اللجنة القانونية

لقاح كورونا بين الاجبار والاختيار

لقاح كورونا  بين الاجبار والاختيار

المستشار سعيد النعمان

عضو اللجنة القانونية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

    المقدمـــــــة

الملفت للنظر ان وباء كورونا ( الجائحة ) والتي ابلغ عنه لأول مرة في  مدينة وهان الصينية نهاية عام 2019 ومع ان التبليغ جاء متأخرا بعض الوقت من قبل الصين قامت منظمة الصحة العالمية بالاتصال والتواصل والتعاون مع الحكومات والشركات والخبراء العالميين في توسيع نطاق البحث والتحري عن نشأة وموطن هذا الوباء . ثم تابعت المنظمة مراحل انتشاره هذا وأسدت المشورة والنصح الى الدول والافراد بشان التدابير والإجراءات المعروفة والمعلنة لحماية الصحة العامة والتصدي لهذا الوباء .

الا ان هذا الوباء ما يزال يقاتل بأسلحة نوعية مختلفة وبسلالات متحورة وبوتائر سريعة وقوة دفاعية هائلة مقابل ذلك اجراءات دفاعية هشة وهزيلة وبطيئة وتراخي في التصدي له بدأَ بمنظمة الصحة العالمية ومكاتبها الاقليمية المنتشرة في دول العالم وحكومات الدول وشعوبها باستثناء الصين موطن النشأة والظهور.

ولو اعتمدت  الصين على قاعدة منع الخروج والدخول الى مدينة وهان في الوقت المناسب  لما استفحل الوباء وامتد طولا وعرضا وغزى العالم . ثم تصاعدت الاجراءات الوقائية المعروفة وتم انتاج  اللقاحات من دول عدة تسابقت وتنافست للتصدي لهذا الوباء الخطير .

الا ان وسائل الاعلام  الحكومية والاهلية ومنصات التواصل الاجتماعي اتجهت الى فبركة الاخبار بقصد او بدون قصد في محاولة احباط الجهود الكبيرة نتيجة بث  الشائعات واختلاق الاكاذيب عن دور وأهمية اللقاحات وتعاملت معها سلبيا ومختلفا . الامر الذي ادى الى عزوف الملايين عن تلقي اللقاح بحجج مفبركة وكاذبة ومرعبة تروج لها هذه الوسائل في غياب المحاسبة والمسؤولية نتيجة تعطيل القوانين الاعلامية . حتى ان بعضا من مستخدمي منصات التواصل يتداول النكات والتباهي والاستهانة بخطورة الوباء وتداعياته السريعة الامر الذي ساهم وسهل سبل انتشاره .

وفي غياب تطبيق الاجراءات العقابية من قبل الحكومات التي تخشى وسائل الاعلام زورا وبهتانا بحجة المساس بحرية الاعلام والرأي العام والحرية الفردية التي كفلتها الدساتير والقوانين . وازاء هذا العزوف والامتناع عن أخذ اللقاح تضاعفت الاصابات والوفيات وبلغت الملايين ثم بدأت أغلب الدول وحكوماتها في الاتحاد الاوربي تلجأ الى اتخاذ تدابير اضافة الى استخدام الكمامات والكفوف والتباعد الاجتماعي ومنها فكرة جواز السفر المناعي والشهادة الرقمية ووضع قيود على حركة الاشخاص الرافضين لأخذ اللقاح . وكذلك اقتراحات بإصدار جوازات سفر الكترونية لتسهيل حركة السفر .

وبغية تطبيق هذه التدابير بدأت هذه الدول تناقش وجهات نظر قانونية وعملية واخلاقية مفادها ان هذه التدابير اذا ما اقرت قد تتعارض مع الحريات الفردية انطلاقا من المبدأ القانوني حيث لا يمكن القيام باي عمل طبي على المريض الا بعد حصول موافقته الشخصية اومن يمثله الا في حالة الضرورة التي لها أحكاما في معظم القوانين . وان حالة الضرورة تطبق عندما يؤكد اللقاح فعاليته الى الحد من تفشي الوباء بعد فترة زمنية معقولة كي يصبح الزاميا بالنسبة للجميع علما بأن وباء كورونا صنف وادرج ضمن الأمراض المعدية . ومع ذلك فان سلامة المريض وحرية الاختيار وكل ما يتعلق بجسده مصلحة يكفلها الدستور والقانون مقابل ذلك ان المصلحة العامة والحفاظ على ارواح الناس هي المرجحة في هذه الحالة على الرغم من ان الانسان هو محور الحقوق والحريات واهمها التي تتعلق بالصحة العامة والوقاية والعلاج .

التدابير الوقائية في العراق

يلاحظ ان دستور 2005 نص في المادة (31 ) ( ان لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية وتعني الدولة بالصحة العامة وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بأنشاء مختلف انواع المستشفيات والمؤسسات الصحية ) وكذلك في المادة ( 33/ اولا ) حيث نصت ( لكل فرد حق العيش في ظروف بيئية سليمة ) اذاٌ فالدولة ملزمة بتنفيذ ما تضمنته المادتين في اعلاه وكذلك تفعيل المواد التي تضمنها قانون الصحة العام رقم 47 لسنة 2008 المتعلقة بالأمراض المعدية واساليب الوقاية والعلاج منها  ( الحجر الصحي والعزل والتطعيم او التلقيح  )  كما وردت في  المواد (17 و19 و23 و28 ) كما يتوجب على الحكومة تفعيل المادتين (368 و369) من الفصل السابع من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 ( الجرائم المضرة بالصحة العامة ) وكذلك المادة (240) المتضمن عقوبات لمن يخالف الاوامر . وعلى الاجهزة التنفيذية تطبيق القوانين والقرارات التي صدرت عن مجلس النواب ورئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ذات الصلة بوباء كورونا بحرفية دون مجاملة او محاباة .

ان تطبيق هذه المواد في اعلاه وغيرها من التدابير التي اشرنا اليها وبالتعاون مع المواطن يحقق نقلة نوعية في ايقاف تفشي الوباء كما على المواطن أن يتحمل مخرجات هذا الوباء وخطورته التي تهدد حياته وديمومة المجتمع وبقائه  وان يتحلى المواطن بالصبر والالتزام نصا وروحا مع اجراءات الدولة ويتفاعل معها  بعيدا عن السياسة والتعصب الطائفي واخفاقات الدولة وتردي الأوضاع الامنية والاقتصادية والاجتماعية بغية الانصراف للتصدي وبقوة لإيقاف انتشار هذا الوباء  والسيطرة عليه والا فان العاقبة ستكون لا سامح الله وخيمة وقاسية وشديدة .

   الرأي  

من خلال اطلاعنا على العديد من الآراء عبر وسائل الاعلام ومتابعة ما صرح وكتب عبر منصات التواصل الاجتماعي عن تأثير وباء كورونا على الحريات الشخصية والحقوق توفر لدينا  الرأي الاتي بشان اخذ اللقاحات .

أولا ـ ان اللقاح مهم وضروري الا انه لا يمكن الاتجاه به الى جعله الزاميا كما انه من غير المسموح فرض تطبيق القانون لإجبار المواطن على أخذ اللقاح وان الالزامية تعتبر تعسفا في تطبيق القانون الا في حالة اجراء تعديلا يتضمن النص على ذلك وبشكل خاص .

ثانيا ـ ان الاتجاه العام في غالبية الاقطار العربية أخذ اللقاح اختياريا وبالمجان للمواطنين والمقيمين وان رأي منظمة الصحة العالمية بانها لا تعتقد ان تصدر الدول قرارا ت او تعليمات  بان يكون التطعيم  الزاميا .

ثالثا ـ قد تتجه بعضا من الدول بإصدار تعليمات أو وصايا شديدة لفرض التطعيم بالنسبة لحالات  محددة ولشريحة معينة من المجتمع ولاسيما في حالة الضرورة القصوى والتي قد تقترب من الالزام دون الاختيار .

رابعا ـ ونحن نرى ان الدساتير وأغلبية القوانين لدول العالم توكد على ان الحقوق والحريات الشخصية مصانة ومكفولة ومنها دستور  2005 والقوانين الصادرة بموجبه ومع ذلك فان القواعد القانونية ومنها على سبيل المثال ( للضرورة احكام . ولاضرر ولاضرار ودرء المفاسد أولى من جلب المنافع ) قد تفرض هذه القواعد نفسها لتقييد هذه الحريات وتجعل اخذ اللقاحات ملزمة لحماية المجتمع . وعليه فمن الممكن ان تصدر الحكومة قرارات بان يكون أخذ اللقاح الزامينا وبالتدرج  يتناسب مع تصاعد انتشار الوباء متى ما اصبح  يشكل خطورة على المجتمع وذلك بالاسترشاد بالمادة (7 ) من القانون المدني رقم ( 40 لسنة 1951 ) النافذ التي نصت على ( 1ـ من استعمل حقه استعمالا غير جائز وجب عليه الضمان 2ـ ويصبح استعمال الحق غير جائز في الاحوال الاتية

ا ـ اذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الاضرار بالغير

ب ـ اذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال الى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مطلقا مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها

ج ـ اذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال الى تحقيقها غير مشروعة , وكذلك  المادة ( 8 ) من ذات القانون التي نصت على ( درء المفاسد أولى من جلب المنافع )  وهناك  الكثير من القواعد الفقهية والقانونية التي يمكن الاستدلال بها .

المقترحات

1 ـ ضرورة قيام المؤسسات الدينية وأئمة المساجد بالتوعية الصحية وتنفيذ إجراءات الوقاية  والقرارات التي تصدر عن الحكومة ووزارة الصحة وتشجيع المواطنين بأخذ اللقاح حماية لا نفسهم والمجتمع ومراعاة  للظروف العصيبة نتيجة انتشار الوباء .

2 ـ على المواطن ان يتحرى جيدا عن الاخبار المظللة والمفبركة والكاذبة والشائعات المغرضة والسلبية بشان أخذ اللقاح وعدم ترويجها عبر منصات التواصل الاجتماعي فقد تساهم في امتناع الكثير ممن تتواصل معهم  بتلقي اللقاح .

3 ـ أن اخذ اللقاح يودي الى انتهاء الوباء عالميا ويرفع درجة التحكم من انتشاره حتى ولو ظهرت سلالات متحورة جديدة شرط  الالتزام المطلق بالتدابير التي تتخذها الحكومة والمعروفة  لدى الجميع فهي مسؤولية وطنية واخلاقية .

4 ـ ان بعضا من الدول والشركات المنتجة للقاحات تسخر احيانا اعلامها في السباق المحموم فيما بينها لتحقيق موارد اقتصادية وسياسية وتجند الكثير من الاعلامين لترويج اللقاح المنتج من قبلها والتقليل من التأثير الايجابي لبقية اللقاحات مما يؤثر في قناعات شعوب العالم ومنهم شعب العراق حيث يضعهم في حيرة وتردد في اختيار اللقاح وقد يمتنع عن اخذه وهذا الترويج مرفوض اخلاقيا ودينيا .

5 ـ يلاحظ ان وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في العراق لم تستخدم قدراتها الفنية والتقنية في تحفيز المواطنين باتجاه اخذ اللقاحات بل اكتفت بنشر البيانات والآراء المتضاربة والمحبطة من الدول المنتجة ومنظمة الصحة العالمية ومكاتبها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى