لجنة الادارة والاحصاء و التخطيط الاستراتيجي

حـــــرب الحبــــوب – Grain War

حـــــرب الحبــــوب

Grain War

الدكتور حميد شكر الجبوري

عضو الأمانة العامة في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

رئيس لجنة الإدارة والمحاسبة الإحصاء والتخطيط الاستراتيجي

هل يمكن للحرب الروسية الأوكرانية ان تجر العالم الى حرب عالمية ثالثة ؟

صحيح ان بداياتها تتعلق بموضوع الامن القومي الروسي، ورغبة أوكرانيا الانضمام الى الاتحاد الأوربي والى حلف الناتو، أي التخلي نهائيا” عن الحليف السوفيتي السابق والانضمام الى المعسكر الغربي. صحيح ان هذه الحرب بدأت عسكرية صرفة، ثم تم أسنادها بحرب أقتصادية معلنة من خلال العقوبات المتبادلة بين الغرب وروسيا، الا ان مجريات الحرب تبدوا وكانها متجهة لأن تكون حرب حبوب مع أقتراب موسم الحصاد لعام 2021 / 2022، ورغم اننا سنركز في هذه المقالة على القمح (كنموذج)، لكن في تقديري اذا ما استمرت شهرين آخرين وأتضحت صورة كميات أنتاج القمح، والكمية المعدة للتصدير، وعجز السوق العالمي المتوقع، فأنها سرعان ما ستنضم الى قائمة القمح محاصيل زراعية مهمة آخرى مثل (الشعير، الذرة، فول الصويا)،   خاصة بعد أن انضمت الهند الى هذه الحرب عندما أعلنت الحظر الفوري على صادرات القمح الى الخارج أعتبارا” من 13/05/2022.

أن الدول العشرة الكبرى المنتجة للقمح في العالم، كما في الجدول أدناه:

الصين هي أكبر دولة منتجة للقمح في العالم، وذلك بإنتاج سنوي يبلغ حوالي (135) مليون طن.  كما أن الصين هي أيضا أكبر دولة مستهلكة للقمح في العالم، ومعظم ما تنتجه يستهلك محليًا، بل وتعتبر من أكبر المستوردين في العالم، وأكثر من (70%)  من واردتها تأتي من كندا وفرنسا وكازاخستان. وتحتل الهند المرتبة الثانية بإنتاج سنوي يبلغ (103) مليون طن، تليها روسيا ثالثًا بـ  (77)  مليون طن، ومن ثم الولايات المتحدة رابعًا بـ (50) مليون طن.

وفي افريقيًا، تحتل مصر المرتبة الأولى بإنتاج يبلغ (9) مليون طن. اما بالنسبة للدول العربية، فيحتل العراق المرتبة الثانية بإنتاج يبلغ (4.3) مليون طن (*)، تليه المغرب بـ (4) مليون طن، وسوريا بـ (3.1) مليون طن.

وبدأت دول العالم المختلفة، خاصة غير المنتجة للقمح، أو التي يعجز أنتاجها المحلي عن تغطية حاجتها، الى البحث وبكل الوسائل (بما فيها سرقة الشحنات المتجهة الى دول آخرى)، عن طرق لتأمين حاجتها ولو بالحد الأدنى المطلوب لتأمين الخزين الاستراتيجي لضمان أمنها الغذائي.

ويظهر الجدول التالي، أكبر سبعة مستوردين للقمح في العالم:

هل سيعيدنا سيناريو هذه الحرب الى الاقوال المأثورة، مثل: “لا خير في امة تاكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع”.

وقدر تعلق الامر بالوطن العربي، فأنه حسب التقريرالصادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية حول أوضاع الأمــن الغــذائي العــربي لسنة 2019، فأن استهلاك الوطن العربي من الحبوب لسنة 2019، يقدر بكمية (115,576,000) طن، في حين يقدر الإنتاج للسنة المذكورة بكمية (46,075,000) طن،  وبذلك تكون الكمية المطلوب أستيرادها (69,501,000) طن، وبنسبة (60%)، عليه فأن كارثة ستلحق بهذه المنطقة من العالم فيما يتعلق بالحبوب، خاصة اذا توسعت رقعة الحرب، او إجراءات الدول المنتجة في حظر تصدير فائض الإنتاج، حيث يظهر التقرير المذكور وبوضوح اننا أمة تأكل مما لا تزرع.

ولا شك أن الارتفاع القياسي لأسعار القمح بما يوازي السعر القياسي الذي كان سائدا” عام 2008، حيث بلغ سعر الطن (453) دولار أمريكي، وهو في ارتفاع مستمر بفعل ظهور متغيرات سلبية عديدة على السوق العالمي للقمح،  يسلط الضوء على أكبر منتجي القمح العالميين، ويتم البحث في الأسواق عن البلدان الأكثر جاهزية لتعويض تعطل الإمدادات الروسية والأوكرانية، أو لديها فائض كافٍ يمكن تصديره للأسواق.

ويظهر الجدول التالي الذي قدمته منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة الى الاجتماع الاستثنائي لمجموعة السبع لوزراء الزراعة – روما 11 مارس 2022، تقديرات تصدير القمح لموسم 2021/2022، لسبعة من أكبر الدول المصدرة:

ويلاحظ من الجدول أن هناك كميات متارجحة في صادرات القمح لكل من روسيا واوكرانيا، أي انها صادرات غير مؤكدة. ومن خلال مقارنة الجدول السابق مع جدول أكبر (10) دول مصدرة للقمح للموسم السابق 2020/2021، يلاحظ ان هناك نقص كبير في الكميات المتوقع تصديرها من الدول المنتجة لموسم عام 2021/2022، مقارنة مع موسم السنة السابقة:

 

يبدوا أننا اصبحنا ملزمين بأدراج الامن الغذائي لأي بلد ضمن أمنه القومي، الذي كان يقتصر تقليديا” على عنصري حماية الامن الداخلي والحدود الخارجية من أي أعتداء او تدخل خارجي فيهما. حيث أننا على وشك أن نطور ونوسع هذا المفهوم (أن لم نكن قد بدأنا بالفعل في ذلك)، بحيث ندرج ضمن هذا المفهوم عناصر جديدة، مثل: الموارد البشرية والتوطين، المياه، الإنتاج الزراعي، الإنتاج الصناعي، الطاقة، الصحة، الاعلام … وغير ذلك. وعلى سبيل المثال كنا نعتقد عندما يتحدث الامريكان عن الامن القومي، بأنه يرتبط بحدود الولايات المتحدة الامريكية، ولكن عندما حصل العدوان الثلاثيني الغاشم على العراق مطلع عام 1991، تبين لنا أن الموضوع مرتبط بمصالح الولايات المتحدة الامريكية أينما وجدت على الكرة الأرضية والفضاء، ورغم أن هذا هو منطق القوة، الا أنه مع ذلك فأن هذا  يبين الفرق بين التقدم الفكري في قياس الامور وبين التخلف، وعليه فأن مثل هذه الدول تتطور بأستمرار بينما الدول التي يكون تفكيرها تقليدي ومحدود تبقى متخلفة وقد تتراجع خطوات الى الوراء.

لنعود الى موضوع حرب الحبوب، وعلاقته بتفجير الحرب العالمية الثالثة، فرغم أنك قد تجد ان الهدف من الحروب التقليدية السابقة، كان التوسع وأخضاع المناطق او الدول المجاورة لسيطرة الدولة القوية، الا انه اذا تلمست النتائج من ذلك ستجد سواء بشكل مباشر او غير مباشرة فان الأهداف الاقتصادية باطارها الواسع وراء ذلك. على عكس الحروب في الالفية الثالثة، فأن أهدافها الاقتصادية معلنة مسبقا”، وخير دليل على ذلك التراشق الحاصل بين الولايات المتحدة واوربا من جانب والصين من الجانب الآخر. وبالتالي فأن أستمرار الحرب الروسية الأوكرانية على هذا المنوال وأطباق الروس الحصار البحري على موانيء التصدير الأوكرانية، والذي قد يمتد بطريقة ما الى التصدير عبر الطرق البرية والسكك، ومع تناقص مخزونات الحبوب لدى الدول بفعل أنتظارها الموسم الزراعي الحالي لتعويض خزينها، ومع توسع دول الفائض الزراعي او الدول المصدرة من أتخاذ قرارات حظر التصدير للحبوب، او أستحواذ الدول الكبرى او المؤثرة على فائض تلك الدول، مما يجعل الامر وكانك تغلق البخار في المرجل، الامر الذي سيؤدي حتما الى أنفجاره وسيصيب من يصيب بطريقة عشوائية. ويظهر الجدول التالي، بأن (26) دولة من دول العالم تعتمد على تعويض ما لايقل عن (50%) من أستهلاكها من القمح من خلال الاستيراد من روسيا وأوكرانيا:

وواضح من الجدول في أعلاه، أن حظر التصدير المعلن من قبل الهند الى جانب نقص كميات الحبوب المصدرة من روسيا واوكرانيا، سيؤدي الى عجز كبير في المعروض وهو ما  لن تتمكن الدول الفقيرة من تأمينه لاسواقها، وبالتالي سيحصل الصدام الحتمي هنا، حيث ستتصارع الدول من أجل مصالح بلدانها، أما الدول الفقيرة فسواء أمنت حاجتها أم لم تؤمنها فلن يلتفت اليها أحد من الكبار.

فاذا كانت أحدى السيناريوهات المطروحة حول كوفيد 19، هو تخفيض عدد سكان العالم، وسواء صح هذا التصور أم لم يصح، فأننا وفي ظل مجاعة سنوية تقليدية تضرب سكان بعض المناطق من العالم، وفي ظل الارتفاع المستمر في أسعار الطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وفي ظل حرب القمح المعلنة، فهل نحن أمام سينايو جديد او قد يكون سيناريو مكمل لسيناريو كوفيد 19.

وعليه فأن هذه الحرب التي قد تكون بدأت لأعتبارات جيوسياسية بين دولتين، الا انها سترتب نتائج كارثية على العالم، أذا لم تبادر الدول العالمية المؤثرة من التدخل وحل هذه المشكلة، بدلا” من القاء الحطب على النار كما تفعل الدول الغربية.

أن الوضع العالمي الحالي، يؤكد آفول النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، بكل اركانه ومحدداته وقيمه، ونشوء نظام عالمي جديد يتماشى مع متطلبات الحرب العالمية الثالثة من عناصر اعلامية وأقتصادية وبيولجيه … وغير ذلك، مما يتناسب مع ثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم حاليا”، ولكن بدون ضوابط أوأركان أوقيم، خاصة في ظل السلوكيات الدولية التي شهدناها على عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب، من خلال اعلان الولايات المتحدة عن عزمها على معاقبة الصين أو روسيا، وهذا  اعلان بشكل سافر من أن دولة ستعاقب دولة آخرى، في سلوكيات غير حضارية وغير منضبطة، وبعيدا” عن المنظمات الدولية والإجراءات البروتوكولية والدبلوماسية بين الدول.

لقد تنازلت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا عن احتلالها للعراق الى ايران (أحد أكبرر الانظمة الاستبدادية في العالم)، مقابل تحقيق أنتصار زائف على الحكم الوطني في العراق. وباعت سوريا الى روسيا (وهي دولة أستبدادية أيضا”)، مقابل تحقيق أنتصار زائف في افغانستان على طالبان، بغية الخروج الآمن من أفغانستان. لكن يبدوا أن لا أحد منهما مستعد عن التنازل عن أوكرانيا للآخر.

 

 

التعاريف:

  • جيوسياسية: الجيوسياسية أو الجيوبوليتيك مصطلح تقليدي ينطبق في المقام الأول على تأثير الجغرافيا على السياسة، فهـو علم دراسة تأثير الأرض (برها وبحرها ومرتفعاتها وجوفها وثرواتها وموقعها) على السياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي. وغالبًا ما ينظر على أنه مجموعة من معايير الفكر الاستراتيجي. هذا التعبير مشتق من كلمتين، جيو وهي (باليونانية: تعني الأرض) وكلمة السياسية (بوليتيك).
  • الامن القومي: تطور المفهوم والمصطلح في الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية. مع تركيز شديد على القوة العسكرية، إلا أن مفهوم الأمن القومي يشمل مجموعة واسعة من التحديات التي تؤثر على الأمن غير العسكري أو الاقتصادي للدولة.

 

المصادر:

https://anamusafer.com (*)

  • سكاي نيوز عربية – أبوظبي، 19 مارس 2022.
  • جامعة الدول العربية – المنظمة العربية للتنمية الزراعية – أوضاع الامن الغذائي العربي 2019.
  • Food and Agriculture Organization of the United Nation – Extraordinary Meeting of the G7 Agriculture Ministers, Rome    11 March 2022
  • ويكيبديا – الموسوعة الحرة 06/04/2022.

 

الهوامش:

(*) تم تقليص المساحة المزروعة في العراق للموسم الزراعي 2021/2022، بنسبة (50%) بسبب شحة المياه، مما سينعكس على انتاج العراق من القمح للسنة المذكورة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى