لجنة العلوم السياسية

السعودية – أيران – الصين

ا.د هاني الياس خضر الحديثي

عضو لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

 

السعودية -أيران -الصين

هل هي خطوة اخرى نحو الشرق بعيدا عن الهيمنة الامريكية ؟

أم هو تكتيك فرضته الضغوط الدولية ؟

 

(قراءة أولية  )

بمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ تم الاعلان في بكين عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وايران .

الصين اعتبرت الخطوة بانها انتصار للسلام تم برعايتها ، مستشار الامن الوطني السعودي الدكتور مساعد بن محمد العيبان و أمين مجلس الامن القومي الايراني ووزير الخارجية الايراني اكدوا ان ذلك يأتي ضمن مساعي احلال السلام في المنطقة واحترام حسن الجوار وعدم التدخل بالشؤون الداخلية  واعتبار ذلك جهد محوري .

من جهته اعلنت الولايات المتحدة في تصريح  رسمي  عن البيت الابيض ، انها على علم بالتقارير التي تتحدث عن مساعي تغليب الحوار الدبلوماسي على لغة الصراع بين الاطراف وبما يحقق السلام في اليمن  وتهدئة التوترات في منطقة الشرق الاوسط ،بيد انها في واقع الامر تنظر الى مستقبل مصالحها الاستراتيجية في الشرق الاوسط (ألذي تسعى لبقائه بعيدا عن تمركز النفوذ الصيني ) والمرتبط استراتيجيا بالأمن الاسرائيلي والحرص على إلزام ايران بالعودة الى اتفاق فينا بخصوص برنامجها النووي مع الاحتفاظ لإيران  بدور اقليمي لا يهدد امن اسرائيل ، بذات القدر الذي يراعي المصالح الامريكية في الشرق الاوسط ، وهو امر لا تتورع ايران عن الموافقة عليه تكتيكيا فق سياستها الذرائعية على ألأقل  مع بعض التنازلات المقبولة طالما يضمن استمرارية النظام الايراني بفلسفته المعروفة

، وايران تعلم جيدا ان اوراق الضغط التي تمارسها الادارة الامريكية ضدها وضمنها احتضان انعقاد مؤتمرات المعارضة الايرانية على اراضيها ،ان هي الا اوراق ضغط لن تأخذ أكثر من مداها التكتيكي امام ضمان تحقق المصالح الاستراتيجية التي تتطلب منها التوافق والموافقة على ما هو ممكن الاتفاق عليه لاحقا . .

السؤال : ماهي تداعيات ذلك على مجمل القضايا الساخنة في مشرق الوطن العربي وتحديدا العراق وسوريا واليمن ؟

وما  ابعاد ذلك على تطور الدور الصيني في الشرق الاوسط وصلته بمحادثات فينا ازاء البرنامج النووي الايراني؟

الرأي عندي ان الاتفاق برعاية الرئيس الصيني يعني  تطور نوعي اخر نحو دور صيني فاعل ضمن استراتيجية الحزام والطريق للصين نحو الشرق الاوسط وعبره نحو العالم  كمنطقة جيواستراتيجية. بذات الوقت فانه خطوة سعودية للاقتراب من محور الصين والتي بدأت عمليا في قمم الرئيس الصيني في جدة قبل فترة قصيرة والتي شهدت التوقيع على شراكات استراتيجية شملت أيضا بلدان خليجية اخرى مع الصين ، وهو امر يستدعي التوقف عنده ضمن احتمال لعب السعودية دورا اقليميا محوريا اكبر واكثر استقلالية عن المنهج الامريكي وهو احتمال يتصاعد قوته مع زيادة الخلافات الامريكية -السعودية وزيادة مساحة ألشك لدى القيادة السعودية من امكانية او مصداقية او قدرة الولايات المتحدة و إسرائيل في مواجهة التهديدات الجدية لإيران على عموم محيطها الاقليمي .

ان هذا يعني فرص اوسع لإحلال السلام في اليمن تحديدا للاعتبارات المباشرة في المجال الحيوي للأمن السعودي والخليجي وهو امر اكده الناطق باسم الحوثيين ،فضلا عن ضمانات إيرانية بالامتناع عن التدخل بالشأن الداخلي لبلدان الخليج العربي ولو مؤقتا .

 

ماذا يعني ذلك للعراق وسوريا ؟

العراق سبق له وبدأ بمبادرات لتقريب وجهات النظر السعودية-الايرانية وهذا الحال يتحمل انحياز أو   لجوء العراق لدور صيني اكبر في المشرق العربي  ، يعزز من ذلك علاقاته المتميزة مع ايران وعلى حساب المصالح الامريكية في المنطقة ،بيد ان ذلك يضعه في موقف حرج في علاقاته مع الولايات المتحدة التي تسعى لتوظيف  أتفاق التعاون الاستراتيجي  الموقعة بين الطرفين لتعزيز الاستثمار في العراق في مجال النفط والغاز والكهرباء لتتنافس في ذلك مع المعلن من اتفاق عراقي مع ألمانيا  .

أن زيارة وزير الدفاع الامريكي للعراق الايام الفائتة والمتزامنة مع زيارة وزيرة الخارجية الالمانية لبغداد وما أعلن عن الزيارتين من نتائج تصب في هذا الاتجاه .

ولذلك فان ألعراق  معرض اكثر من اي وقت مضى لتقاسم النفوذ بين امريكا والصين وايران على  غرار ما يحدث في سوريا حيث تعدد الاطراف في تقاسم النفوذ .

بعبارة اخرى فأن السعودية في اتفاقها مع ايران تحت مظلة الصين لن تكون حاليا معنية وبشكل مباشر بالوضع غير المستقر في العراق ، وكذلك الحال في سوريا ولبنان وهي الساحات الاكثر فاعلية للنفوذ الإيراني  بقدر اهتمامها في الامن القومي السعودي -الخليجي المتصل مباشرة بوضع اليمن ومستقبل الصراع فيه .

تأسيسا على ما تقدم فأن الاتفاق في حال نجاحه فانه يشكل حالة إيجابية للاستقرار داخليا و إقليميا لكل من السعودية وبلدان الخليج من جهة و إيران من جهة ثانية.

بذات القدر الذي يحققه من نتائج ايجابية للصين ودورها الدولي وتأثيرها في عموم الشرق الاوسط ضمن ما أسلفنا الحديث فيه  ،ألأمر الذي يشكل عامل قلق امريكي يمكن تموضعه لاحقا عبر تنفيذ التوقيع على برنامج ايران النووي وفق قاعدة (لا ضرر ولا ضرار ) بل اعتراف تفرضه المعطيات ومتبادل لمناطق النفوذ والمصالح .

الادارات الامريكية ليست معنية بمصالح الدول بقدر ما تعنيه الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية وخططها لإعادة تشكيل الشرق الاوسط وبما يحقق الضمان الموثوق والوثيق للأمن الاسرائيلي .

هنا لابد من الإشارة ان الولايات المتحدة منهمكة في المواجهة مع روسيا الاتحادية في اوكرانيا وبالتالي هي غير مستعدة لمواجهة قلق أو تغيرات جوهرية حاليا في الشرق الاوسط ،ولذلك لم تعمد الى دعم المعارضة الايرانية باي شكل خلال انتفاضة الشعوب الايرانية الاخيرة  ، وهي فرصة الصين بحكمتها للتوغل بهدوء الى منطقة الشرق الاوسط حيث عقدة الترابط الاستراتيجية لمشروعها الحزام والطريق نحو العالم .فضلا عن الحاجة الماسة لموارد النفط والغاز الذي تتنافس عليه في منطقة الخليج   العربي مع الامريكان والغرب .

وفي وسط هذه التجاذبات فان الساحة المشرقية بضعفها وتعدد مصادر النزاعات فيها وحيرتها بين الحلفاء (ايران ) والاصدقاء  (الولايات المتحدة والغرب) ستجد نفسها شاءت ام ابت تحت مطرقة توزع مناطق النفوذ عليها من بلدان اقليمية كإيران  مسنودة من الصين وروسيا ، وامريكا واسرائيل وحلفائهم الغربيين من جهة ثانية .

ان ما يساعد على ذلك ضعف البنى التحية للدولة  (العراق وسوريا ولبنان ) وتدمير اركان اساسية منها فضلا عن ترهلها بفعل سيادة الفساد الذي يأكل من جرف استقرارها واستقلاليتها.

ويبقى سيناريو التفاعل الاقليمي الايجابي الناتج عن هذا المتغير الجديد قائما ، ولكن تعترضه الشكوك الناتجة عن مبادئ ومقاصد سياسة أيران الخارجية الجوهرية وحنكتها في ادارة الازمات التي تحيط بها مع القدرة على الوصول الى الغايات الاستراتيجية في الهيمنة على مجمل مناطق المشرق العربي عبر توظيف ادواتها في المنطقة ، والتي بدورها نجحت في تفكيك البنى المجتمعية في عموم بلدان المشرق العربي واضعافها وافسادها وربطها بشكل وثيق بتلك الغايات والمصالح والاستراتيجيات الايرانية  وهو امر حقق نتائج تبدو ايجابية بصيغة التخادم  غير المباشرة لصالح كل من الولايات المتحدة واسرائيل من جهة رغم ما يرفع من شعارات وهمية  في المقاومة ، الامر الذي يجعل مما تقدم من انفتاح دبلوماسي مجرد لعبة دبلوماسية تحمل الكثير من الشكوك في مدى المصداقية ، والتي لن تجد لها جوابا حاسما مع نظام كالنظام الايراني  دون حدوث متغير جوهري داخله وهو بحد ذاته احتمال لا ينبغي البناء عليه في ضل تخادم المصالح والاستراتيجيات الدولية لعموم الشرق الاوسط والتي تنتج قبولا بمعطيات الامر الواقع دوليا وإقليميا  .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى