اللجنة القانونية

منظمات المجتمع المدني ، واقع الحال وطموح المستقبل

منظمات المجتمع المدني ، واقع الحال وطموح المستقبل

المستشار سعيد النعمان

عضو اللجنة القانونية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

  المقدمة                                                 

يلاحظ أن منظمات المجتمع المدني في العراق أسست بهدف تعزيز دورها في تحقيق الأهداف المجتمعية المشروعة والمساهمة الطواعية في تقدم ووحدة المجتمع وازدهاره . وقد نصت المادة (39 / أولا ) من الدستور ( حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية أو الانضمام إليها مكفولة وينظم ذلك بقانون) في حين نصت الفقرة ثانيا منها ( لايجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أي حزب أو جمعية أو جهة سياسية أو أجبارة على الاستمرار في العضوية فيها) وبالفعل فقد صدر قانون رقم 12 لسنة 2010 وسبق لسلطة الائتلاف أن أصدرت أمرا برقم 13 لسنة 2003 الذي نظم عمل هذه المنظمات ومن خلال ذلك يتضح أنها كيانات تعمل في المجتمع وتشغل مساحة واسعة بين مؤسسات الدولة والمجتمع دون تدخل من الدولة أو هيمنتها أوسطوتها . كما يلاحظ أنها تعمل وفقا لمبادئ وأهداف وردت في نظامها الداخلي والهيكل التنظيمي المتفق عليه والتي تم أفراره من قبل الأعضاء المنتمين فيها . وهذه المنظمات أهلية وهي جزأ من مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم بالعمل الطوعي وتضم متطوعين يعملون وفق برامج مشروعة ومحددة وترتبط بالأمانة العامة لمجلس الوزراء . حيث خول القانون رقم  (12) في أعلاه الأمين العام لمجلس الوزراء إصدار تعليمات لتسهيل تنفيذ أحكام هذا القانون في حين تضمنت الفقرة ثالثا من المادة (33) بعدم سريان إحكام هذا القانون على الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والاتحادات والجمعيات المؤسسة بموجب قوانين خاصة . وقد أوضح  قانون المنظمات غير الحكومية في أعلاه المقصود بالمصطلحات التي وردت في القانون المنظمة غير الحكومية ( مجموعة من الأشخاص الطبيعية والمعنوية سجلت واكتسبت الشخصية المعنوية وفقا لا أحكام هذا القانون تسعى لتحقيق إغراض غير ربحية )

العناصر وشروط التأسيس

أن تأسيس هذه المنظمات وبالرغم ما تباين قوانينها واختلاف طبيعة عملها وأهدافها إلا أنها تتناغم وتتوافق في عددا من النتائج المشتركة فيما بينها ـ أنها تنشا من مجموعات سواء كانوا أفرادا طبيعين أو معنويين ـ وأنها تمنح الشخصية المعنوية القانونية التي وردت في أنظمتها الداخلية ـ وأن هذه المنظمات تحمل صفة البقاء والاستمرار وليس شرطا أن يكون بصورة دائمة ـ ويجب أن لا تهدف إلى تحقيق الربح المادي من خلال أنشطتها . ومهما تعددت هذه المنظمات واتسعت أهدافها إلا أنها يجب أن تتوافر فيها عناصر أساسية منها:

 1ـ  الاستقلالية والمقصود بأن لا تخضع لأي شكل  من أشكال الهيمنة والتبعية من الداخل أو الخارج  سواء كان من حيث النشأة لأن الأصل نشؤ هذه المنظمات دون تدخل من قبل الحكومة.

 2 ـ ومن أهم الأسس (الطواعية)  التي تمثل الإرادة الحرة لاافراد المجتمع المكون من القرابة والأسرة والعشيرة التي لا علاقة للفرد في اختيارها.

 3 ـ قبول الاختلاف والتنوع بين الذات والآخرين وتقبل أطروحاتهم وتطلعاتهم لان هذه المنظمات تحقق وتحمي مصالحهم المادية والمعنوية وعلى حدا سواء وهذا ما يطلق عليه بالعنصر الأخلاقي والسلوكي . 4 ـ كما تتمتع هذه المنظمات بالقدرة على التكيف مع تطورات البيئة كي تحقق أهدافها الزمنية والإدارية والوظيفية. كما أن الاستخدام المعاصر لمفهوم المجتمع قد مر بثلاث مراحل الأولى فترة الانفتاح على المجتمع المدني من قبل الأحزاب والقوى والنظم السياسية بهدف إضافة دماء جديدة في السياسة ذو طابع شعبي . والثانية فترة التعامل مع المجتمع المدني بوصفه منظمات مستقلة موازية للدولة ومشاركة في تحقيق الكثير  من المهام التي تتوافق مع انتشار مفهوم العولمة والانتقال نحو مجتمع يحكم نفسه بنفسه. إما الثالثة فهي فترة تحول المجتمع المدني إلى قطب قائم بذاته ومركز لقيادة سلطة اجتماعية ظهرت بشكل خاص في مواجهة القطب التي تمثله الدولة ومؤسساتها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية .

قانون المنظمات غير الحكومية

تضمن قانون المنظمات غير الحكومية رقم ( 12 لسنة 2010 ) في فصله الأول التعاريف والأهداف ومن بينها تعزيز دور منظمات المجتمع المدني ودعمها وتطورها والحفاظ على استقلالها وتعزيز حرية المواطنين في تأسيس المنظمات غير الحكومية والانضمام إليها وإيجاد إلية مركزية تنظم عملية تسجيلها بما فيها المنظمات الأجنبية . في الفصل الثاني تناول التأسيس ومنح الحق لكل شخص عراقي طبيعي أو معنوي الحق في تأسيس منظمة غير حكومية أو الانتماء إليها أو الانسحاب منها وشروط العضؤ  المؤسس وطلب التأسيس . في الفصل الثالث تناول العضوية وشروط العضو في المنظمة . وفي الفصل الرابع  تضمن الإحكام المالية منها اشتراكات الأعضاء والتبرعات والمنح والوصايا والهبات والهدايا الداخلية والخارجية والعوائد الناجمة من نشاطات المنظمة ومشاريعها . وفي الفصل الخامس تناول مسك السجلات ( الأعضاء  والقرارات  والحسابات والأموال والنشاطات والمشاريع ) على أن يحتفظ  بها لمدة ( 5 ) سنوات . أما الفصل السادس فتضمن صيغة الدمج والحل ولكل منهما شروط وإجراءات. في الفصل السابع تناول العقوبات والتعليق والحل بقرار قضائي ـ أذا ثبت ممارسة المنظمة نشاطات تتعارض مع أهدافها ـ أو قامت بخرق القوانين العراقية النافذة  ـ أذا لم تقم بإزالة المخالفة رغم التنبيه . في الفصل الثامن وتحت عنوان المنظمات غير الحكومية (الأجنبية ) يتم تسجيل هذه المنظمات وفقا لإحكام هذا القانون والشروط والضوابط الواردة فيه . وتناول الفصل التاسع شبكة المنظمات غير الحكومية وأشترط أن لايكون ممثل فرع المنظمة رئيسا للشبكة وأن لايزيد عدد فروع المنظمة على نسبة ( 25 ./ ,) من عدد الأعضاء وتسري على المنظمة الإحكام التي  تتعلق باكتساب الشخصية المعنوية والدمج والحل وكل الحقوق والواجبات والعقوبات . أما الفصل العاشر فمنح المنظمة غير الحكومية الحق في فتح فروعا داخل العراق وخارجه وأن لاتخذ أسما يشابه أسماء الجهات الحكومية أو الأحزاب أو الكيانات السياسية أو الاتحادات أو النقابات . أما الأسباب الموجبة فتضمنت ( بهدف تأمين تأسيس المنظمات غير الحكومية والانضمام إليها الذي يكفله الدستور ولغرض تسجيل المنظمات غير الحكومية العراقية وفروع المنظمات غير الحكومية الأجنبية.

الواقع السياسي والقانوني

أظهرت الإجراءات الحكومية الضعيفة والتراخي في تامين سلامة الاحتجاجات الشعبية التي قادتها منظمات المجتمع المدني التي انطلقت عامي (2019 و2020) وسقط خلالها المئات من الشهداء والجرحى والموقوفين والمختطفين موثقة بجداول إحصائية دقيقة أعدتها الدوائر الحكومية المختصة التابعة  لوزارة الداخلية ومنظمات المجتمع المدني . كما اغتيل عددا غير قليل من المشاركين في الحراك المدني ولم يلقى القبض على الفاعلين .  كما تعرضت الممتلكات العامة والخاصة إلى التخريب نتيجة الفوضى العارمة التي رافقت الاحتجاجات والأساليب غير القانونية التي انتهجتها الحكومة للتصدي لهذه الاحتجاجات مع غياب المحاسبة للعناصر التي استخدمت القوة المفرطة لتفريق الاحتجاجات السلمية التي هي أهم وسيلة من وسائل التعبير لمنظمات المجتمع المدني . وفي ما يتعلق بعمل هذه المنظمات فأن على الحكومة  تقديم العون والمساعدة إلا أن ذلك لا يحصل إلا في حالات قليلة حيث العراقيل والمطبات ومنها توجيه الإعالة إلى منظمات غير مستحقة لها أو تقديمها على غيرها لا أعتبارات سياسية أو مناطقية أو فئوية . وفي معظم الحالات تكون سياسة الحكومة غير مقنعة بسبب تفشي الفساد المالي والإداري عند النظر بطلبات الإنشاء لهذه المنظمات . والملفت للنظر إن عمل هذه المنظمات  يعتمد على مبدأ الأجازة المسبقة وأن عملية التسجيل تواجه صعوبات وإجراءات خلافا لنص المادة ( 45 / أولا ) من الدستور التي منحت الحق بالقيام بأي نشاط قبل التأسيس والعمل في ظل رعاية الدولة إلا أن عملية التسجيل تواجه صعوبات أدارية وفنية وأمنية والروتين المعتمد من قبل الحكومة . مع أن هذه المنظمات هي المعين الشعبي والراصد الأمين والكاشف والرقيب على أداء الحكومة ومؤسساتها ولها دور رائد في تصحيح وتحسين مسيرة عملها . ومن بين أدوار هذه المنظمات ـ تعزيز حقوق الإنسان على وفق الدستور والقوانين ـ مكافحة الفساد المالي والإداري ـ حماية حقوق الأسرة في ضؤ قانون الأحوال الشخصية  ـ تقويم نظام الرقابة المالية والرأي في الموازنة العامة ـ العمل في تعزيز البناء الديمقراطي وترسيخ مبادئ الديمقراطية ـ مكافحة التطرف والحد من الجريمة المنظمة ـ الإسهام في التنمية  الاجتماعية والاقتصادية ودعم الصناعات والحرف الصغيرة .

الاستنتاجات والتوصيات 

 من خلال الاطلاع وقراءة عددا من البحوث والدراسات ذات العلاقة بمنظمات المجتمع المدني توفرت لدينا عدة توصيات مناسبة وملفتة للنظر في ضؤ الاستنتاجات التي توصلنا إليها . الأمر الذي توجب عليتا  الإشارة إليها استكمالا لهذه الدراسة بغية المزيد من الفائدة والمعرفة .

الاستنتاجات

أولا ـ لاحظنا أن هناك تقصيرا واضحا من قبل منظمات المجتمع المدني في تطبيق التشريعات ومنها قانون المنتظمات غير الحكومية أو القوانين ذات العلاقة بعملها أو تطبيقا حقيقا يجسد أهدافها ومبادئها   .

ثانيا ـ  لا يزال المجتمع المدني بحاجة ماسة في الحصول على المعلومات عبر  وسائل التقنية الحديثة وبالذات تسريع عمليات الاتصال والتواصل الالكتروني حق التعبير عن الرأي الذي ورد في المادتين (38 و39 ) من الدستور .  

ثالثا ـ  غياب الاهتمام على شريحة الشباب باعتبارها الأداة الموثرة  في المجتمع ومنحهم حق الترشيح لقيادات المنظمة باعتبارهم الدماء الجديدة التي تقود عجلة التغير وتطوير قدراتهم للمساهمة في عملية التغير  وتطوير العمل والتنمية وبشكل مثالي .

رابعا ـ  يلاحظ تدخل الأحزاب والتنظيمات السياسية في شؤون عمل منظمات المجتمع المدني والتأثير عليها بكل الوسائل المغرية سواء المادية والمعنوية أو وسائل التخويف والترهيب بهدف الانصياع لها وتوظيفها في خدمة هذه الأحزاب والتنظيمات .

خامسا ـ يلاحظ قلة عقد الندوات والموترات للتعريف بعمل هذه المنظمات وغياب وسائل الإعلام للتعريف بعمل هذه المنظمات مع غياب الدعم الحكومي المادي والمعنوي لهذه المنظمات .

سادسا ـ  هناك ضعف في العلاقة بين منظمات المجتمع المدني ودائرة المنظمات غير الحكومية / الأمانة العامة لمجلس الوزراء الأمر الذي يستدعي المتابعة والتنسيق مع الأمين العام لمجلس الوزراء  لتسهيل عمل المنظمات كلما دعت الحاجة  لغرض إصدار تعليمات عملا بنص المادة 35 من قانون رقم 12 لسنة 2010 الذي خول الأمين العام إصدار التعليمات لتسهيل تنفيذ إحكام هذا القانون .

التوصيات  

1 ـ السعي الجاد لبناء مجتمع مدني مستقل بكل منظماته وبدعم ومساعدة محلية وعربية ودولية وإلا سيبقى تأثيرها محدود ومتواضع لا يرتقي إلى مصاف منظمات المجتمع المدني في العالم .

2 ـ منع الأحزاب السياسية والتنظيمات التدخل في عمل المنضمات بأي شكل من الإشكال على إن تقوم الحكومة بإصدار أنظمة وتعليمات بذلك . وبالمقابل تلزم المنظمات بعدم قبول الانتساب إليها من المتمين  إلى الأحزاب والتنظيمات السياسية .

3 ـ من الضروري إجراء تعديلات على مواد قانون (12 لسنة 2010) وبالذات الفصل الثاني تخفيف إجراءات التأسيس والحل والدمج والحضر  والعقوبات الواردة في الفصل السابع من القانون.

4 ـ المجتمع المدني لا يزال بحاجة ماسة للحصول على المعلومات من مصادرها وكذلك ممارسة حق التعبير عن الرأي وتوفير الحماية للمدافعين عن حقوق الإنسان وحرية الإعلام على أن تتولى دائرة الأمانة العامة وأمينها العام التنشق مع الجهات ذات العلاقة لتنفيذ حاجات المجتمع المدني .

5 ـ ضرورة تفعيل عمل منظمات المجتمع المدني باتجاه إنهاء المظاهر السلبية الموذ ية لشخصية الإنسان العراقي وتطوير القدرات والترويج لمقومات حرية المجتمع بما يضمن التطبيق السليم لهذه الحرية . 

6 ـ التأكيد على تعزيز التعاون المثمر بين منضمات المجتمع المدني والسلطات العامة وتسهيل دورها الرقابي الشعبي وأثره في التنمية الشاملة وتوفير مصادر التمويل لهذه المنظمات .

7 ـ على الحكومة مضاعفة التخصصات المالية لهذه المنظمات كي تستطيع القيام بمهامها وتحقيق أهدافها ومنحها ترخيص لقناة فضائية خاصة بها أسؤت ببقية الأحزاب وقياداتها التي  تملك أكثر من قناة .

المصادر

ـ  قانون المنضمات غير الحكومية رقم (12لسنة 2010 )

ـ رونق عودة عباس ـ التنظيم القانوني لمنظمات المجتمع المدني ـ دراسة مقارنة ـ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ـ جامعة النهرين / كلية الحقوق  

ـ  عباس ألشريفي ـ المجتمع المدني والحراك المدني ( 2019 ـ 2020 ) المركز المدني للدراسات والإصلاح القانوني  ، 4792/ 14 في 10 / 5 / 2007

ـ  م . م , أمل عبد الحسين علوان  ـ دور المجتمع المدني في ترسيخ مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان  في العراق ـ لأرك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية / الجزء الثالث من العدد الثامن والعشرين   كانون أول . 2018

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى