اللجنة القانونية

قراءة في مشروع قانون تعديل قانون هيئة النزاهة رقم 30 لسنة 2011

الاستاذ ميثاق غازي فيصل

عضو اللجنة القانونية ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

     صدر قانون هيئة النزاهة في عام 2011 ليكون خلفا للقانون التنظيمي الصادر عن مجلس الحكم ( المنحل) الملحق بأمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم (55) لسنة (2004), والذي شكلت بموجبه المفوضية العراقية المعنية بالنزاهة. ويجد القانون سنده الدستوري في المادة (102) من دستور جمهورية العراق لسنة(2005) والتي نصت على ” تعد المفوضية العليا لحقوق الانسان والمفوضية العليا للانتخابات وهيئة النزاهة,… هيئات مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب, وتنظم اعمالها بقانون”.

ومكافحة الفساد ورفع مستوى النزاهة والحفاظ على المال العام من اهم الاغراض التي من اجلها تم  انشاء هيئة النزاهة, وببدء الدورة الرابعة لمجلس النواب ادرج مشروع قانون لتعديل قانون هيئة النزاهة النافذ. ولنا ان نبدي الملاحظات الاتية حول مشروع قانون التعديل:

اولا. في نطاق التعاريف للمصطلحات الواردة في المشروع:

  1. جاءت المادة 1/ اولا من المشروع والمادة 1/ اولا من القانون, لتعرف السلطة التشريعية بانها السلطة المنصوص عليها في المادة 48 من دستور جمهورية العراق. الامر الذي يعني ان المشروع يعتمد ثنائية السلطة التشريعية والمكونة من مجلسين هما مجلس الاتحاد ومجلس النواب. ومجلس الاتحاد لم يشكل بعد.

وذكر هذا التعريف غير محمود في صلب القوانين ذلك ان المستقر والثابت ان السلطة التشريعية هي احدى سلطات الدولة الثلاث, وعليه لا حاجة لذكر تعريفها, كما ان الدستور حظر على السلطة التنفيذية اصدار الانظمة بكل صورها عدا الانظمة التنفيذية التي تصدر لتنفيذ القوانين مما يعني ان السلطة التنفيذية ليس لها أي اختصاص سوى اصدار الانظمة التي تسهل تنفيذ القوانين وهذا ما نصت عليه المادة 80/ ثالثا من الدستور.

  1. عرفت المادة 1/ ثالثا /1 قضية الفساد بانها” دعوى جزائية يجري التحقيق فيها بشأن جريمة من الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة وهي الرشوة, الاختلاس , تجاوز الموظفين حدود وظائفهم, وأية جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد ( 233, 234, 271, 272, 275, 276, 290, 293, 296) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل. واية جريمة اخرى يتوافر فيها احد الظروف المشددة المنصوص عليها في الفقرات (5, 6, 7) من المادة 135 من قانون العقوبات النافذ المعدلة بالقسم 6 من القانون التنظيمي الصادر عن مجلس الحكم (المنحل) الملحق بأمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم 55 لسنة 2004″.

ويبدو لأي متخصص في القانون ان المادة صيغت بألفاظ غريبة دخيلة على الصياغة القانونية العراقية الاصيلة, فالقوانين الاجرائية العراقية لا تعرف لفظ قضية مطلقا, فقانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 استخدم لفظ الدعوى, وجاء قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 بلفظ الدعوى الجزائية, فاذا كان صائغوا المشروع قد اتجهوا الى استخدام لفظ عرفي وايراده في صلب القانون ليدل على الدعوى مجازا فهذا امر دخيل على اللغة لان المنطق الاصولي يقضي باستخدام اللفظ العرفي عند عدم وجود اللفظ الاصطلاحي. لذا نقترح استبدال لفظ قضية فساد بلفظ ادق هو دعوى فساد خصوصا واننا في نطاق اجراءات التحقيق في دعاوى جزائية, وان الدعوى الجزائية هي وسيلة المجتمع الى القضاء من اجل توقيع العقاب على مرتكب الجريمة. كما ويبدو للوهلة الاولى ان صائغوا مشروع القانون قد اتجهوا نحو تحديد الجرائم التي ينشأ عنها قضية فساد على حد وصفهم على سبيل الحصر, وذلك من خلال ايرادهم لأسماء الجرائم تارة ولأرقام المواد تارة اخرى, وفي هذا الاسلوب من اساليب الصياغة تجاوز على الدقة في الصياغة, حيث ان الاخيرة تتطلب النص بوضوح على صور السلوك التي تُعَد جرائم, وتحديد الافعال التي تندرج تحت هذا السلوك او ذاك.

عليه نقترح على صائغوا المشروع توحيد الاسلوب في ذكر ما يعد جريمة فساد اما باستخدام اسماء الجرائم الواردة في قانون العقوبات او باستخدام ارقام المواد التي جرمتها.

ثانيا: سياسة التجريم:

  1. جاءت المادة 1/ ثالثا/ 2 لتنص على” تعد قضية الجرائم الاتية:
  • جرائم الفساد وبضمنها خيانة الامانة التي ترتكب في المنظمات غير الحكومية الممنوحة صفة النفع العام وفي الاتحادات والنقابات والجمعيات المهنية التي تسهم الدولة في اموالها او التي منحت اموالها صفة اموال عامة او التي منح منسوبوها صفة المكلفين بخدمة عامة.
  • جرائم الرشوة في القطاع الخاص ورشوة الموظف الاجنبي.”

ويلاحظ على نص المشروع انه عَرَفَ الشيء بنفسه وهذا ما يأباه المنطق القانوني لإيراد التعريف. فالتعريف يجب ان يكون مانعا من دخول الاغيار على الشيء جامعا لعناصر الشيء من اركان وشروط, وهذا التعريف لا يمنع من دخول الاغيار على جرائم الفساد. كما انه جاء بصياغة مرنة جدا وهذا ما يشكل خرقا لمبدأ الشرعية الجزائية والذي يقضي بتحديد الافعال التي تُعَد جرائم على وجه الدقة. وزاد من تعقيد الامر ان المشروع عَدَ جرائم خيانة الامانة التي ترتكب في المنظمات الحكومية الممنوحة صفة النفع العام وفي الاتحادات والنقابات والجمعيات المهنية التي تُسهِمُ الدولة في اموالها جرائم فساد, والمسلم به ان جريمة خيانة الامانة من جرائم ذوي الصفة العمومية التي يشترط لقيام ركنها المادي توافر صفة الموظف العام في الجاني, كما يشترط ان يكون المال في حوزة الجاني بناء على عقد من عقود الامانة.

كما ان المشروع اعتبر جريمة الرشوة المرتكبة في القطاع الخاص ورشوة الموظف الاجنبي من جرائم الفساد. وموقف المشروع وان جاء منسجما مع نص المادة 21 من اتفاقية الامم المتحد لمكافحة الفساد لسنة 2003, الا ان جمهورية العراق لم تُشَرِع أي قانون يجرم الرشوة في نطاق القطاع الخاص الامر الذي يفضي الى انتفاء حدود واضحة لتجريم الرشوة في القطاع الخاص خصوصا وان الرشوة والاختلاس والاستيلاء من جرائم ذوي الصفة العمومية, وبالتالي عدم وجود نص يجرم الرشوة في القطاع الخاص مما يعني عدم امكانية مساءلة مرتكب جريمة الرشوة لغياب نص التجريم.

  1. جاء نص المادة الثانية من المشروع بالصيغة الاتية ” يعد مرتكب الجرائم المنصوص عليها في البند ثالثا/ 2 من المادة 1 من هذا القانون مكلفا بخدمة عامة لأغراض تطبيق احكام قانون العقوبات” .

وهذا النص في المشروع وسع كثيرا من سريانه على الاشخاص اذا ما تم اقراره بصيغته الحالية. فاذا كان مكافحة الفساد امرا محمودا ويفضي الى استقرار الوضع الاقتصادي وسيادة القانون وتعزيز النزاهة في المجتمعات, الا ان اعتبار منسوبو وعمال المنظمات غير الحكومية والاتحادات والنقابات والجمعيات المهنية التي تسهم الدولة في اموالها او التي منحت اموالها صفة اموال عامة, اعتبارهم مكلفين بخدمة عامة ينسجم ونص المادة 19/ 2 من قانون العقوبات التي بَيَنت بالتعداد من هو المكلف بخدمة عامة. الامر الذي يعني ان هناك ازدواجية في تطبيق القانون, فمنسوبو المنظمات غير الحكومية والاتحادات والنقابات والجمعيات التي لا تسهم الدولة في اموالها سوف يكونون بمنجى من الخضوع لأحكام القانون وبالتالي سوف يكونون بعيدين عن الخضوع لإجراءات هيئة النزاهة لان الدولة لا تسهم في اموال الجهات التي ينتسبون اليها.

ثالثا: سياسة  العقاب:

في سياسة العقاب لم يشدد صائغوا المشروع العقوبة بحق مرتكب الجرائم الواردة فيه بل اكتفوا بتكرار ما جاء من ظروف مشددة للعقوبة في المادة 135/ 5, 6, 7 وفي مجملها تنصرف الى اساءة استعمال المركز العام او الثقة العامة المرتبطة به من اجل الحصول على مكسب شخصي. وارتكاب مخالفة في ما يتعلق بالأحكام المنصوص عليها في الاقسام الفرعية 2, 4/ أ- د  من القانون الاساسي الذي تم بموجبه انشاء المفوضية المعنية بالنزاهة. ومخالفة اللوائح التنظيمية الصادرة عن المفوضية العليا المعنية بالنزاهة.

ان نهج صائغوا مشروع القانون لا يستقيم مع الهدف الاساسي من العقوبة وهو تحقيق الردع بشقيه العام والخاص, لان المادة 136 اعطت للمحكمة سلطة تقديرية جوازية في التشديد حيث نصت على” اذا توافر في جريمة ظرف من الظروف المشددة يجوز للمحكمة أن تحكم على الوجه الآتي:

1 – اذا كانت العقوبة المقررة للجريمة في السجن المؤبد جاز الحكم بالإعدام.

2– اذا كانت العقوبة السجن او الحبس جاز الحكم  بأكثر من الحد الاقصى للعقوبة المقررة للجريمة بشرط عدم تجاوز ضعف هذا الحد على أن لا تزيد مدة السجن المؤقت في أي حال عن خمس وعشرين سنة ومدة الحبس على عشر سنوات.

3 – اذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي الغرامة جاز الحكم بالحبس مدة يجوز أن تبلغ ضعف المدة التي يمكن أن يحكم بها طبقا للمقياس المقرر في الفقرة 2 من المادة 93 على أن لا تزيد مدة الحبس في جميع الاحوال على أربع سنوات”.

وكان الاجدر بالمشروع ان يستثني جرائم الفساد من السلطة التقديرية الجوازية الواردة في هذه المادة وذلك لتحقيق هدفين اساسيين اولهما تحقيق الردع العام وتفعيله فالعقوبة المُغَلظة زاجرة لمن تُسَوِلُ له نفسه الولوغ في ارتكاب جرائم الفساد وانتهاك حرمة المال العام, كما انها رادعة لمن ارتكب جريمة من جرائم الفساد, ولو تحقق ذلك في قانون هيئة النزاهة المراد تعديله بهذا المشروع لما استشرى الفساد في ربوع مؤسسات الدولة او هيئاتها, ويتمثل الهدف الثاني في نقطتين رئيسيتين اولها الابتعاد بالأحكام التي تصدر بالإدانة عن دائرة الشبهات التي ذاع صيتها حول عدم استقلال القضاء نظرا لاستخدام السلطة الجوازية في التشديد, وثانيهما بث الطمأنينة في المجتمع من ان تَغليظ العقاب امر وجوبي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى