لجنة التربية و التعليم العالي و البحث العلمي

ملاحظاتٌ على “تعريب” الُمصطلحات العلميّة

ملاحظاتٌ على “تعريب” الُمصطلحات العلميّة

الأستاذ الدكتور يعرب قحطان الدُّوري

الجامعة الأمريكية في العراق، السليمانية

رئيس لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

( البحث منشور ضمن العدد الثالث لعام 2022 لمجلة البيان العربي الصادرة عن مجمع اللغة العربية الاردني )

أساليب وضع المصطلح العلمي

نتيجة تعذر وجود لفظ باللغة العربية لما يقابلها باللغة الأجنبية، نهج المترجمون والنابغون إلى أساليب لصياغة دقيقة للمصطلح العلمي عربياً(2)، وذلك من خلال:

  • الترجمة وتتمثل في الترجمة المباشرة بعملية نقل مصطلح من لغة أجنبية إلى اللغة العربية بشكل حرفي اًو مطابق بشكل مباشر وكذلك الترجمة الدلالية وهي من أهم الوسائل لإثراء اللغة العربية. أما الترجمة العلمية فهي ليست مجرد استبدال لألفاظ بين لغتين المترجم عنها والمترجم إليها، وليس وضع مصطلحات من لغة ما بما يقابلها من لغة أخرى، بل لوجود مفاهيم لغوية وأسلوبية لا بد من الإلمام بها لغوياً.
  • الاشتقاق والذي يعد من أهم الوسائل لتوليد الألفاظ والصيغ العلمية الدقيقة وخصوصاً مصطلح تكنولوجيا النانو، ويعتبر عامل زيادة في الثروة اللغوية لاستنباط لفظ من آخر.
  • المجاز ويعتبر وسيلة تنمية لغوية، وتستعمل الألفاظ على الحقيقة والمجاز. فقد أسهم المجاز حديثاً في وضع العديد من المصطلحات العلمية الحديثة مثل تكنولوجيا النانو.
  • النحت وهو الولوج إلى المصطلح بما يتفق مع البحث عن المصطلح العلمي، ويعد وسيلة في نمو الألفاظ اللغوية.
  • التعريب وهو العملية الحديثة لاستعارة ألفاظ من لغات أجنبية بداعي الحاجة إليها.

الحاجة إلى المصطلحات العلمية

تواجه الأمة العربية تحديات معقدة وكبيرة، ولمواجهة هذه التحديات يلزمنا تربية وتعليم جامعي هدفه تكوين إنسان ملتزم علمياً ومثقف بلغته العربية الأم ليكون قادراً على إستخدام إمكاناته العقلية ومهاراته العلمية للتواصل المستمر مع الآخرين مع إمكانية قيام الجامعات العربية بهذا الدور. حيث لم تعد الجامعة اليوم مجرد محطة تعليمية بل أصبحت مؤسسة لها أبعادها الثقافية والإقتصادية والإجتماعية بما تقدمه من أفكار وتنبؤات وإختراعات لإتاحة الفرصة لمنتسبيها وروادها بالتطور العلمي المستمر لتوليد القدرات الابداعية النيرة بما ينعكس إيجاباً على المجتمع البشري بالتقدم والتطور. لقد أصبحنا بأمس الحاجة إلى نهضة التعليم الجامعي لقيادة المجتمعات العربية لبناء المستقبل بالأيمان والعلم والبحث العلمي(3).

وهنا تبرز مشكلة المصطلحات العلمية وبالتحديد مصطلح تكنولوجيا النانو، لذا لابد من البحث في جوهر المعضلة، حيث أن مصطلح تكنولوجيا النانو هو المدخل الأهم لاستيعاب العلوم النانونية وهندستها وفهمها وتطويرها وتطبيقاتها النافعة ذات التماس المباشر في حياتنا اليومية، ويمكن تمييز الباحثين من خلال استيعابهم مصطلح تكنولوجيا النانو لتوظيفه في محله. وتلعب اللغة العربية دوراً أساسياً في توثيق روابط الصلة بين أبناء الأمة العربية والناطقين باللغة العربية في نقل العلم والمعرفة التكنولوجية بما ينعكس سلباً أو إيجاباً على ثقافة المجتمع وحضارته(4). ويتجلى أهمية مصطلح تكنولوجيا النانو بما يلي:

  1. أنها وسيلة التواصل بين الباحثين وذوو الاختصاص.
  2. يعد مصطلح تكنولوجيا النانو أساساً للمعرفة والوجدان للمختصين والمثقفين على حدٍ سواء مما يدل على الخزان العلمي اللغوي للغة بعينها.
  3. استخدام مصطلح تكنولوجيا النانو يعبّر عن خلفية لغوية للعلم والمعرفة ويشكل استخدامه تراكماً معرفياً وثقافياً يعمم النفسية الثقافية للإنسان العربي.
  4. يساعد مصطلح تكنولوجيا النانو على توطيد الفطرة الثقافية للإنسان من خلال تثبيتها وبلوراتها وتقديمها لعامة الناس بلغة سليمة ونافعة ومفيدة.
  5. يعتبر مصطلح تكنولوجيا النانو إضافة معرفية للبحث العلمي.
  6. يساعد مصطلح تكنولوجيا النانو على ضبط الأبحاث العلمية بما يعمّق العلم المعرفة.

مشكلات المصطلح العلمي العربي

تعتبر لغتنا العربية بوضع ميّز مقارنة باللغات الأخرى، لكنها تعاني حالياً من بعض المشكلات المصطلحية العلمية(5) ومنها:

اولاً: المبني أساساً على الثنائيات المتمثلة بالتالي:

  1. تعدد أشكال اللغة العربية الفصحى وكل شكل له مصطلحاته وثوابته.
  2. تعدد اللهجات المحلية العربية مما يصعّب ثنائية اللهجة والفصحى على الإستقرار بإتجاه لغوي محدد.
  3. تواجد الناطقين باللغة العربية تجعلهم يعيشون ثنائية لغتهم الأم واللغة العربية الفصحى مما يعيق الإجماع حول استخدام مصطلح تكنولوجيا النانو.
  4. تأثير اللغات الأجنبية في الباحثين العرب، حيث تعتبر ثنائية لغوية بانعكاساتها السلبية على مصطلح تكنولوجيا النانو.

ثانياً: عدم توفر قواعد علمية ثابتة لوضع المصطلح العلمي عموماً وتكنولوجيا النانو خصوصاً في اللغة العربية بسبب توفر حالات غير قواعدية وعفوية تسود وضع مصطلح تكنولوجيا النانو مثل النانوإلكترونيك، والنانوفيزياء، والنانوكيمياء وغيرها، إضافة إلى تواجد حالات فردية بطابعها الارتجالي غير المبني على أسس علمية سليمة، أي تعاني اللغة العربية فوضى النقل إليها، وإتساع مجالات الترجمة وبنيانها. فترجمة الكلمات تتغير من بلد عربي الى اخر نتيجة عدم توحيد المصطلحات العربية بين مختلف الدول العربية، ومشكلة المصطلحات اللغوية العلمية في جانب منها جزء من سياسة الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية التي غاب عنها التنسيق، وأن المشكلة الحقيقية في قضيتي التعريب والمصطلح هي مشكلة التنسيق والتنظيم، ذلك أن اللغة العربية لها استعمالات مختلفة وتوظف في كل دولة توظيفاً يخضع لسياستها وقوانينها باستعمال اللهجات المحلية في المجال الإعلامي والفني والأدبي، وربما في لغة التدريس تختلف وسائل استعمال اللغة العربية ومصطلحاتها المعرّبة من بلد عربي الى آخر لذا غابت الرقابة اللغوية على الترجمة واختفت التشريعات القانونية لمكافحة الإساءة للغتنا العربية، فاصبحت الكلمة الاجنبية تترجم بكلمات متعددة إلى اللغة العربية مؤدياً إلى عدم وجود إجماع وتوحيد حول استخدام المصطلح العلمي عموماً وتكنولوجيا النانو خصوصاً.

ثالثاً: وجود ترجمات متعددة للمصطلح العلمي الواحد عموماً وبالأخص مصطلح تكنولوجيا النانو أي عدم وجود تنسيق محدد لمعالجة هذه المشكلة. وسببه ترجمة المصطلح نتيجة جهد فردي أو قطري أو إقليمي دون التنسيق والتعاون على نطاق الأمة العربية لتكاتف الجهود العربية.

رابعاً: وجود مصطلحات متعددة تطلق على الصفة الواحدة، وربما لها ايجابية متمثلة بإغناء اللغة العربية بالمترادفات المصطلحية لكن قد يؤدي إلى تعميم الفوضى اللغوية لانه لم يصدر عن إتفاق أو تنسيق بين المختصين.

خامساً: قد يواجه المصطلح العلمي عموماً وتكنولوجيا النانو خصوصاً معضلة قيام البعض من غير المختصين بصياغة المصطلح واستخدامه، ولتجنب ذلك لا بد من تكليف المتخصصين حصراً بمهمة تعريب المصطلح العلمي وعلى وجه الخصوص تكنولوجيا النانو.

مصادر المصطلح العلمي العربي

توجد ضوابط هامة يستخدمها المختصون في صياغة ووضع وتثبيت المصطلحات العلمية عموماً وتكنولوجيا النانو خصوصاً(6) وكما يلي:

اولاً: استخدام المعاجم والقواميس العربية باعتبارها منبعاً غنياً لتوليد المصطلحات ووضعها وتثبيتها لتكون بشكل مصطلح عربي صحيح ومثبت رسمياً من خلال نقل بعض المفردات والمصطلحات القديمة الى معاني حديثة والتأكد والتحقق منها بمختلف الطرق العلمية والسليمة بالاستعانة بمؤلفات اللغة العربية وكتّابها الأصلاء والمعروفون بالدقة والاتقان في نقل المعلومة وضبطها حسب موضوعاتها وكيفية تمدرسها بالعديد من المعاني والألفاظ والكلمات.

ثانياً: الاستعانة بمصادر الدراسات الحديثة والأبحاث المعاصرة، والتشاور والتواصل مع الباحثين المختصين عبر مجامع اللغة العربية في مختلف الدول العربية أو المؤسسات الاكاديمية.

ثالثاً: الاهتمام باللغات الأجنبية عبر الترجمة وتعريب المصطلح العلمي عموماً وتكنولوجيا النانو خصوصاً.

رابعاً: مهمة التدريس الجامعي لها الأثر الكبير في ترجمة المصطلحات الأجنبية وكتابة وتأليف البحوث العلمية باللغة العربية لتكون مصادر قيّمة للمؤسسات والجامعات والمعاهد الأكاديمية والبحثية وكذلك الباحثين والمؤلفين والأساتذة الجامعيين على حدٍ سواء لإغناء المصطلحات العلمية عبر صياغتها وممارستها وتداولها بشكل سليم وبسيط.

خامساً: ضرورة توحيد جهود مجامع اللغة العربية المنتشرة في غالبية البلدان العربية وتيسير توزيع منشوراتها بسلاسة ويُسر، والتواصل المباشر مع صنّاع القرار في بلدان المجامع لإصدار التشريعات والقوانين الرسمية وتعميمها على الشعب العربي ومعاقبة مخالفيها، بغية الحفاظ على زهو لغتنا العربية وتثقيف الإنسان العربي المصطلح العلمي عموماً وتكنولوجيا النانو خصوصاً.

كيفية وضع / اختيار المصطلح العلمي العربي

يتفق المترجمون والمختصون على أهمية المصطلح العلمي على إختلاف اختصاصاتهم للدلالة على شيء محدد، وللتمييز بين مفاهيم الأشياء، وإدراك مستويات الفكر، فالمصطلح هو لغة التفاهم بين المفكرين والمختصين والباحثين والأساتذة، وهو بمثابة النافذة للإطلالة على كافة العلوم والمعارف. وحيثما تعتبر الإنجازات العلمية والإختراعات والإكتشافات الوجه الأول للحضارة العلمية، فأن المصطلحات العلمية والتكنولوجية هي وجهها الثاني، فقد رافق المصطلح العلمي وتكنولوجيا النانو مختلف التطورات العلمية والحضارية(2). كما تم وضع بعض المبادئ لإختيارها وكما يلي:

  1. وجود إهتمام خاص وعميق لمدلول المصطلح العلمي والتكنولوجي ومدلوله الاصطلاحي.
  2. إثبات أصل المصطلح في اللغات الأجنبية قبل نقلها إلى اللغة العربية.
  3. المحاولة قدر المستطاع إرفاق كل معنى بمصطلح واحد في حقل واحد.
  4. تفضيل الكلمة بمشتقاتها على نظيرتها بدون مشتقات.
  5. التوافق في إختيار أقرب المفردات بالمعنى للمصطلح الأجنبي.
  6. تفضيل المصطلحات العريقة على المحدَّثة.
  7. الأخذ بعين الاعتبار المصطلحات المعربة والمترجمة التي أتفق على استعمالها المختصون.
  8. في حالة مصادفة ألفاظ مترادفة ينبغي تحديد حقل دلالتها العلمية وإنتقاء اللفظ العلمي المقابل.
  9. إخضاع الكلمة المعربة لقواعد اللغة العامة.
  10. توحيد المصطلح للمفهوم العلمي الواحد في التخصص الواحد.
  11. اجتناب تعدد المفاهيم للمصطلح العلمي الواحد في المجال الواحد ومن المفضل أن يكون اللفظ المختص على اللفظ المشترك.
  12. إحياء الهوية العربية وما فيها من مصطلحات علمية وعربية وصحيحة ودقيقة وصالحة للاستعمال العام والخاص.
  13. إعطاء الأفضلية والأولوية للكلمات العربية الفصيحة.
  14. التحوط من استعمال الكلمات العامية.
  15. التعبير بصيغ مبسطة وواضحة ودقيقة لتجنب الألفاظ غير الدقيقة والمنفرة والشاذة.
  16. توجد كلمات مرادفة فيفضل استعمال جذر اللفظ بالمفهوم الاصلي ودلالته العلمية الدقيقة.
  17. اتباع الأسلوب الدولي لإختيار المصطلحات وذلك عبر:
  • قيام المختصين وأعلام اللغة في صياغة ووضع المصطلحات.
  • تعريف المفاهيم وتحديدها وجدولتها حسب كل تخصص.
  • إحداث التقارب بين المصطلحات العربية الفصيحة والعلمية والتكنولوجية العالمية للتسهيل على المقبلين عليها.
  • تصنيف المصطلحات العلمية والتكنولوجية حسب فروعها معتمدين على التصنيف العشري الدولي.
  1. استنباط المصطلحات العلمية الحديثة ومنها تكنولوجيا النانو مستخدمين الوسائل اللغوية.
  2. تفضيل استعمال الكلمات ذات الاشتقاق.
  3. تفضيل استعمال الكلمة الدقيقة على المبهمة، ومراعاة الدقة والاتقان في المصطلح العربي من المدلول خصوصا مع استخدام مصطلح تكنولوجيا النانو وفروعه مثل المواد النانوية، وفيزياء النانو، وكيمياء النانو، والجسيمات النانوية، والإلكترونات النانوية، والمقياس النانوي، والتراكيب النانوية وغيرها، دون التقيد قدر الإمكان بالدلالة اللفظية الاجنبية.
  4. ضرورة التعريب وقت الضرورة للمصطلحات المشهورة عالمياً.

لقد أدت هذه الاختيارات الخاصة بالمصطلح العلمي العربي إلى نتائج إيجابية عادت على اللغة العربية بفوائد جمة، مثل إثراء اللغة العربية بالمصطلحات الجديدة والهامة إضافة إلى تجديدها والحفاظ عليها من دنس الغزو اللغوي الأجنبي وانحطاط العلوم في العصر الحديث(7).

مقترحات لمعالجة المشكلات المصطلحية

  1. ضرورة عقد ورش علمية وندوات ومؤتمرات للتعريب والترجمة بشكل متواصل ودوري ومستمر ورفدها بالبحوث والدراسات المختصة في مجال اللغة العربية ومصطلحاتها الجديدة بغية الوصول إلى حلول ناجحة.
  2. مشاركة المختصين من اللغوين والمعجميين والمترجمين تحديداً في صياغة ووضع وضبط المصطلحات العلمية عموماً وتكنولوجيا النانو خصوصاً.
  3. تدقيق المصطلحات العلمية وتكنولوجيا النانو وامكانية توحيدها بالاستعانة بالتكنولوجيات الحديثة والضرورية للإنجاز العلمي المراد تحقيقه.
  4. ضرورة توحيد الجهود العربية للمصطلحات العربية ومنها تكنولوجيا النانو من خلال مؤتمر عربي عام لكي تقنن وتثبّت وتُضبط المصطلحات العلمية العربية وتستكمل الدراسات والبحوث فيها بغية تنسيق التعريب وتوحيد الصف والكلمة.
  5. وأخيراً، لا بد من دور فعّال وأساسي لمجامع اللغة العربية في الوطن العربي لوضع السياسات الثابتة والأسس الحقيقية والقواعد السليمة من أجل نشر ثقافة المصطلح العلمي وتكنولوجيا النانو وتعميم ممارسته لبناء أجيال المستقبل بلغة عربية سليمة محصّنة من الغزو الثقافي.

 

المصادر

  • علم المصطلح أسسه النظرية وتطبيقاته العملية، علي القاسمي، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، لبنان، الطبعة 1، السنة 2008
  • روافد الترجمة العلمية في الوطن العربي، والي دادة عبدالحكيم، التعريب، العدد 54، السنة 2018
  • المشكل غير المشكل، قضية المصطلح العلمي، حمزة قبلان المزيني، علامات، النادي الأدبي الثقافي بجدة، الجزء 8، السنة 1993
  • واقعية المبادئ الأساس في وضع المصطلح وتوليده، دراسات مصطلحية، العدد 1، السنة 2001
  • التعريب والمصطلح، محيي الدين صابر، اللسان العربي، العدد 28، السنة 1987
  • المنهجية العامة لترجمة المصطلحات وتوحيدها وتنميطها، محمد رشاد الحمزاوي، الميدان العربي، بيروت، السنة 1986

* ) نُشرت هذه المقالة في مجلة “البيان العربي” الصادر عن مجمع اللغة العربية الأردني في العدد 3 السنة 2022 الصفحة 54-57.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى