لجنة العلوم السياسية

خطاب فلاديميو بوتين

دلالات ، مؤشرات و تداعيات لمناسبة مرور عام على حرب اوكرانيا

بقلم : الدكتور هاني الحديثي

عضو لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

في خطابه للشعب الروسي  يوم 23.03.2023

لمناسبة مرور عام على الحرب في أوكرانيا ، اكد بوتين جملة وقائع :

أن الحرب في اوكرانيا هي حرب بين روسيا وحلفاؤها  مع الناتو بقيادة امريكية.

وانها حرب تحمل دلالات (دينية -سياسية ) للغرب  المتحلل من منظومة القيم الدينية والاجتماعية والداعية للسلوك الشاذ قيميا بالضد من المجتمعات المتماسكة دينيا واجتماعيا .

وهي حرب تهدد الوجود الروسي ومعه الوجود الشرقي الرافض للهيمنة الامبريالية الامريكية.

ولأجله فان بلاده وحلفائها يسيرون باتجاه الخلاص من دائرة الدولار  في التعامل العالمي ، وهيمنة المنظمات المنفلتة اخلاقيا ..

ونحو نظام دولي جديد لا تكون فيه الولايات المتحدة مهيمنة على النظام الدولي .

وكنتيجة طبيعية لما تقدم اعلن بوتين تعليق بلاده من اتفاقيات الحد من الاسلحة الاستراتيجية

المجدد توقيعها عام 2010 م .

وضمن هذه الرؤية فان بوتين لم يحذر الادارة الامريكية واوروبا حسب ، انما الدول الاخرى التي كانت جزء من الاتحاد السوفيتي والتي تعلن اليوم عدائها الصريح للموقف الروسي وضمنها بولندا ولاتفيا.

 

بعبارة اخرى فان السيد بوتين يتهيأ لإعلان حالة الحرب ضد الغرب كخطوة خطيرة وربما نحو الحرب العالمية الثالثة ، ليؤكد أن روسيا لن تقبل بالهزيمة امام الناتو مهما كلف الامر (لامعنى لوجود العالم بدون روسيا) .

والسؤال الذي يدور في الاذهان: هل ان بوتين استعجل الدخول في اوكرانيا حماية لمصالح الامن القومي الروسي (متورطا أو تم توريطه ) ودفاعا عن محيطها الاقليمي الحيوي المهدد من الناتو  بدليل اطالة امد القتال دون حسم للموقف كما كان يتمنى، أم انه اختار الوقت المناسب للمجابهة مع الغرب كله وقيادة الناتو دفاعا عن نظرية تغيير قواعد النظام الدولي وسعيا لإزاحة الولايات المتحدة عن موقع القوة المهيمنة عليه على حساب مصالح شعوب العالم؟

وهو امر يعني ان الحرب ستكون طويلة ولن تنتهي الا بانتهاء قواعد اللعبة الامريكية في العالم بغض النظر عن النتائج الخطيرة عالميا .

هنا نستعرض ثلاث اتجاهات عالمية اتجاه حرب اوكرانيا :

الاول :ما تردده ماكنة الاعلام والحرب النفسية الامريكية والغربية ومعهم اكاديميون واعلاميون عرب وبلدان العالم الثالث وغيرهم عن قصد او دونه بان روسيا خرقت ميثاق الامم المتحدة واطاحت بالقانون الدولي في قرار بوتين غزو اوكرانيا .

ورغم ان الموقف هذا لا يخالجه الشك في اهمية الاعتماد على ميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي في حل الازمات التي تعصف بالسلم والامن الدوليين ، الا انها كلمة حق يراد بها باطل عبر معاني تبييض صفحة الامريكان وحلفاؤهم من قضايا العالم ومن بينها قضايانا العربية بدءا من زرع الكيان الصهيوني في فلسطين والحروب في الشرق الاوسط والمتصلة بحروب فيتنام وكوريا وافغانستان والعراق وليبيا وبنما والعداء لكوبا والارجنتين و بوليفيا وافريقيا  والتي عبرت عن المنهج الاستعماري والامبريالي بقيادة امريكية-بريطانية ضد شعوب العالم وارادتها في التحرر وخلافا للقانون الدولي وميثاق الامم المتحدة .

الثاني: الرؤى الواقعية في العلاقات الدولية التي تجد في الغزو الروسي لأوكرانيا ما يبرره في مواجهة سلوك المعسكر الاخر بقيادة توريطية امريكية تسعى لحرق العالم كي تبقى الولايات المتحدة الطرف الاقوى المهيمن على النظام الدولي . وهو المنهج الامريكي المعتمد والمستمر اتجاه العالم ويبقى مستمرا طالما عجز العالم عن ظهور قوة دولية مناوئة ترفض استمرار الهيمنة وتسعى للتغير لصالح اعادة التوازن المفقود في النظام الدولي والعلاقات الدولية . لاشك ان الصين ومعها روسيا وحلفائهم واصدقائهم في الشرق يسعون منذ عقود لإيجاد حل لهذه المعضلة بعد ان ارتكبت الولايات المتحدة مجموعة مجازر وأبادات جماعية بحق شعوب العالم وخلافا للقانون الدولي وميثاق الامم المتحدة ، واذا كان العراق وليبيا وامثالهم قد سحقوا تحت مجنزرات السلاح الامريكي وحلفائه بسبب تباين القدرات و فقدان التوازن في النظام الدولي لصالح اميركا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي الامر الذي حول القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة والمنظمة الدولية الى مهزلة تتلاعب واشنطن بقراراتها وتفسير نصوصها وفقا لمصالحها الكونية ،وفق قاعدة ازدواجية المعايير في تفسير النصوص والتلاعب في ميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي ، فأن الامر مختلف هذه المرة مع الصين وروسيا .

الثالث: الموقف الذي يأخذ بنظر الاعتبار توازن المصالح الدولية وتأثيراتها على المصالح الوطنية لبلدانهم فيذهبون الى الدعوة لحل  المشكلة وفقا لقواعد القانون الدولي واحترام المواثيق الدولية مع تقدير المصالح الحيوية لروسيا الاتحادية .الهند وبلدان جنوب شرق اسيا ووسط اسيا فضلا عن تركيا وبلدان عربية نموذجا وهو الموقف الاكثر عقلانية وموضوعية درئا للبلدان من الدخول في صراعات لا مصلحة وطنية فيها .

 

في ضوء ما تقدم فأن الحرب  (أية حرب) لها دوافعها ، وكل طرف يحلل ويدرك ويعمل وفق تلك الدوافع بعيدا عن التمسك بقوانين ومواثيق عجزت حتى الان عن تحقيق السلم والامن الدولي وفق معايير العدالة والانصاف ، خاصة ان العالم الان يعيش حالة من فقدان القيم والمبادئ الضابطة للعلاقات الدولية ، الامر الذي يجعل الطرف المنتصر فيها هو من يصيغ المواثيق الدولية وفقا لمصالحه المختلفة عن مصالح ومبادئ العدل والانصاف  ، وهو ما ينبغي اخذه بنظر الاعتبار في تقييم الازمات والحروب وليس وفقا لتبريرات لا تنسجم الا مع الاهواء والتبعات الشخصية مع أو ضد .

ومن هذا المنطلق ارى ان المثقف العربي عليه ان يحقق التوازن مع ذاته ومحيطه العربي وطبيعة التداعيات الخطيرة التي نتجت عن واقع سلوك القوى الامريكية والغربية وسياساتها العدائية والهمجية قبل ان يحكم على صحة او عدم صحة هذا الطرف او ذاك .

ويكفينا في ذلك تصريحات رموز في حلف الناتو وهي تعتبر العالم الغربي جنة الله في الارض تحيط بها غابات يقطنها المتوحشون يستحقون القتل .

يبقى لنا ان نعرج على إشكالية جدية في موقف البلدان العربية.

لقد حسمت بلدان الخليج العربي سياستها بالموقف المتوازن الناتج عن عمق الشك الناتج عن التجربة مع الادارات الامريكية التي تداولت سياسة التخلي عن الاصدقاء وقت المحن وخاصة موقفها اتجاه التغلغل الايراني في اليمن وازدواجية الموقف اتجاه الحوثيين فضلا عن سياسات الولايات المتحدة الاخرى في العالم عدا عن ادراكها ان المصالح الوطنية والاقليمية وطبيعة التغيرات المحتملة في مستقبل الاستقطاب الدولية تتطلب منها تحقيق شراكات اقتصادية استراتيجية مع الصين وروسيا ، وهو الموقف الذي اتضح بشكل عميق خلال حضور بايدن مؤتمر بلدان الخليج والدول العربية في جدة ، وما تبعه من قمم الزعيم الصيني الثلاث في السعودية .

أما الموقف العراقي فأنه يعد في حرج شديد نتيجة ارتهان سياسة العراق بقوتين ؛الولايات المتحدة و إيران .

العراق من جهة يشارك بلدان الخليج العربي القلق من تغلغل النفوذ الايراني مع خصوصية العلاقات بين رموز الحكم في العراق وايران الامر الذي يجعله اقرب لإيران وبالتوالي يفترض ان يكون الاقرب الى روسيا بحكم العلاقات الروسية -الايرانية، لكنه من جانب اخر مرهون قراره الاقتصادي بسياسة الخزانة الامريكية لاعتبارات التبعية وفق قرارات الامم المتحدة والتي جعلته يوقع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية معها وينبغي بموجبها ان يأخذ بنظر الاعتبار اهتمامات ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الاوسط .

ان ما تقدم جعلت العراق في حالة من التراجع عن تطوير العلاقات مع الصين والتحلل من الاتفاقيات الموقعة مع الصين عهد عادل عبد المهدي رئيس الوزراء السابق رغم ان تحالف السلطة السياسي هو حليف ايران الشريك الاستراتيجي للصين .

تبعا لما تقدم فأن العراق هو في الموقف الاضعف والذي يضع العراق كله امام خيارين:

1-  تقسيم العراق بين منطقتي نفوذ احداها تحت الضغط الايراني -الروسي ،والثانية تحت النفوذ الامريكي والغربي .

لعل هذا الخيار الصعب يضع العراق على سكة الافتراق داخليا رغما عن ارادات وطنية داخله .

ان واقع التهميش للمكونين السني والكوردي من قبل (رموز ) المكون الشيعي المتحالفين مع ايران وخطوطهم الممتدة في التعاون مع روسيا داخل العراق وسوريا جعل المكونين الاساسيين الاوليين (العربي السني و الكوردي  ) يشعران بان النفوذ الامريكي هو حبل النجاة لهما من التهميش وسياسات الاقصاء والتغيير الديمغرافي بل والابادات الجماعية على غرار ما حصل في محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين وديالى ومحيط بغداد ،وللأسف فان العلاج يتم على ايدي الفاعل المسبب لما حصل في العراق المتمثل بالاحتلال الامريكي الذي شهد مقاومة عنيفة امتدت لغاية 2008 وبشكل اقل بعد ذلك التاريخ ضمن ما اطلق عليه بالمثلث السني العربي .

2- انهاء النفوذ الايراني في العراق عبر انهاء دور القوى والمليشيات التابعة له داخل العراق وهو الخيار الوحيد للحفاظ على وحدة العراق الجغرافية ،ولن يكون ذلك دون دعم دولي من قبل مجلس الامن الدولي والامم المتحدة بدعم امريكي -غربي .

ان هذا الخيار لا يمكن تصور وقوعه دون الطلاق البائن بين الولايات المتحدة والغرب عن سياسة التخادم المعتمدة  من قبلهم مع ايران وهو امر يتوقف على تغير معادلات المصالح الاستراتيجية في الشرق الاوسط باعتبار العراق منطقة ذات موقع جيواستراتيجي رابط بين الشرق والغرب .

تأسيسا على ما تقدم ،فان سياسات تنافس القدرات و صراع القوة بين الشرق والغرب في أوكرانيا ستترك تجلياتها على عموم القضايا الاقليمية والعالمية ، وهو امر ننتظر نتائجه سلبا او ايجابا في المستقبل المنظور وليس اكثر من ذلك وهي التي ستحدد مستقبل مجمل النظام الدولي ومدى فاعلية منظومته العالمية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى