وعربيا ودوليا ،  انما يشكل جوهر الفكرة النبيلة للمظلة الكبيرة الجامعة للتنوعات والاختصاصات المحيطة بمعنى النهوض الحضاري ومعبرة عنه ميدانيا ، ولذلك فان هذا التعبير الحركي الفاعل إجتماعيا ما كان له ان يشيد ويتحقق في هيئة أو منظمة وطنية تحت مسمى ( المنتدى العراقي للنخب والكفاءات ) دون أن يحمل مشروعيته من معين الحاجة التأريخية لاستدعاء  أبناء العراق من النخب والكفاءات للعمل الوطني على صعيد البناء ، دون النظر الى تلك العناوين الفرعية التفكيكية التي جاء بها المحتل مثل الاثنية او الطائفية او المناطقية ، والتي أسهمت بشكل كبير في الخراب القائم الان والمعزز بالفساد والمحاصصة والشللية الحزبية والعائلية التي تعشعش في البيئة العراقية اليوم .

إن المنتدى بصيغته المعلنة والمحددة باهدافه وتحديدا الهدف الاول موضوع حديثنا يشكل حركة تأريخية وليست حركة مؤقته ، وهو حركة إنصهارية وإندماجية تملك التعددية والتنوع الفكري والاختصاصات المختلفة علميا ومهنيا ، وهي أيضا حركة وطنية ، لا تنزع الى التفوق والانعزال بحكم خصوصيتها الفكرية والاكاديمية ومعين التراكم في خبراتها ، وانما تتموضع ضمن إصطفاف وطني مع كل القوى المؤمنة بالعراق أرضا وسيادة ، وتقدم نموذجا لانبثاق حركة التغيير القائمة على معطى العلم والعمل والبناء معا من أجل الوطن ومستقبل أجياله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى