لجنة الادارة والاحصاء و التخطيط الاستراتيجي

الولايات المتحدة الامريكية … اقتصاد القوة … وغطرسة القطب الواحد

الدكتور حميد شكر محمود الجبوري

عضو الأمانة العامة

رئيس لجنة الإدارة والمحاسبة والاحصاء والتخطيط الاستراتيجي

لقد كان للحرب العالمية الثانية وقع السحر على الولايات المتحدة الامريكية، ففي الوقت الذي زهقت فيه ملايين الأرواح في اوروبا وفي غيرها من مناطق العالم، بسبب الرغبة في الهيمنة على العالم، ابحرت الولايات المتحدة بسفنها عبر المحيط صوب مناطق النزاع، لترجح كفة على حساب كفة آخرى، لتصبح بطلة الحرب ولتقود العالم في مسار جديد.

دمرت المانيا وحلفائها، وخرجت الدول التي كسبت الحرب، منهكة القوة العسكرية مدمرة الاقتصاد تسير في ظل المنقذ الجديد، البطل الذي درس اللعبة من كافة جوانبها وعرف كيف يفوز بالمغنم من الحرب فيخرج بقوة عسكرية واقتصادية كبيرة ومتفوقة، وسيطرة مالية واقتصادية على أوروبا، حيث حصل على ثمن الأسلحة والاعتدة التي استهلكها في الحرب، وحصل على فوائد عالية على القروض التي منحها الى الدول الغربية وخصوصا” بريطانيا التي بلغت فاتورة فوائدها اكثر من أربع مليارات دولار في ذلك الوقت.

ولتعزيز الهيمنة الامريكية على العالم وليس فقط دول منظومة الحرب العالمية الثانية، فقد هندست الولايات المتحدة لما بعد الحرب، من خلال انشاء منظومة الأمم المتحدة كاطار لجمع الدول تحت مظلة واحدة وهي الذراع السياسي، وفي الجانب الاقتصادي تم انشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كذراع اقتصادية للسيطرة على اقتصاديات البلدان وخصوصا” ما يعرف بدول “العالم الثالث”. ولكن حتى تسير خطة الولايات المتحدة بنجاح تم انشاء ما يعرف بـ “مجلس الامن الدولي” لضمان الامن في العالم، وهنا تتقاسم الولايات المتحدة الامريكية الكعكة مع الدول الكبرى من خلال ما يسمى بالدول دائمة العضوية التي تملك حق النقض على قرارات المجلس (الفيتو)، حيث اشركت بريطانيا وفرنسا من الجانب الغربي الرأسمالي، والاتحاد السوفيتي والصين من الجانب الشرقي الشيوعي، والخوض في هذه المنظومة يحتاج الى عرض وتحليل ليس محله موضوعنا هذا.

وفي الوقت الذي كانت فيه الصين مشغولة بصياغة ايديولوجيتها الفكرية ووضعها موضع التطبيق لشعب هائل يعاني من الفقر والمجاعة والامراض والتخلف، فان الولايات المتحدة الامريكية خاضت طيلة نصف قرن حرب باردة مع الاتحاد السوفيتي (عدوها اللدود)، واستخدمت كل الوسائل المتاحة، سياسيا” واعلاميا” واقتصاديا” وعسكريا”، ومن خلال الحروب بالوكالة كلما تطلب الامر ذلك، حتى تمكنت قبل افول القرن العشرين من تفكيكه الى دول متصارعة على تركة الاتحاد ومثابات الحدود.

في هذا الوقت تمكنت الصين من بناء منظومتها الحزبية وهيكل ادارتها الحكومية ونموذجها الاقتصادي، وعملت بشكل هادئ وناعم في السياسة الخارجية دون احتكاك او تصادم مع أحد حتى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، مما مكنها من التغلغل الاقتصادي في اغلب دول العالم وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية، بحيث استقطبت الكثير من الصناعات والخدمات تحت شعار رخص التكاليف. واعتمدت سياسة الإغراق التي أدت الى اغلاق بعض الصناعات الوطنية مقابل الاستيراد من الصين بسهولة وباقل من نصف التكاليف. حتى ظهر الى العيان التنين الصيني مطلع القرن الواحد والعشرين، كمنافس قوي للاقتصاد الأمريكي مع الكثير من الدراسات والتحليلات التي ترجح تقدمه على الاقتصاد الأمريكي وهيمنته على الاقتصاد العالمي بحلول الربع الثاني من القرن الواحد والعشرين.

ان هيمنة الولايات المتحدة كقوة عالمية منفردة بات جليا” منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، بسبب ضعف الاتحاد السوفيتي وتناغم رئيسيه غورباتشوف ويلتسين مع الولايات المتحدة والغرب، واتضح ذلك جليا” عند فرض حصار اقتصادي جائر على العراق في 06/08/1990، بالشكل الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ ولن يكون بعده شبيه. كما وقف الغرب بقيادة رئيسة وزراء بريطانيا تاتشر بالكامل خلف الولايات المتحدة، عندما رفضت أي حل سياسي لموضوع الكويت، وشنت حربها العدوانية على العراق مطلع عام 1991.

لقد تعززت هيمنة القطب الأمريكي الواحد مطلع القرن الواحد والعشرين من خلال سيناريو تفجير برجي مركز التجارة الدولية في 11/09/2001 في منطقة منهاتن في نيويورك، والذي تحت غطائه شنت الولايات المتحدة الامريكية حربها على أفغانستان عام 2001 ومن ثم الحرب على العراق مطلع عام 2003، تحت ذرائع واهية منها علاقة النظام العراقي بتنظيم القاعدة المسؤول حسب الادعاء الأمريكي عن تفجير البرجين وقتل الاف الأمريكيين، وكذلك مزاعم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، حيث ثبت لاحقا” زيف وكذب هذه الادعاءات. وكان مخططا” لهذه الحرب ان تمتد الى دول آخرى كسوريا لولا فشلها الذريع في العراق، حيث كان الرئيس العراقي صدام حسين قد اعلن في خطابه عند بداية الحرب بأنها ستكون بداية النهاية للولايات المتحدة الامريكية.

ونحن من كل ما سبق نتلمس الجانب الاقتصادي للموضوع لمعرفة كيف سيكون له القول الفصل في انهاء الهيمنة الأمريكية على العالم.

وللتعرف على بدايات صعود الهيمنة الامريكية على النظام الاقتصادي العالمي، وبوادر انهيار هذه الهيمنة، نستعرض الموضوع من خلال المحاور التالية:

 أولا” – بداية الهيمنة الامريكية على النظام الاقتصاد العالمي:

لنرجع الى الأساس الذي فرضت بموجبه الولايات المتحدة هيمنتها الاقتصادية على العالم، حيث يتبين من خلال مراجعة المصادر الاقتصادية ان هذه الهيمنة بدأت بعدما لاح في الأفق انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بدعم من الولايات المتحدة الامريكية، حيث بادرت الحكومة الأميركية إلى دعوة (44) دولة للاجتماع في يوليو/تموز 1944 بمدينة بريتون وودز للاتفاق على نظام نقدي دولي جديد، بغية تأمين الاستقرار والنمو الاقتصادي العالمي. وفي مؤتمر بريتون وودز برزت هيمنة الولايات المتحدة وسيطرتها على أعماله، إذ اعتمد المؤتمر في مقرراته اعتماداً أساسياً “خطة هوايت” التي تعكس وجهة النظر والمصلحة الأميركيتين واستبعد “مشروع كينز” الذي يمثل مصلحة بريطانية (*).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) اقترح عالم الاقتصاد الإنجليزي جون كينز الحاضر ممثلًا عن بلاده في مؤتمر بريتون وودز أن تكون هناك عملة مرجعية تُدعى باكنور (وهي عملة عالمية لم ترَ النور)، تكون هذه العملة بمثابة بديل لمعيار الذهب، لكن الولايات المتحدة اعترضت وضغطت من أجل أن يكون الدولار هو العملة المرجعية، ما يعني أن الدول الأخرى ستربط عملاتها بالدولار الأمريكي.

 

وتهدف اتفاقية بريتون وودز (Bretton Woods Agreement Forex Markets) إلى إيجاد نوع من الثبات في السياسات النقدية وأسعار الصرف بين دول العالم عبر وضع البنية التحتية لتنقل رؤوس الأموال بين الدول كأساس لتسهيل التجارة العالمية. وخرجت حينها وبعدها المؤسسات الدولية: صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، الأمم المتحدة، والاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (غات). ورغم مشاركة الاتحاد السوفياتي في أعمال المؤتمر ومناقشاته فإنه لم ينضم إلى عضوية صندوق النقد الدولي لأنه رأى فيه هيمنة واضحة للاقتصاد الأميركي على النظام المقترح.

لقد كان حجر الزاوية في مؤتمر بريتون وودز، ان يقوم النظام النقدي الجديد على أساس “قاعدة الصرف بالدولار الذهبي” وعلى أساس “مقياس التبادل الذهبي”، وبذلك تحول الدولار الأميركي من عملة محلية إلى عملة احتياط دولية.

وبموجب أحكام الصندوق يجب على كل دولة عضو فيه أن تحدد قيمة تبادل عملتها الوطنية بالنسبة إلى الذهب أو بدولار الولايات المتحدة الامريكية، على أساس الوزن والعيار النافذين في أول يونيو/حزيران 1944، أي الدولار الواحد يساوي (0.88671) غرام من الذهب الصافي. وقد التزمت الولايات المتحدة أمام المصارف المركزية للدول الأعضاء بتبديل حيازتها من الدولارات الورقية بالذهب وعلى أساس سعر محدد وثابت وهو (35) دولارا” للأونصة، وبذلك تساوى الدولار بالذهب في السيولة والقبول العام به احتياطياً دولياً.

وقد استمر العمل بهذا النظام حتى 15 أغسطس/آب 1971 عندما أعلن الرئيس الأميركي نيكسون وقف قابلية تبديل الدولار إلى ذهب وهو أهم أركان نظام بريتون وودز. لقد حقق هذا النظام في أول الأمر نجاحاً ملحوظاً في تحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي والنقدي الدولي. ولكن مع تزايد القوة الاقتصادية والسياسية لأوروبا الغربية واليابان على المسرح الدولي من جهة، ودور البلدان الاشتراكية والنامية من جهة ثانية، برزت معطيات جديدة تتعارض مع ثبات أسعار صرف العملات الذي يقوم عليه نظام بريتون وودز، كما تتعارض مع الهيمنة الأميركية على الاقتصاد العالمي المتمثلة في سيطرة عملتها المحلية على النظام النقدي الدولي. ورغم تعديل اتفاقية بريتون وودز مرتين فإن آلية ثبات سعر صرف العملات ألغيت تماماً من الناحية العملية، وبدأت مرحلة جديدة هي مرحلة “التعويم” التي تعني ترك سعر صرف العملة يتحدد بحرية وفق آلية العرض والطلب في الأسواق.

ونحن نرى ان هيمنة الاقتصاد الأمريكي على الاقتصاد العالمي ترجع الى تاريخ انسحاب الولايات المتحدة الامريكية من اتفاقية بريتون وودز، حيث تحول الدولار الأمريكي من دولار ذهبي الى دولار ورقي، ومن هذا المنطلق نرى ان الاقتصاد الأمريكي تحول من اقتصاد مبني على أساس الاقتصاد الكلي للولايات المتحدة الى اقتصاد القوة، إذ فرضت الولايات المتحدة على العالم القبول بالدولار الورقي تحت تهديد القوة العسكرية المفرطة، رغم ان الولايات المتحدة تدعي ان دولارها مقوّم بقيمة اقتصادها، وهذا من الناحية المنطقية والعملية لا يعني شيء، لأن وضع الدولار لن يتغير بإمكانية تحوله الى ذهب كقيمة ضامنة للورقة من ناحية، ومن ناحية آخرى يتم قبوله في التبادل التجاري والتسويات الحسابية بين الدول تحت اطار الهيمنة الامريكية المباشرة والقبول من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذان تهيمن عليهما الولايات المتحدة الامريكية.

ونعرض في الجدول التالي احتياطيات اعلى (23) دولة – وفقا” لتصنيفات مجلس الذهب العالمي – فبراير 2021، وكذلك اكبر (25) دولة من حيث احتياطيها من الدولار الأمريكي:

والذي يثير الانتباه في الجدول السابق هو انخفاض نسبة احتياطيات الذهب الى احتياطيات النقد في دول بعينها، مثل: الصين، سويسرا، اليابان، الهند، تايوان، السعودية. ولكنها من جانب الاحتياطي بالدولار الأمريكي نجدها تتقدم على الولايات المتحدة الامريكية نفسها، مما يعني انها كانت تغازل الإدارات الامريكية المتعاقبة في هذا الجانب، وبدأت حاليا” بتعديل وضع هذا الميزان من خلال التخلي عن احتياطياتها من الدولار لصالح احتياطياتها من الذهب او عملات الدول الحليفة.

 

ثانيا” – بدايات المطالبة بالتخلي عن الدولار في التعاملات بين الدول:

 

بدأت الدول بالمطالبة بشكل علني بالتخلي عن الدولار الأمريكي في تعاملاتها الدولية، وكما يلي:

  1. شكل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، لجنة في النصف الثاني من عام 2000، لدراسة التحول من عملة الدولار الى عملة اليورو في تسعير النفط ضمن برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء، ورغم ان مبيعات النفط العراقي لا تشكل شيئا” يذكر من مبيعات النفط بالدولار لدول العالم الأخرى، ولكن الهدف كان سياسيا”. لم يواجه طلب العراق مقاومة تذكر في الأمم المتحدة من قبل أمريكا، وتم فتح حساب باليورو اعتبارا” من المرحلة التاسعة لمذكرة التفاهم – 2001، وقد اشارت بعض التقارير الى ان هذا الموضوع كان من بين أسباب غزو العراق عام 2003، لأن اكثر ما يهدّد المستقبل المالي للولايات المتحدة الامريكية هو التحول من عملة الدولار الى العملات الأخرى في التعاملات الدولية وخاصّة في مبيعات النفط. (الراوي).
  2. اتفاق دول الاتحاد الاوربي عام 2018، على حماية الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران من العقوبات الأمريكية، من خلال تمكينها من التعامل باليورو خارج نظام التعاملات الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. CNBC) عربية)
  3. لعل أبلغ الدعوات للحد من هيمنة الدولار فيما سمي بـ “هجوم اوربي على الهيمنة”، ما ورد على لسان رئيس الاتحاد الأوربي جان كلود يونكر المعروف بصداقته مع النخبة السياسية في واشنطن. ففي خطابه أمام البرلمان الأوروبي في النصف الأول من شهر سبتمبر/ أيلول 2018 دعا الاتحاد إلى وجوب اتخاذ الخطوات اللازمة لتعزيز مكانة اليورو في النظام المالي العالمي اعتباراً من العام القادم 2019. ووصف يونكر تسديد أوروبا لنحو (80%) من واردات الطاقة بالدولار الأمريكي بأنه ضرب من المستحيل مضيفاً: “من المضحك أيضا قيام شركات الطيران الأوروبية بشراء طائرات أوروبية بالدولار وليس باليورو!”.
  4. منذ العام 2018، اتفقت بعض الدول من بينها روسيا وتركيا وإيران والصين والهند وباكستان على تعزيز تعاملها بالعملات الوطنية لتقليص اعتمادها على الدولار في تجارتها البينية.
  5. من أجل تقليل الاعتماد على الدولار قلصت روسيا منذ مطلع العام 2018 استثماراتها في السندات الأمريكية بسرعة غير متوقعة، من (100) مليار دولار إلى (15) مليار دولار. ابراهيم، محمد
  6. وفي شنغهاي الصينية تم إطلاق بورصة عالمية لتداول عقود النفط بالعملة الصينية اليوان في خطوة تمثل ضربة قوية لاحتكار “البترودولار”.
  7. أظهرت بيانات الإدارة الأمريكية لسنة 2018، تخلص الصين من سندات أمريكية بقيمة حوالي (8) مليارات دولار خلال شهر يونيو/ حزيران لوحده.
  8. خفضت تركيا استثماراتها في سندات الخزانة الامريكية بنحو (4) مليارات دولار.
  9. تعد الصين أكبر مستثمر أجنبي في سندات الخزانة الامريكية بقيمة تزيد على (1,170) مليار دولار، ما يعادل نحو (20) بالمائة منها، في حين تحتل اليابان المرتبة الثانية باستثمارات تزيد على (1,000) مليار دولار. (DW)
  10. في 23/03/2023، اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا لن تقبل إلا الدفعات بالروبل ثمناً لضخّ الغاز للدول التي وصفها بـ “الدول غير الصديقة”، وتشمل جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بعد تعرض موسكو لعقوبات غير مسبوقة إثر غزوها لأوكرانيا.

(عربي B B C NEWS)

  1. في خطوة جديدة نحو التخلي عن الدولار الأمريكي، أعلنت البرازيل والصين في شهر نيسان 2023، أنهما اتفقتا على استخدام عملتيهما المحليتين في التبادل التجاري فيما بينهما، بدلًا من استخدام الدولار. يلعب طرفا الاتفاق أدوارا” مهمة في شكل السوق العالمي، فالصين هي صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الامريكية، فيما تعتبر البرازيل أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، ويعدّ هذا الاتفاق هو الأول من نوعه الذي تعقده الصين مع إحدى دول أمريكا اللاتينية، لا سيما وأن الصين هي الشريك التجاري الأكبر للبرازيل، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما نحو (150) مليار دولار العام الماضي. (عربي B B C NEWS)
  2. الاتفاقية الروسية الصينية التي أتاحت بنودها لبلديهما فرصاً أكبر مما هي عليها كقوتين اقتصاديتين ضاربتين لرفع مستوى المبادلات التجارية بينهما، مستخدمتين في ذلك عملتيهما الروبل واليوان، وهو ما اعتبره مراقبون واقتصاديون بمثابة توجيه ضربة قاضية للدولار الأميركي الذي يعتبر وحدة التعاملات العالمية الأوحد. بل إن هناك من اعتبرها القنبلة الروسية التي ينتظر أن تنفجر في وجه الاقتصاد الأميركي في أي لحظة، لاسيما مع تزايد التكهنات بأن تنضم الدول الأخرى في مجموعة (بريكس) التي تضم إلى جانب روسيا والصين، كلا من (البرازيل، الهند، جنوب أفريقيا)، إلى الحلف الروسي الصيني.
  3. الاتفاقية بين العملاقين الاقتصاديين (الصين وروسيا) اللذين يشكلان مجتمعين تهديدات غير مسبوقة للدولار وللاقتصاد الأميركي، لم تتوقف عند المبادلات السلعية التقليدية فحسب، بل شملت أيضا سلعة النفط ومشتقاته، وهو ما يتوقع أن يكبد الولايات المتحدة نحو (17) تريليون دولار. (اتحاد المصارف العربية)
  4. عقب زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للصين حيث رافقته فيها رئيسة المفوضية الأوروبية، ادلى بتصريحات الى صحيفة “ليزيكو” الفرنسية بتاريخ 10/04/2023، تضمنت:
  • بدء تقليل اعتماد أوروبا على الدولار الأميركي.
  • يجب إيقاف تبعية أوروبا للولايات المتحدة وتحقيق استقلال القارة الاستراتيجي.
  • ضرورة تقليل اعتماد أوروبا على السلاح ومصادر الطاقة الأميركية.
  • تجنب الانجرار لمواجهة بين بكين وواشنطن بشأن أزمة تايوان.
  1. كما صرح ماكرون في نيسان 2023، وبعد عودته من الصين بأنه لن يقبل بتدمير الاقتصاد الفرنسي من اجل رفاهية الآخرين، وواضح انه يقصد بذلك الولايات المتحدة الامريكية.
  2. وفي وقت لاحق رفض ماكرون الاعتذار عن تصريحاته هذه بناء على طلب الادارة الامريكية.

 

ثالثا” – احداث قد تغير مستقبل العالم:

 

  1. خروج الولايات المتحدة الامريكية عن كل السياقات الدبلوماسية المتعارف عليها، باعتبارها المهيمنة على القطب الواحد حيث تتصرف بغطرسة بالغة في التلويح بفرض العقوبات على الدول ورؤسائها وقياداتها، سواء في علاقاتها الثنائية او في مجال العلاقات الدولية بعيدا” عن مجلس الامن الدولي. وحتى حلفاء الولايات المتحدة يظهرون فقدان الصبر تجاه حروبها التجارية وعقوباتها الاقتصادية التي أضحت كابوساً لأكثر من عُشر دول العالم وفي مقدمتها الصين وروسيا وتركيا والاتحاد الأوروبي. ويقدر عدد سكان هذه الدول المشمولة بالعقوبات بنحو ملياري نسمة في حين يصل ناتجها المحلي الإجمالي إلى حوالي (15) تريليون دولار. هذه العقوبات التي لم تميز في عهد الرئيس دونالد ترامب بين العدو والصديق تدفع الجهات التي تعاني منها للعمل على إقامة بدائل للنظام المالي العالمي الذي تهيمن عليه واشنطن من خلال سطوة الدولار على التحويلات المالية عبر العالم والتي تتم بشكل رئيسي عبر نظام سويفت (SWIFT). (DW)
  2. الدور الروسي في إعادة تطبيع العلاقات التركية السورية.
  3. الدور الصيني في التقارب السعودي الايراني، وحل المشكلة اليمنية.
  4. المبادرة الصينية لحل النزاع الروسي الاوكراني.
  5. المبادرة المفاجئة لمنظومة أوبك +، بالتخفيض الطوعي لسقف الإنتاج من قبل بعض البلدان بمقدار (1.5) مليون برميل يوميا” اعتبارا” من 01/05/2023، خارج اطار التنسيق مع الولايات المتحدة الامريكية.
  6. الاتفاقات التي تمت بين بعض الدول او مجموعاتها، لجعل التبادلات التجارية البينية بعملاتها الوطنية بدلا” من الدولار الأمريكي.
  7. خارطة الطريق التي رسمها ماكرون للمستقبل السياسي والاقتصادي للاتحاد الأوربي مجتمعة ولفرنسا كدولة مستقلة، بعد زيارته للصين.
  8. المحاكمة التاريخية للرئيس الأمريكي السابق ترامب، وكيف اثرت على سمعة الولايات المتحدة دوليا”، والتي كشفت تكالب الحزبين الرئيسيين على المناصب والسيطرة، وانشغالهما عن المشاكل الداخلية التي يعاني منها المواطن الأمريكي.
  9. الدور المتراجع للولايات المتحدة والدور اللامع للتنين الصيني، على صعيد العلاقات الثنائية ومنظومات العمل السياسي والاقتصادي الإقليمي والدولي.

 

رابعا” – الخيارات المتاحة امام الولايات المتحدة الامريكية:

 

يبدو ان اقتصاد القوة وهيمنة القطب الواحد قد انتهى دورهما، وبدأت الاستعدادات للتهيئة لنظام عالمي جديد ربما بحلول عام 2025 او خلال العقد الحالي، بعيدا” عن اقتصاد القوة الذي مارسته الولايات المتحدة طيلة خمس وسبعون عاما”، وتفرد القطب الواحد طيلة خمسة وعشرين عاما”، والتأسيس لنظام اقتصادي جديد يقوم على التكافؤ والتعاون والاستقرار، ونظام سياسي دولي متعدد الأقطاب لضمان السلم والامن الدوليين، بالاستفادة من تجارب القرن العشرين والربع الأول من القرن الواحد والعشرين.

كما ان التهديد بالحرب العالمية الثالثة لم يعد خيارا” مناسبا” للولايات المتحدة للخروج من المأزق الحالي، وهو مأزق املته سياسة وغطرسة الإدارات الامريكية المتعاقبة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا. لم يعد مقبولا” في الوضع الدولي الجديد الإخراج السينمائي الأمريكي للاجتياح الأمريكي لأفغانستان الدولة الضعيفة والفقيرة التي انهكتها حروب الكر والفر طيلة عقدين من الزمن قبل الاحتلال. ولا أسلوب الصدمة والترويع الذي اعتمدته الولايات المتحدة الامريكية عند غزوها للعراق عام 2003، بعد ان كان قد خرج منتصرا” من حرب ضروس مع ايران طيلة ثماني أعوام متواصلة. وحيث ان الحصار الدولي الشامل الذي فرض على العراق بتاريخ 06/08/2003، لم يؤتي اكله بأضعاف العراق وتركيعه، لجأت الولايات المتحدة الامريكية الى قيادة تحالف عسكري من ثلاثين دولة بادعاء اخراج العراق من الكويت، وفي حقيقة الامر كانت الإدارة الامريكية قد خططت لاحتلال العراق، لولا الدور البطولي للجيش العراقي الباسل وصمود شعبه الابي، مما افشل مخططات الولايات المتحدة الامريكية، ودعاها الى استمرار فرض الحصار الدولي الشامل على العراق لأكثر من اثني عشر عاما” لم يكن له سابقة في تاريخ الأمم ولن يكون بعده نموذج مماثل في المستقبل، كل ذلك لتمهد لتحالف دولي جديد لغزو العراق مطلع عام 2003 بعد ان فشلت في ذلك في عام 1991، ولكن تحت ذريعة جديدة وهي علاقة النظام العراقي بتنظيم القاعدة المسؤول عن تفجير برجي مركز التجارة الدولي وامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، ليظهر علينا الاعلام الأمريكي بإخراج سينمائي مبهر لعملية هبوط  الرئيس الأمريكي بوش الابن من طائرة حربية على حاملة طائرات امريكية  ليعلن انتصار الولايات المتحدة في الحرب على العراق. ورغم ثبات زيف وبطلان الادعاءات الامريكية قبل وبعد غزو العراق، وقتل وتشريد الملايين من أبناء العراق وتدمير اقتصاده وبنيته التحتية لعقدين من الزمن لم تخضع الإدارة الامريكية للمسائلة او المحاسبة لا من مجلس الامن الدولي ولا من المجتمع الدولي، على الرغم من ان عملية غزو العراق لم تشرعن من قبل مجلس الامن الدولي.

ان قدرات الدول ووعي شعوبها قد تغير عما كان عليه الحال قبل غزو العراق، وان الإخراج السينمائي الأمريكي والغربي لمجريات الحرب الروسية الأوكرانية لم تعد تنطلي على أحد، وربما الكترونيات الصين او كوريا الشمالية قادرة على تحجيم اكبر قوة عسكرية، ولنا ان نرى في عبور المنطاد الصيني لأراضي الولايات المتحدة الامريكية مؤخرا” خير شاهد ودليل.

ان متطلبات الوضع الدولي لا يمكن ان تتيح لأحد التربع على القمة الى ما لا نهاية لان لكل زمن دور ومستلزمات، خاصة في ظل التطور الحاصل جراء الثورات العلمية المتسارعة والمتعاقبة، وبالتالي يكفي للولايات المتحدة الامريكية ان تلملم جراحها، وتعالج الأوضاع التالية لكي يكون لها موقع مناسب في النظام العالمي القادم، وهذا يستلزم:

  1. انهاء الحرب الروسية الأوكرانية، بالوساطة الصينية ربما لأنها الأكثر مقبولية لدى الطرفين، بدلا” من اللجوء الى دعم أوكرانيا بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة والغرب، من خلال الاتفاق على مضاعفة انتاج الأسلحة والاعتدة، بدلا” من الاتفاق على حل مشكلة الغذاء العالمي.
  2. التمهيد لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بتوسيع اطار مجلس الامن وإلغاء حق النقض (الفيتو) لدول بعينها.
  3. إعادة بناء النظام الاقتصادي الامريكي بعيدا” عن الدولار كعملة عالمية واحتياطيا” دوليا”.
  4. التعامل مع دول العالم على أساس المصالح المشتركة وبناء السلم والازدهار الدوليين.
  5. إعادة الاستقرار والازدهار لمناطق معينة وعلى وجه الخصوص منها منطقة الشرق الأوسط، لكيلا تبتعد دول المنطقة كثيرا” عن منح الأفضلية للولايات المتحدة الامريكية والغرب في التعاملات الدولية، ولضمان استمرار استقرار أسعار الطاقة بعيدا” عن التجاذبات الدولية.
  6. الاعتراف بدور محوري إقليمي للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط لكل من العراق والسعودية ومصر.
  7. إعادة إدارة العراق بأسرع وقت الى نظام وطني بعيدا” عن المحاصصة الحزبية والطائفية والاثنية.
  8. تحجيم وضع النظام الإيراني، وتدخلاته في المحيط الإقليمي والدولي، وما جره على الشعوب الإيرانية والدول الأخرى من مشاكل وازمات وعدم استقرار داخلي، تحت شعار تصدير الثورة، والذي رعته الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية منذ عام 1979، وعززته الولايات المتحدة بعد احتلال العراق عام 2003، تحت اطار نظرية الفوضى الخلاقة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

  • الراوي، محمد مهدي صالح – درء المجاعة عن العراق، مذكراتي عن سنين الحصار 1990 – 2003، الناشر: منتدى المعارف – الطبعة الأولى، بيروت 2022.
  • بيت الحكمة – اتفاقية بريتن وودز
  • اتحاد المصارف العربية – دراسة: قنبلـة في وجــه الاقتصـاد الأميركي
  • إبراهيم، محمد – تحليل.. تفكيك هيمنة الدولار في عهدة أوروبا والصين – موقع ( (DWالاخباري.
  • عربي B B C NEWS
  • CNBC عربية
  • قناة العربية الفضائية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى