لجنة الثقافة و الاعلام

تدريب وتعليم الصحافة

تدريب وتعليم الصحافة

الأستاذ الدكتور عبد الرزاق الدليمي ، رئيس لجنة الثقافة والإعلام والفنون

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

 

هناك قناعات لا زالت راسخة عند بعض المهتمّين مفادها أنّ الصحافة تفتقر إلى التدريب والتعليم، حيث يعتبر هؤلاء أنّ التعامل مع الأخبار يتمّ على أساس المصالح والمنافع. ومثال ذلك أنّ الطلاب الذين نشأوا في مدارس لا تعاني من التفرقة العنصرية سيتكون عندهم أفكار مختلفة عن الذين درسوا في مدارس عانت من هذه التفرقة. لذا ففهم الصحافي للأخبار يتأثر بشكل واضح بما تعلّمه عن الصواب والخطأ والحقيقة والكذب.

ففي الحديث عن أخلاقيات الأخبار في الولايات المتحدة ، تقدّم أحد الخبراء في أخلاقيات وسائل الإعلام بنظرية سمّاها “صندوق أدوات أخلاقيات الأخبار”، حيث قدّم الكذبة على أنها إحدى الأدوات التي يمكن أن تكون من أنجح الأدوات في بعض الحالات. بطبيعة الحال، طلاّب صاحب هذه النظرية سيفهمون هذا المبدأ بشكل يختلف تماماً عن غيرهم من الطلاّب الذين تعلّموا أن يبحثوا عن مصداقية الخبر وعدم تعمّد الكذب. المشكلة أنّ هذه القضية لا تلقى اهتماما في أغلب الجامعات، لكن “ستارك” يعتقد أنّ الأبحاث تؤيد أنّ الطلاّب يفكّرون بشكل أعمق في ما يتعلق بالأخلاقيات وأنّ التعليمات لا تغيّر أخلاقياتهم.

وهنا لابد من طرح السؤال المعقّد : ما هي الأخلاقيات الصحفية العالمية التي يمكن تعميمها على العالم لتحديد ما يمكن أن يكون خبراً وما لا يمكن أن يكون خبراً؟. فعلى سبيل المثال هل مبدأ إخبار الحقيقة مهمّ في جميع الثقافات؟ ونعتقد أنّ المختصين في الصحافة والأخلاق عانوا من هذا المبدأ، بينما “توماس كوبر” (وهو أحد المختصين بموضوع الأخلاقيات الإعلامية) استنتج ثلاثة عناصر أخلاقية محتملة لأن تكون مرشّحة للعالمية وهي: شاطئ الحقيقة، الرغبة في المسؤولية، والدعوة إلى حرية التعبير. أما “كليفورد كريستيانز” فقد طوّر من جهته نظريته الخاصة التي تقول إنّ الصحافي يجب أن يحفزه حبّه للإنسانية بشغف خلال بحثه عن الأخبار، لأنّ عواطفنا هي التي تحرّكنا وما نحب. الظاهر أنه لا يوجد تعريف أو ترجمة مناسبة لهذا المبدأ، لكن “شايمن” عرّفه ببساطة أنه مبدأ يقوم على الاهتمام بالآخرين والعمل على تحقيق رغبات الآخرين. لكن “كريستيانز” حذّر من استعمال هذا التعريف في الصحافة لما قد ينتج عنه من أضرار، لأنّ المؤسسات قد يصل بها الحال لتقييد الصحافة.

أما “جون ميلر” الخبير في أخلاقيات الصحافة فقد قال إنّ الأخبار لا بد أن تكون صحيحة وموضوعية وكاملة وعادلة. وهذا التعريف معقّد لأنّ ما يتطلّبه معقّد في أصله، لذا يقول “فولر” بأنّ الحقيقة هي أول وأهمّ مبدأ لا يمكن فهمه. وهذا التعقيد في فهم معنى الأخبار لا يعاني منه الصحافيون فقط، فالباحثون والكتّاب وغيرهم يعانون منه أيضاً. لذلك فإنّ الصحافيين الدوليين ومسؤولي الأخبار الأجنبية لا بد وأن يسألوا أنفسهم على المدى البعيد:  كيف يحقق الخبر نجاحاً على صعيد ومستوى الأخبار؟ هل ستهتمّ وسيلة الإعلام التي أعمل لديها بالخبر الذي أقدّمه؟ هل ستعمل وسيلة إعلام أخرى على نشر الخبر؟ هل سأستطيع أن أخرج الخبر للعالم من مناطق النزاع في الوقت المحدّد؟ وحتى لو استطعنا الإجابة عن هذه الأسئلة، ولو بشكل إيجابي، فإننا لم نتطرّق بعد إلى مسائل حرّية الصحافة وأخلاقيات وسائل الإعلام والمسائل المثيرة للجدل التي يمكن التطرّق إليها في موضوعات لاحقة. هذه هي حقيقة الطبيعة المبهرة الصعبة للأخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى