لجنة الثقافة و الاعلام

مشاركة الاوربيين في ندوة تونس

أ.د محمد مظفر الادهمي

رئيس لجنة الثقافة والاعلام والفنون

تمثل ندوة تونس التي عقدت في 10 مايس  2018 لمناسبة مرور خمسة عشر عاما على غزو العراق واحتلاله ,نقلة نوعية في الندوات والمؤتمرات التي عقدها المنتدى العراقي للنخب والكفاءات منذ تأسيسه عام 2014 ,لأننا خاطبنا ولأول مرة وبشكل مباشر العقل الاوربي من خلال مشاركة منظمات اوربية عديدة في جلسات الندوة كمستمعين ومعقبين , ولعل من اهم التعقيبات الكلمتين اللتين القاهما كل من درك ادريانسن ممثل محكمة بروكسل ومايك باورز ممثل جمعية التضامن السويدية العراقية اللتان عكستا نشاط وآراء هذه المنظمات حول الواقع الذي يعيشه العراق بعد الاحتلال .

فقد قال السيد درك في تعقيبه انهم يمتلكون تصورا واضحا عن عمليات استهداف الاكاديميين والنخب العراقية  بعد الاحتلال فقائمتهم تشير الى قتل وتصفية 500 او اكثر من الاكاديميين . وانه اغتيل  في البداية ذوي الاختصاصات الطبية والعلمية,  ولكن بعد ذلك حدث شيء غريب عندما استهدف عمداء ورؤساء الجامعات ,معظمهم  من الدراسات الانسانية ,والعلوم الانسانية , والعلوم السياسية , مما يدلل انه كان هناك استهداف للطبقة الوسطى التي يحتاجها أي بلد من اجل البناء . وفي العراق لعبت الطبقة الوسطى دورا فاعلا في اعادة بناء البلد بعد حرب الخليج عام 1991. كانت هناك امكانية وطاقة لإعادة البناء . كان هناك مهندسين وفنيين قد قاموا بهذا العمل . واضاف درك  انه يعتقد ان اي بلد أخر لو تعامل مع مثل هذا التدمير وتحت الحصار الذي فرض عليهم فانه سيؤدي الى مأسي .

ثم تطرق درك الى الحالة التي عاشها العراق في فترة الحصار عندما مات الاطفال بسبب الجوع ونقص الرعاية الصحية وعدم الحصول على ماء الشرب النظيف وعدم الحصول على المواد الاحتياطية لان قرار الامم المتحدة 661 يمنع ذلك … ولم يحصلوا على الكلورين لأنه حسبما يقولون انه استخدام مزدوج , ومع ذلك فقد تحدى العراقيون الحصار وكان الطعام يوزع من قبل الحكومة على الجميع دون تمييز, وكانت الطبقة الوسطى هي الرائدة في اعادة بناء البلد بعد حرب الخليج .ولذلك فان الامريكان قد تعلموا درسا بعد عام 1991 , ولهذا عملوا بعد عام 2003 على قطع راس الطبقة الوسطى مبتدئين بأعلاها .عمداء رؤساء جامعات والشريحة العليا من المثقفين . ثم اخرجوا من البلاد معظم المثقفين من الطبقة الوسطى : الاكاديميين المهندسين الفنيين ,حتى انهم استوردوا مهندسي نفط من اوكلاهوما والمكسيك . هذا ما حدث .. واذا ما اضفت الى هذا تنفيذ سياسة فرق الموت فأننا سنصل الى استنتاج بان معظم الاغتيالات قد نفذت اما من قبل فرق كوماندوز خاصة الذين تدربوا على يد مدربين مثل جيمس ستيل , وكذلك بالتعاون مع الحرس الايراني الذي تعاون لأسباب انتقامية .. وعلى سبيل المثال فقد اغتالوا خلال الستة اشهر الاولى من عام 2006 حوالي بضعة مئات من الطيارين ..ما هي الفائدة من قتل طيارين لم يعودوا فاعلين ابدا ؟ ومع ذلك فقد قتلوهم . ان قوائم اسماء هؤلاء قد قدمها الامريكان . واذا قرأت دفاع ماننك ,وهو الذي قال انه قد كشف عن وثائق بالقتل , قال لقد اعطانا الامريكان قوائم لإلقاء القبض على هؤلاء الناس وتسليمهم الى السلطات العراقية . ويقول انهم ليسوا مجرمين وانما اناس اكاديميين كتبوا انتقادات لسياسة الحكومة , وقال : لقد نبهت مركز القيادة وقادتي ولكنهم قالوا لي اتركها للعراقيين . وقال انني لم اتعاون بهذا الامر لأنني كنت اعلم ان العديد منهم سيختفي او يسجن او يقتل . هذا مثل واحد وهناك ادلة اخرى . وكما نرى ما حدث بعد ذلك في ليبيا وسوريا, فقد كان من المقرر تدمير هذه البلدان.

ما هو السبب  ؟ كانت هناك اسباب كثيرة , وقد ذكر السيد الادهمي واشار الى الكثير منها , مثل من اجل اسرائيل او لأسباب جيوسياسية لتامين الحضور الامريكي في المنطقة والعراق مركز فيها , وكذلك دائرة الصين لان هذا هو الهدف النهائي . لست انا الذي يقول ذلك بل الامريكان انفسهم يقولون هذا الشيء , كل المؤسسات تقول ذلك .اذن من قتل الاكاديميين والمثقفين والطبقة الوسطى ؟ بعودة الى سؤالنا ..انها الولايات المتحدة الامريكية بمساعدة ايران . اعني انه ليس بالضرورة الحكومة وانما المليشيات وبعض الفرق . وهذه هي الحقيقة المحزنة.

وبعد ان انتهى درك من تعقيبه , تم توجيه سؤال مهم الى الحضور الاوربيين وهو هل سينقلون ما سمعوه وشاهدوه في هذه الندوة من ادلة وبحوث عن الواقع العراقي المؤسف الى المسؤولين الاوربيين ؟

فاجاب مايك باورز رئيس جمعية التضامن السويدية العراقية قائلا سنقوم بنقل كل شيء علمناه اليوم الى صناع القرار , كل ما نعرفه عن العراق لكي يكون لديهم قاعدة جيدة لصناعة القرار . ولكن لسوء الحظ فانهم ليسوا مستعدين للاستماع الينا , ومع ذلك فإننا سنكتب الى الوزراء ونزور البرلمانات ونضع امامهم ما نعرفه . ولهذا فمن الضروري جدا ان نلتقي بكم باستمرارونتعلم منكم بشكل اكثر .

وعاد درك ليؤكد ما قاله باورز :- بالطبع بالتأكيد. اعطونا المادة بالإنكليزية ونحن سننقلها الى كل سياسي في البرلمان الاوربي والبرلمانات الوطنية , اذا أرادوا الاستماع . ولكن اذا لم نكن نملك اي شيء فلا يمكننا تقديم شيء. وعاد باورز ليقول: اود ان اضيف نقطتين الى ما قاله درك , وبعد ذلك لي بعض التعليقات العامة ..اولا : لقد اجتمعنا في مدريد وبدانا حملة ضد اغتيالات الاكاديميين و المثقفين العراقيين , وقمنا ايضا بتشكيل منظمة تدعى IOAN  شبكة المنظمة العالمية للدفاع عن الاكاديميين للتعاون في عدة بلدان . ومن الاشياء التي قمنا بها عام 2007 هي الالتقاء في فرنسا من اجل تأكيد الوضع السياسي حول ما وجدناه مهما بالنسبة للعراق , مثل التدخل في شؤونه وثانيا ضرورة الغاء الدستور الذي فرض من الخارج , وان يسمح للأحزاب بالعمل وان تجري انتخابات ديمقراطية وان يكون للعراق علاقات طبيعية مع جيرانه . ونحن فرحون ان الموقف الذي اتخذناه قد نال اهتمام منظمات بما فيها في الولايات المتحدة , وكذلك تم قبوله من قبل مجاميع مقاومة عراقية مختلفة .وبكلمات اخرى فقد تمكنا من توحيد موقفنا السياسي مع موقف العراقيين الذين كانوا يقاتلون من اجل حريتهم ضد الغزاة المعتدين . هذا شيء مهم ..ومن المظاهر المهمة اننا ركزنا على محاولة جذب الانتباه الى اصوات العراقيين وليس اصوات الامريكان والاوربيين , مما يمكننا من ايجاد برنامج عمل . ويمكنني ان اريكم اننا اصدرنا عدد سنوي عن العراق وعلى مدى عشر سنوات حيث اجرينا مقابلات مع عراقيين حول الصحة والتعليم والصناعة . ونحن مسرورون جدا ان الكثير من العراقيين  قد جاءوا لزيارتنا والتكلم معنا .. ان آخر شيء عملناه قبل حوالي شهر هو نشر بحث بأربعين صفحة للسيد سعد ناجي جواد حول الحالة السياسية والدستورية وما يجب عمله من اجل ان يتقدم العراق .. انه من المهم جدا ان يكون للعراقيين صوت , وهذا ينطبق ايضا على سبيل المثال حول عمل مركز جنيف للعدلة , وهم يقومون بتوثيق كل ما يقدمه لهم العراقيون من وثائق التي يمكن ان تستخدم في الكفاح من اجل العدالة . نحن لا يمكننا عمل ذلك . انهم العراقيون فقط الذين يمكنهم عمل ذلك . ولكنني اجد انه من المهم جدا اننا بحاجة الى ان نستمع الى نتاجاتكم والى خبرتكم واستنتاجاتكم حول الحالة في العراق اليوم .

واذا ما استمريت في حديثي عن مؤتمرنا هذا, فانه مؤتمر للاكاديميين , وعلي ان اقول ان سلوككم  كأكاديميين جميعا كان جيدا .ونقاشاتكم واختلافكم في الراي يدل على ذلك . ومن الامور التي لاحظتها هو الاختلاف في وجهات النظر حول اسباب الاحتلال . هل كان النفط ام شيء آخر مثل الجيوسياسي . اود شخصيا ان اقول عندما يوجه الي مثل هذا السؤال .. اقول ان العراق كان من اهم الدول العربية في العالم العربي . لا يوجد بلد لديه هذا العدد الكثير من السكان الذين كانوا يعملون في الصناعة . العراق كان مثالا للبلد الذي يستخدم ثروته لتقديم الخدمات الصحية والتعليم , وهذا ما لا تتحمله القوى الامبريالية. العراق كان مثالا يحذو حذوه الاخرون لأنه يتحدى سلطة القوى الامبريالية ليس فقط الولايات المتحدة . ولذلك فانا ارى انه ليس النفط لوحده بل هو جزء من كثير من العوامل التي دفعت الى غزو واحتلال العراق, ولذلك هم يريدون اخذ النفط من الشعب العراقي . هذا الامر ربما فيه اختلافات .

انا تأثرت بثلاثة امور وجدت انكم اتفقتم عليها . الاول والذي تمتعت به كثيرا لأنه يمكنني ان استمع واكلم الناس الذين يستخدمون المصطلح نفسه , فكل المتحدثين تكلموا عن الاستعمار , القوى الاستعمارية . وانتم كضحايا للاستعمار لديكم فهم واضح له . نحن جئنا والقوى الاستعمارية في اوربا والغرب لا يرون نتائج الغزو ولا يعتقدون باننا قوى استعمارية لان الصحف والاعلام والسياسيين يقولون لنا كلا كلا نحن نعمل جميعا في الامم المتحدة . كان هذا في القرن الماضي . انه ليس كذلك انه الامبريالية الجديدة التي تمثل تهديدا وتستمر في كونها تهديد لأناس في العديد من البلدان , حتى في البلدان الصناعية .

ثانيا وانا ممتن له , هو اننا نوافق على تحليلكم حول الامبريالية .انكم قدمتم كيف تم تدمير العراق كليا في كل قطاع : في التعليم في الصحة في الصناعة ,صناعة النفط ..واذا ما تناولت التعليم فإننا نعلم ماذا حدث خلال الحصار .خمسمائة الف طفل ماتوا , وكان هناك ادراك واضح لهذه الجهود في كيفية تدمير العراق . ليس فقط لتدمير المصانع بل لمنع العراق  حتى من استيراد الطباشير, على سبيل المثال , الطباشير الذي يستخدمه المعلمون في الكتابة على السبورة .انه احدى الطرق لاستئصال التعليم الابتدائي .انها خطة تصل الى حد الابادة الجماعية . لقد ناقشنا في مؤتمر جنيف هذه الامور وقدمت دراسات اكاديمية توصلت الى ان مليونين واربعمائة الف قد ماتوا خلال فترة الحصار والاحتلال .

وعندما نأتي الى موضوع التضامن ونقول ماذا يمكننا ان نفعل؟  هناك ثلاث نقاط , النقطة الاولى هي الاستمرار في التفاعل فيما بيننا وتقديم التقارير لما يحدث في العراق وتوزيع المعلومات . نعم مازال هناك خطط اجنبية .ما زال هناك تدخل .ما زال هناك جرائم , ومنها الجرائم ضد النساء والاطفال . يجب ان لا تنسوا ان نصف الشعب العراقي اعمارهم اقل من 15 سنة وقد نشأوا في الاحتلال وهم يعيشون حياتهم كاملة وسط الحرب والعنف . انهم لن ينجوا منها الا اذا حدث شيء ينقذهم . هذه هي من اخطر الازمات التي يواجهها اي شعب .

الشيء الثاني  هو دعم جميع القوى التي تعمل من اجل ايجاد تسوية . متى ما ينتهي الاختلاف سياسيا او عرقيا ويضع الناس خلفهم خلافاتهم ويتجهوا الى امام فانه لن يكون هناك مشكلة .

الشيء الثالث الذي يمكن ان نركز عليه هو اعادة البناء . واعتقد اننا في الغرب يمكن ان نساهم في اعادة البناء .يمكننا ان نفعل ذلك .التضامن . مثل مجموعتنا التضامنية. بالنسبة لنا الفلوجة هي نموذج .مدينة الفلوجة البطلة التي كانت دائما تقاوم الاحتلال . انها نموذج للمقاومة. ونحن نجمع الاموال لسنوات لمساعدة الفلوجة , الى الان نحن مهتمين بمستشفى الاطفال التي لا توجد فيها اجهزة لأنها دمرت وسرقت , والتي يعالج بها الاطفال الذين لديهم مشاكل في القلب او السرطان , وهم لا يتلقون اي مساعدة من الحكومة في بغداد ولا منظمة الصحة العالمية ولا منظمات الاغاثة الاجنبية . لقد تم تجاهلهم واهمالهم . واهمالهم يعني انه لن يكون هناك تحقيق حول استخدام اليورانيوم المنضب والجرائم التي ارتكبوها . بإمكاننا ان نشجع حكوماتنا التي تعهدت ببعض المساعدة , ان تقدم المساعدة الطبية والتعليم الذي نعتبره مسالة اساسية .

هذه هي الاشياء العامة التي اعتقد اننا يجب ان نعمل عليها مستقبلا . وانني بالنيابة عن كل الذين جاءوا نود ان نشكركم لدعوتنا للمجيء لنستمع اليكم ونشارككم نتائج بحوثكم ..واشكركم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى