لجنة الثقافة و الاعلام

عيد الربيع واهميته في تاريخ العراق القديم

د  . محمد مظفر الادهمي

رئيس لجنة الثقافة والإعلام والفنون

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

 

    يحتفل العراقيون والعرب واغلب شعوب اواسط أسيا بعيد الربيع الذي يصادف يوم 21 اذار وهو يوم التحول الربيعي , اي الانتقال من الشتاء الى الربيع .وفي التاريخ القديم  كان العراقيون يعتبرون اليوم الأول من شهر(نيسان) يوم ظهور علامة الربيع. و جاء في معتقداتهم انه في هذا اليوم يتحرر(تموز – اله الخصب الذكوري) من قبره في ظلمات الارض، ليظهر الى السطح ويخصب(عشتار) الهة الارض والأنوثة، فتنبثق الحياة ويظهر الربيع .  وقد اسماه السومريون (زكموك) واطلق عليه البابليون والآشوريون (أكيتو) أي عيد رأس السنة.

وقد بقي العراقيون يحتفلون بعيد الربيع في سومر وبابل و نينوى لقرون طويلة حتى سقوط بابل على يد الفرس (٥۳٩ ق. م) فاقتبس الفرس هذا العيد مع ما اقتبسوه من ميراث الحضارة العراقية العريقة من كتابة ولغة وعلوم وفنون, وأطلقوا عليه في لغتهم اسم(نوروز ) اي (اليوم الجديد) وهي ترجمة شبه حرفية للتسمية العراقية (يومو نيشان) أي(يوم التفتح والتجدد)، وقد بدأ الفرس يحتفلون به حسب السنة البابلية التي كانت تبدأ في اول نيسان.

   ويعتبر هذا اليوم بداية السنة حسب التقويم العراقي القديم , ومعه تبدأ  الطقوس الدينية الاحتفالية في بابل حين يقوم الكاهن الأعظم بالصلاة للآلهة مردوخ ويقوم الكهنة الآخرين بالطقوس الدينية الأخرى لأيام متتالية. . ويستمر العيد لعشرة ايام تتم خلالها تلاوة أسطورة الخليقة وتقدم الصلوات والقرابين. كما كان الملك يقدم تقريرا عن إنجازاته في السنة المنصرمة، ويطلب من الإله مردوخ المغفرة لذنوبه وآثامه. وفي مساء اليوم الخامس يذبح ثور أبيض رمز الفحولة وليسقي دمه الارض. وفي اليوم السادس تنظم مسيرة ضخمة في شارع الموكب حيث يتم إحراق دمى ملونة بعد الانتهاء من المراسيم الرسمية. وفي اليوم العاشر يتم الاعتراف بشرعية حكم الملك من قبل الإله مردوخ. وكانت المواكب التي تحمل تماثيل الآلهة تعود إلى بابل عبر الطرق البرية ولهذا أمر الملك نبوخذنصر ببناء شارع الموكب الذي كان يمتد من دار العيد إلى باب عشتار.

  وفي شمال العراق يحتقل الكرد بعيد الربيع باسم (عيد نوروز), وهو الاسم ذاته الذي استخدمه الفرس. ولان الميديين في ايران هم احد جذور الشعب الكردي, فيبدوا انهم اقتبسوا الاسم منهم . ويحتفل الكرد بعيد نوروز باعتباره ذكرى انتصار(كاوه) الحداد على الملك الطاغية(الضحاك)، وهي حكاية قد تلتقي مع حكاية الاله تموز الذي يحرر البشرية من طغيان برد الشتاء وموته وقحطه. وما زال الاحتفال بهذا العيد يتم في مختلف انحاء العراق باسم “يوم المحية” أي احياء الربيع بعد جماد الشتاء. ويسمى ايضا(يوم الكسلة) كما في البصرة، او(دورة السنة) او(يوم الخضر) وهو الشخصية الاسطورية الاسلامية التي يرتبط اسمها بالخلود والخصبة والخضرة.

   لقد تبنت الديانة المسيحية (عيد الربيع) بمضمونه العراقي القديم نفسه. فبدلا من عودة تموز من العالم السفلي وانبثاقه الى الحياة جالبا الخصب والربيع للأرض والبشر، فأن المسيح يظهر بعد صلبه في يوم الفصح، ، ليجلب الى نفوس البشر “خصب” الايمان و”ربيع” البشارة بالخلود  والنعيم. اما عادة تلوين البيض في هذا اليوم فهي ايضا عادة عراقية بابلية آشورية قديمة قد تبنتها المسيحية في العالم اجمع. فالبيضة ترمز للحياة والميلاد، والالوان ترمز للخصب والربيع.

ان يوم الانقلاب الربيعي هو يوم مقدس عند الصابئة ايضا. وقد ورثوه عن اسلافهم منذ ايام بابل ونينوى، ويعتبرون يوم 21 آذار هو يوم تساوي الليل مع النهار وإتصال ذلك بالتوازن بين عالم الأنوار والظلمات الذي تنبني على أساسه عقيدتهم.

   ويحتفل اليزيديون بهذا العيد في شهر نيسان المقدس لديهم،. لهذا فأن السنة تبدأ عند اليزيدية منذ أول يوم أربعاء من أول أسبوع من شهر نيسان حيث يكون اليوم المذكور بداية للسنة اليزيدية، وعيداً يسمى عيد راس السنة .

  لقد تبنت الدولة العراقية منذ قيامها عام 1921 هذا العرف الاجتماعي العراقي الحضاري العريق , فاطلقت عليه اسم (عيد الشجرة ) وجعلته عطلة رسمية حيث يقوم المسؤولون والطلبة وابناء الشعب بزراعة الاشجار في جميع انحاء العراق . ثم اطلق عليه في سبعينات القرن الماضي اسم (عيد الربيع ) بعد توقيع بيان 11 اذار للحكم الذاتي للكرد. كما اطلق على الموصل اسم (ام الربيعين ) واخذت محافظة نينوى تحتفل بأعياد الربيع . وبعد احتلال العراق عام 2003 لم يعد لهذه الاعياد وجود رسمي عدا احتفالات نوروز التي تقام في كردستان العراق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى