اللجنة القانونية

النقود الإلكترونية أو الافتراضية (البيتكوين)

النقود الإلكترونية أو الافتراضية (البيتكوين)

د. أكرم عبدالرزاق المشهداني

استشاري قانوني وأمني

 عضو اللجنة القانونية ، المنتدى العراقي للنحب والكفاءات

المدخل:

         أثارت العملات الإفتراضية أو الإلكترونية أو النقود الرقمية،  ضجة وجدالاً واسعين في نطاق التعاملات المالية، لما يثور حولها من قضايا فنية وقانونية وشرعية وأمنية، وحول مشروعية التعامل بها من عدمه.

       بدأت فكرتها لأول مرة عام 2008 عندما طرح شخص أطلق على نفسه الاسم الرمزي (ساتوشي ناكاموتو Satoshi Nakamoto ) للمرة الأولى في ورقة بحثية  ووصفها بأنها نظام نقدي إلكتروني يعتمد في التعاملات المالية على مبدأ الند للند (Peer-to-Peer) ، وهو مصطلح تقني يعني التعامل المباشر بين مستخدم وآخر دون وجود وسيط. تسميتها تتألف من (بيت   BIT) و (كوين COIN) اي عملة وقد طرحت للتداول لأول مرة في عام 2009م بهدف تغيير الاقتصاد العالمي بنفس الطريقة التي غيرت بها شبكة الويب أساليب النشر وفق ما عبر عنه القائمون عليها  .

           البيتكوين عبارة عن عملة إلكترونية يمكن مقارنتها بالعملات الأخرى مثل الدولار أو اليورو، لكن مع عدة فوارق رئيسية، من أبرزها أن هذه العملة هي عبارة عن عملة إفتراضية بشكل كامل، يتم تداولها عبر الإنترنت فقط دون وجود فيزيائي أو حسي لها، كما تختلف عن العملات التقليدية بعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها، لكن يمكن استخدامها مثل أي عملة أخرى للشراء عبر الإنترنت أو حتى تحويلها إلى العملات التقليدية. فهي تصدر في صورة بيانات إلكترونية مخزنة على بطاقة ذكية أو قرص صلب؛ بحيث يستطيع صاحبها نقل ملكيتها إلى من يشاء دون الحاجة إلى امتلاك حساب بنكي. بدأ استعمالها كبديل عن العملات النقدية الورقية في بعض الدول.

بماذا تختلف عملة البيتكوين (Bitcoin) عن العملات المعروفة ؟

              تختلف عملة البيتكوين (Bitcoin)عن باقي العملات كاليورو والدولار؛ بأنها عملة إلكترونية بشكل كامل، يتداولها الناس عبر شبكة الويب فقط دون وجود فيزيائي لها، حيث لا تطبع أو تصك. وهي عملة لا وجود لأي سيطرة عليها فهي تنتج بشكل رقمي من قبل الناس والشركات من دون أي تدخل من قبل جهات مالية أو مصرفية أو رقابية. تحويل العمليات يتم بدون وجود وسيط (أي بدون تدخل البنك) وبدون رسوم تحويل وبدون الحاجة لاستخدام اسمك الحقيقي، وباتت مقبولة لدى الكثير من التجار، كما يمكن استخدامها لشراء الأشياء بشكل إلكتروني.(4)

تعريف النقود الإلكترونية :

          هي نقود رقمية لعملة محددة ، تصدر في صورة بيانات الكترونية مخزنة على كارت ذكي أو قرص صلب ، بحيث يستطيع صاحبها نقل ملكيتها إلى من يشاء دون الحاجة إلى امتلاك حساب بنكي، وبدأ استعمالها كبديل عن العملات النقدية الورقية في بعض الدول.

       وقد عرَّفها البنك المركزي الأوروبي بأنها : ” مخزون إلكتروني لقيمة نقدية على وسيلة تقنية يُستخدم للقيام بمدفوعات لمتعهدين غير من أصدرها ، دون الحاجة إلى وجود حساب بنكي عند إجراء الصفقة ، وتستخدم كأداة محمولة مدفوعة مقدماً .

          وقد عرفها الدكتور عبدالستار أبو غدة بأنها “هي عملات افتراضية من شخص إلى آخر، يستخدم فيها الترميز (التشفير) يمكن أن تنشأ وتتداول وتخزن وتتبادل من خلال شبكة إفتراضية تقبل عملة الترميز وتعتبرها وسيلة للتبادل” وهي مجموعة من المفاهيم والتقنيات التي تشكل أساساً للنظام المالي الإيكولوجي الرقمي. وتسمى وحداتها (بيتكوين)، تستخدم للتخزين، ونقل القيمة بين المشتركين في شبكة بيتكوين.

            ويراها آخرون بأنها عملة رقمية لا مركزية، وهذا يعني: لا يوجد لها شخص أو مؤسسة وراءها يدعمها أو يسيطر عليها، كما أنها غير مدعومة بالسلع المادية كالمعادن الثمينة. وهي عديمة الجنسية غير مرتبطة بأي دولة، لا تصدرها أو تسيطر عليها شركة أو شخص أو منظمة، وبالتالي لا يوجد لديها نقطة مركزية للفشل أو الإخغاق.

خصائص العملات الالكترونية

           النقود الإلكترونية تختلف عن النقود الورقية بأنها قيمة نقدية مُخزَّنة إلكترونياً ، فهي عبارة عن بيانات مشفرة يتم وضعها على وسائل إلكترونية في شكل بطاقات بلاستيكية أو على ذاكرة الكمبيوتر الشخصي

              والجديد الذي تتميز به هذه النقود الالكترونية عن بطاقات الائتمان وغيرها: أن من يستخدمها لا يحتاج إلى وجود حساب بنكي. والمخزون في هذه البطاقات هو “وحدات نقدية لها قيمة مالية ” يتم استخدامها في الشراء عبر الإنترنت أو في نقاط البيع والمتاجر التقليدية وبهذا فهي تختلف عن البطاقات الأخرى كبطاقات الاتصال والانترنت ونحوها التي يكون مخزونها وحدات اتصال أو رصيد وليس نقوداً مالية يستطيع من خلالها شراء السلع والخدمات .

واقع العملات وإصدار النقود 

               قبل معرفة الحكم عن البيتكوين، علينا أن نفهم واقع العملات وإصدار النقود، حيث أن كل دولة من الدول تصطلح على اتخاذ وحدة معينة من شيء معين، تجعلها أساساً تنسب إليها الأشياء الأخرى والجهود وتقاس بها، وتسكّها على شكل معين وطراز خاص بها بوزن وعيار محددين ثابتين. وقد درجت المجتمعات، من قديم الزمان، على جعل هذه الوحدة القياسية من الأشياء التي لها قيمة في ذاتها، فاتخذوا الذهب والفضة مقياساً تنسب إليه جميع السلع والجهود، لأن للذهب والفضة قيمة ذاتية في العالم أجمع، وسكّوا منها قطعاً نقدية على كل معييّن، وطراز خاص، بوزن وعيار معينين محددين.

              إن الدولة التي تتخذ الوحدة الذهبية أو الفضية أساساً لنقدها تكون سائرة على النظام المعدني، فإن جعلت الوحدة الذهبية هي الأساس لنقدها الذي تسكّه عملةً لها تكن سائرة على قاعدة الذهب (أو على نظام الذهب)، وإن جعلت الوحدة الفضية هي الأساس لنقدها الذي تسكّه عملة لها تكن سائرة على قاعدة الفضة (أو على نظام الفضة)، وإن جعلت وحدة الذهب ووحدة الفضة -جنباً إلى جنب- أساساً لنقدها الذي تسكّه عمله لها، تكن سائرة على قاعدة الذهب والفضة أو على نظام المعدنين.

إنفاق “بيتكوين” أو تحويلها لعملات حقيقية

            بالإضافة إلى شراء المنتجات، يستطيع المستخدم تبديل قطع “بيتكوين” النقدية الموجودة لديه بعملات أخرى حقيقية، عملية التبديل هذه تتم مابين المستخدمين أنفسهم، الراغبين ببيع مبالغ “بيتكوين” وشراء عملات حقيقية مقابلها، أو العكس، ونتيجةً لذلك تمتلك “بيتكوين” سعر صرف خاص بها، ويزيد هذا السعر أكثر حيث يصل اليوم إلى 2800 دولار بعد أن كان يعادل بضعة دولارات فقط قبل 3 سنوات

             أما إن كان الورق الذي تطبعه وتصدره، وتجعله نقداً وعملة لها ليس نائباً عن ذهب أو فضة، وليست له أية تغطية بذهب أو فضة، اعتبرت الدولة سائرة على النظام الورقي الإلزامي.

             وقد بدأ الإقبال في كثير من الدول على التعامل بهذه النقود بسبب : قلة تكلفتها ، وسهولة استعمالها ، وسرعتها حيث يتم الدفع فورا دون الحاجة إلى أي وسائط أخرى.

           على عكس العملات التقليدية التي عادةً ما تكون مدعومة بأصول معينة مثل الذهب أو العملات الأخرى، فإنبيتكوين” يتم دعمها وإنتاجها من قبل المستخدمين أنفسهم، ويقصد بالمستخدمين أي شخص يرغب في التعامل مع “بيتكوين” ويمتلك جهاز حاسوب واتصال بالانترنت، ويتم هذا من خلال عملية تُدعى “التنقيب” Mining، وهو عبارة عن تطبيق خاص يقوم المستخدم بتثبيته على أي جهاز حاسوب، ثم يقوم التطبيق بعملية إنتاج عملات “بيتكوين” جديدة وبشكل بطيء، فيستطيع المستخدم من خلال هذه العملية الحصول على قطع “بيتكوين” النقدية الافتراضية مقابل استخدام التطبيق للقدرة الحسابية التي يقدمها معالج جهاز الحاسوب الخاص به في توليد كميات جديدة من العملة. نظام عمل بيتكوين يسمح فقط بانتاج 21 مليون وحدة بيتكوين حول العالم 

ماهي مخاطر الاستثمار في عملة البيتكوين (Bitcoin) :

أولًا/ عدم وجود جهة رسمية مؤسسة: 

كما ذكرت في بداية المقال، لا يوجد أي جهة رسمية أو حكومية تنظم عملية التداول بهذه العملة، وإنما أسسها مبرمج ياباني باسم مستعار، وهو أمر مقلق ولا يعطي أي ضمانات، ومن الممكن أن يحظر التداول بها في أي لحظة، وعندها ستخسر كل أموالك.

ثانيًا/ قيمة العملة متأرجحة ومعرضة للسرقة: 

تتعرض عملة البيتكوين لمخاطر سعر صرف الدولار وباقي العملات الأجنبية من الإيداع إلى السحب وتقلبات ارتفاع وانخفاض أسعار العملات. إضافة إلى أن هذه العملة لا تعتمد على دولة ما أو اقتصاد حقيقي، لذلك لا أحد يستطيع أن يضمن قيمة فعلية أو حقيقية لها، وإنما تتغير قيمتها بحسب عدد المتداولين وهو أشبه بالاستثمار في سوق الأسهم وهو أمر بالغ الخطورة. أموال وأرباح البيتكوين المودعة عرضة للسرقة من خلال القرصنة حتى من محفظة الوسيط الرقمية.

ثالثًا/ عمليات تبيض أموال

يعد هذا النوع من العملات هدفًا رئيسيًا للأنشطة الإجرامية العالمية بما في ذلك تبيض الأموال، وهذا لأنها غير قابلة للتتبع. لأن أي شخص يستطيع شراء هذه العملة وتحويلها وإعادة بيعها بسهولة، فهذا يفتح الباب لعمليات تبييض الأموال وهو أمر بالغ الخطورة أيضًا، وقد تتورط في إحدى الصفقات دون أن تدري.

رابعًا/ بيع ممنوعات: 

في الآونة الأخيرة قامت المباحث الفيدرالية الأمريكية بغلق موقع يقوم ببيع الممنوعات عن طريق قبول عملة البيتكوين، وصودر أكثر من 28.5 مليون دولار، وهو أمر يدعو للقلق، وقد يضع علامات استفهام على كل من يستخدم هذه العملة.

خامسًا/ إفلاس شركات المحافظ :

لأنها عملة افتراضية فلابد من وجود محفظة إلكترونية، ومنذ عام تقريبًا أعلنت إحدى أكبر شركات المحافظ الإلكترونية إفلاسها في اليابان، ما أدى إلى خسارة العديد من المتداولين لأموالهم بشكل كامل، ولم يعوضوا لأن هذه الشركات تعمل بدون ضمانات بنكية أو حكومية

بالتحقق من توفر الشروط التي أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم للنقود في البيتكوين، يتبين أنها لا تتوفر فيها الأمور الثلاثة:

  • بيتكوين ليست عملة لأنها لا تحقق شروط العملات؛ فواقع العملات هو انها تصدر فقط من قبل الدولة أو سلطة معروفة وليس أفرادًا، والبيتكوين كما قلنا يمكن تصديرها أي شخص يمتلك جهاز حاسوب واتصال بالإنترنت من خلال عملية “التنقيب” Mining، وحتى لو سميت عملة إلكترونية لكن حقيقتها أنها فقط سلعة إلكترونية يمكن لأي فرد مؤهل إنشاؤها ولها قيمة في السوق تزيد وتنقص حسب الطلب. لذلك لا ينطبق على البيتكوين احكام العملات. أي بالاختصار ليست صادرة عن سلطة معلومة بل مجهولة
  • بيتكوين سلعة إلكترونية وهمية وليس لها حقيقة إلا ثقة بعض الناس فيها، وحامل البيتكوين لا يمكن أن يستفيد منها كما يستفيد الناس من البرامج حاسوب الإكترونية. أي أنها ليست شائعة بين الناس بل هي خاصة بمن يتداولها ويقر بقيمتها، أي هي ليست للمجتمع كله
  • لا تعترف كثير من البلدان بالبيتكوين كعملة، ولذلك لا يمكن استعمال بيتكوين لشراء معظم السلع والخدمات،

أي هي ليست مقياساً للسلع والخدمات على إطلاقها، بل هي فقط أداة تبادل لسلع وخدمات معينة

ولذلك فإن عملة “البيتكوين” ليست نقداً من ناحية شرعية.

وعليه فإن البتكوين هو ليس أكثر من سلعة، ولكن هذه السلعة مجهولة المصدر، ولا ضامن لها، ثم هي تتيح مجالًا كبيرًا للنصب والاحتيال والمضاربات والمخادعات، وإذن فلا يجوز بيعها ولا شراؤها، وبخاصةٍ وأن مصدرها المجهول يُوجد شكوكاً في أن هذا المصدر ليس بعيداً عن الدول الرأسمالية الكبرى وخاصة أمريكا.. أو عصابة مرتبطة بدولة كبرى لها غرض خبيث…أو بشركات دولية كبرى للقمار وتجارة المخدرات وغسيل الأموال وإدارة الجرائم المنظمة

والخلاصة، أنها سلعة مجهولة المصدر لا ضامن لها، عرضة لعمليات النصب والاحتيال وهيمنة الدول الرسمالية المستعمرة وبخاصة أمريكا لاستغلال هذه الأمور لنهب ثروات الناس… ولذلك فلا يجوز شراؤها للإدلة الشرعية التي تنهى عن شراء وبيع كل سلعة مجهولة، ومن الأدلة على ذلك:

أحدث المخاطر العالمية

وكانت عملة الـ”بيتكوين” الإلكترونية، قد شكلت حجر الزاوية في الهجومين الإلكترونيين العالميين، بفيروس الفدية الأول “ونا كراي” WannaCry والفدية الثاني “بيتيا” Petya عندما طلب القراصنة المهاجمون لمئات آلاف الكمبيوترات بالعالم، دفع فدية بعملة “بيتكوين” من أجل إرجاع الملفات المقرصنة لأصحابها، وإعادة فتح الأجهزة التي أصابها الفيروس بالشلل، على نطاق عالمي.

ويشكل الغموض الذي يكتنف تداولات العملة الافتراضية، مصدر القلق الأول للدول من استخدامها في عمليات غير مشروعة، مثل تسهيل عمليات تحويل الأموال للإرهابيين، أو تسهيل عمليات “غسل الأموال” ونقلها بين الدول تحت ذريعة الاستثمار بمثل هذا النوع من الأدوات التي لم تلق بعد رواجاً عاماً بعد أو قبولا رسمياً لدى الجهات الرقابية بالدول الخليجية والعربية.

ما هو مستقبل البيتكوين (Bitcoin) ؟

يبدو أن هذه العملة الإلكترونية ما زالت ترتفع ارتفاعًا صاروخيًا، والذي بدأ بداية العام الجاري ووصل إلى مستويات غير مسبوقة منذ بداية تداول هذه العملة في الأسواق المالية، وهو ما يؤكد ما أشار إليه الخبراء من أن مستقبل العملات الإلكترونية بشكل عام والبيتكوين بشكل خاص سيكون واعدًا.
وصل ارتفاع البيتكوين في الشهور الماضية مستويات قياسية حينما تجاوز سقف 1800 ثم 2000 دولار أمريكي، لكنها على ما يبدو غير عازمة على التوقف عند هذا الحد، إذ أنها تواصل الارتفاع إلى مستويات أخرى، ففي لحظة كتابة هذا المقال وصل سعر الصرف الى4125.8999 دولار. و يبدو أن هذا ليس هو الحد النهائي لهذا الارتفاع الجنوني، ويرى المحللون الماليون أن قيمة هذه العملة مرشحة للارتفاع أكثر مستقبلًا لتصل إلى 5000 دولار أمريكي

المراجع:

  • د. عبدالستار أبو غدة: النقود الرقمية الرؤية الشرعية والآثار الاقتصادية. من ابحاث مؤتمر الدوحة الرابع للمال الاسلامي الدوحة يناير 2018
  • الدكتور/ محمد إبراهيم الشافي: “الآثار النقدية والاقتصادية والمالية للنقود الإلكترونية”,
  • الدكتور/ سلطان الهاشمي: “التجارة الإلكترونية وأحكامها في الفقه الإسلامي” ص 418- 429.
  • الدكتور/ عايض المري: النقود الإلكترونية : ماهيتها، مخاطرها وتنظيمها القانوني”
  • النظام القانوني للنقود الإلكترونية”: بحث في مجلة جامعة بابل للعلوم الإنسانية العدد 2 ، 2014

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى