لجنة التربية و التعليم العالي و البحث العلمي

تجربة التعليم الالكتروني في الجامعات العراقية

تجربة التعليم الالكتروني في الجامعات العراقية

الدكتور شلال حبيب الجبوري

عضو مؤسس في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
و نائب رئيس لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي

يمر العراق كما العالم بظروف صحية استثنائية تمثلت بانتشار جائحة فايروس كورونا مما تطلب اجراء تعديلات على سائر جوانب الحياة لموائمة هذه الظروف. وأحد تلك الجوانب هو قطاع التعليم العالي في العراق. يمتاز العراق عن بقية بلدان العالم بظروف استثنائية تضاف الى جائحة كورونا وهي حدوث مظاهرات شعبية كان الطلبة الجامعيون الجزء الاكبر منها بدأت منذ 1-10-2019 أي مقتبل العام الدراسي 2019-2020. حيث سببت هذه المظاهرات توقف تام للدوام والدراسة في الجامعات لغاية شهر شباط من عام 2020. تبع ذلك فترة لا تتجاوز شهر واحد من الدوام الجزئي للطلبة. وفي منتصف شهر اذار توقف الدوام في الجامعات بسبب انتشار الفايروس في العراق.

منذ انتشار الفايروس في العراق حاولت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ان تعالج فترة انقطاع الدوام للفصل الدراسي الاول وعدم وجود دوام للفصل الدراسي الثاني من خلال قرار تطبيق التعليم الالكتروني. وجاء هذا القرار في ظاهره حل للمشكلة الصحية التي يمر بها البلد. وفي باطن القرار حل سياسي ينقذ الحكومة من تأثير المظاهرات الشعبية الطلابية. منذ بداية تطبيق التعليم الالكتروني سعت الوزارة بكامل سلطتها على الجامعات ان تنهي العام الدراسي الحالي 2019-2020 (بنجاح) حسب ادعاء الوزارة ضاربة بعرض الحائط جميع مفاهيم الرصانة العلمية والاسس التي يقوم التعليم العالي عليها. المدرج ادناه بعض الملاحظات المتعلقة بتلك التجربة

  • ان التعليم الالكتروني مطبق في العديد من دول العالم وبنسب متفاوته بين الجامعات واصبح تطبيقه في الظرف الصحي الحالي حاجة ملحة. لكن الفرق في حالة العراق بأن التعليم الالكتروني لم يطبق مسبقا مما ادى الى معاناة مجمل الاساتذة الجامعيين للتكيف مع البيئة الالكترونية لاعطاء المحاضرات والتواصل مع الطلبة. وكذلك الحال بالنسبة للطلبة فهي تجربة جديدة لهم ايضا.
  • يتطلب التعليم الالكتروني بنى تحتية تتمثل بشكل اساسي بخدمة انترنت جيدة ومنصات الكترونية تعليمية وهو ما يفتقده العراق تحديدا. حيث تعتبر خدمة الانترنت هي الاسوء في العراق. وأدى ذلك الى جعل التعليم الالكتروني في العراق مقتصرا على اعطاء محاضرات فديوية يقوم بتحضيرها التدريسي ويشاهدها الطالب وبهذا الوضع انخفض مستوى التعلم واستيعاب المادة العلمية لدى الطالب لعدم وجود التفاعلية مع التدريسي والتي كانت متوفرة من خلال تواجد الطالب مع التدريسي في القاعة الدراسية.
  • ان من اهم ادوات تقييم مستوى فهم الطالب للمادة الدراسية هو اجراء الامتحانات بانواعها اليومية والفصلية والنهائية. حيث يتم منح الشهادة للطالب بناء على حصوله على الحد الادنى لدرجة النجاح في تلك الامتحانات. ان الشروط المعتمدة لاجراء اي امتحان هي ان يتم التاكد من هوية الطالب الممتحن وان لا يقوم شخص اخر بمساعدة الطالب في اداء الامتحان كونه هو من سيمنح الشهادة. لكي يتم اجراء الامتحان بشكل الكتروني يجب ان تتوفر تلك الشروط وبخلافه فلا يوجد جدوى للامتحان.
  • قامت الوزارة بتوجيه الجامعات باجراء الامتحانات النهائية بشكل الكتروني من دون الاشارة بشكل واضح الى الشروط المذكورة في 3. حيث توالت الكتب والقرارات الوزارية بتوجيه الطلبة بلبس الزي الموحد اثناء اداء الامتحان تارة وفتح كامرة اثناء الامتحان تارة اخرى (والوزارة على يقين بأن خدمة الانترنت ليست بمستوى يوفر تشغيل كامرة لكل الطلبة اثناء الامتحان).
  • عاد السيد الوزير ليناقض قرار التحقق من هوية الممتحن بأن لا يطالب الممتحن بفتح الكامرة طوال فترة الامتحان بل فقط في بدايته. وبهذا القرار انتفى الشرط الرئيسي لاجراء الامتحان وهو التحقق من هوية الطالب. في الصورة ادناه تبليغ الوزير من خلال قناته الرسمية على منصة تيليكرام.

  • يجدر بالذكر هنا بان حتى بوجود كامرة تظهر الطالب لا يمكن التحقق من هوية الممتحن. حيث تتم تأدية الامتحان من خلال حساب الكتروني غير رسمي GMAIL أي ان الطالب بامكانه اني يعطي معلومات حسابه لأي شخص اخر يؤدي الامتحان عنه. ويقوم الطالب بفتح الكامرة متظاهرا بانه هو الممتحن. أي ان الالية فاشلة اصلا في التحقق من هوية الممتحن.
  • بسبب اعتماد الالية اعلاه بدأت ظاهرة في الاوساط الجامعية حيث بدأت تأتي عروض من طلبة للاساتذة من جامعات مختلفة تطلب منهم اداء الامتحان عن الطلبة او حل الاسئلة الامتحانية مقابل اموال تتراوح من 300 الى 500 دولار امريكي. ويقوم الطلبة الممتحنين بجمع المبلغ فيما بينهم ومن ثم يقومون بتقديم الحلول المنجزة من التدريسي المدفوع له. وهذه سابقة ومهزلة لم يشهدها التعاليم في العراق من قبل.
  • يشير الوزير في الصورة اعلاه الى ان طريقة الامتحان هي open book وهنا يقوم الوزير بمغالطة واضحة. حيث ان الامتحان open book وكما هو معروف لدى الاساتذة الجامعيين بانه يسمح للطالب بالاطلاع على المصادر والمحاضرات ولا يسمح بالتواصل بين الطلبة او الاستعانة بشخص اخر يقوم بحل الاسئلة الامتحانية.
  • في قرار اخر للوزارة تم توجيه الاساتذة بان يكون الحد الادنى لدرجة السعي للطالب هي نصف الدرجة. أي ان يعطى الطالب درجة النجاح في السعي وبغض النظر عن انضمامه للصفوف الالكترونية او اداء للواجبات اليومية. بل وحتى اذا كان الطالب منقطعا عن الدوام. المرفق صورة من الفقرة في كتاب الوزارة.

  • لم تكتفي الوزارة بمنح نصف درجة السعي للطلبة. بل وجهت بتحويل 30% من درجة الامتحان النهائي يحصل عليها الطالب من خلال تقديم تقرير ضمن المادة الدراسية. ونتيجة لذلك القرار بدأت تظهر مكاتب وصفحات على التواصل الاجتماعي تقوم بكتابة التقارير وبيعها للطلبة بسعر 10 دولار امريكي (ويتم ذلك من خلال تداول بطاقات تعبئة الهواتف النقالة فئة 10000 دينار عراقي). ادناه صور لبعض تلك المواقع.

  • كما استمرت الوزارة بالضغط على الجامعات والتدريسين بقبول التقارير المذكورة اعلاه على الرغم من انخفاض مستوى كتابتها ومحتواها العلمي, بل اصبحت الوزارة تهدد من يبحث عن الرصانة في تلك التقارير كما مبين في تصريح الوزير في الصورة ادناه.

  • استمرت الوزارة بارسال كتب الى الجامعات تؤكد فيها تثبيت حالات الغش او محاولة الغش اثناء الامتحانات متناسين بان الامتحان الالكتروني بالصيغة التي تعتمدها الوزارة يكون فيها الغش بنسبة 100%.
  • أدت مجمل هذه القرارات والتخبطات في اداء وزارة التعليم العالي الى افراغ التعليم من محتواه, بل تعدى ذلك الى انهيار الشخصية العلمية للجامعة والتدريسي أمام الطلبة, حيث اصبح الطلبة يتندرون على وسائل التواصل الاجتماعي في كيفية نجاحهم وبدرجات عالية جدا وهم لم يدرسوا او يؤدوا الامتحان اصلاز

 

طلما ركزت وزارة التعليم العالي على مصطلح عدم خسارة السنة للطلبة لهذا العام. واذا اردنا ان نقيم الامور بميزان الربح والخسارة فان هذا العام الدراسي لم يمتلك اقل متطلبات النجاح من حيث المستوى العلمي ومقدار التعلم لدى الطلبة بسبب الاحداث المذكورة انفا. فكان من الاجدى ان يتم أعتبار هذه السنة اثرائية اي ان لا يتم تقييم الطلبة ومنح الدرجات بالشكل المخجل الحالي. وان يتم تقييم الطلبة في العام المقبل من خلال تجربة اكثر نضجا تشتمل على ضمان رصانة الامتحانات.

ان اكمال العام الدراسي بالشكل الحالي لن يكلف خسارة عام دراسي واحد فقط, بل سيكون تاثيره تراكمي للاعوام المقبلة كون الطلبة لم يحققوا الحد الادنى لاستيعاب المادة الدراسية وتحديدا في التخصصات العلمية حيث تكون المواد الدراسية مترابطة عبر المراحل الدراسية.

 

المرفقات:

صور لبعض القرارات الوزارية ذات الصلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى