اللجنة القانونية

القضاء وروح القانون

القضاء وروح القانون

المستشار سعيد النعمان

عضو اللجنة القانونية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

الملفت للنظر ان معظم فقهاء القانون والقضاة والفلاسفة يستخدمون مصطلح روح القانون مقابل النص القانوني الجامد والاصم ولكي لا نخوض في آرائهم لا انه موضوع شائك وطويل لذا سنكتفي بتسليط الضوء على تطبيق القاضي لروح القانون .

القانون بذاته هو مجموعة من (القواعد والاجراءات والعقوبات ) والقواعد هي التعليمات والاوامر اما العقوبات فهي الوسيلة التي تحقق الهدف اما الاجراءات فهي الاجهزة التنفيذية القمعية التي لا علاقة لها بالقانون .

ووفقا لهذه المعادلة على القاضي ان يطبق روح القانون فيلجأ الى فرض العقوبة المناسبة التي تتوافق مع روح القانون والتي تكون موجودة في اغلب النصوص الجزائية. والاحوال الشخصية في دعاوى النفقة والحضانة والمخالعة والطلاق على سبيل المثال الا انها نادرة في النصوص المدنية والادارية .

ولكي يطبق القاضي روح القانون عليه ان يتفهم ظروف النزاع واسبابه ودوافعه وطبيعة مرتكب الجريمة دون التمسك بحرفية النص ثم يبحر في مضامين النصوص وبعقل جوال وثري ومنفتح ثم يحكم بالأنسب والاصلح لحسم الدعوى . مستحضرا روح القانون ثم يحكم بعدالة وانصاف لان الحكم بالنسبة للقاضي هو عنوان الحقيقة وانه يولد بعد مخاض متعب وعسير بعد قراءته للقضية بدقة وتمعن والتوقف عند الافادات والمحاضر والشهادات والتأمل بها والبحث بين الوقائع ومضمون النص العقابي ثم يختار التكييف القانوني المناسب .

كما ان للقاضي سلطة تقديرية بالأخذ بالظروف المخففة والمشددة والاعذار المعفية من العقاب والمنصوص عليها في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل ومن ثم يطبق روح  القانون عند تفسيره للنص الذي ينطبق على وقائع القضية .

وعلى الرغم من ان القاضي الجنائي محكوما بقاعدة (لا جريمة ولا عقوبة الا بنص) ( المادة 19 / ثانيا من الدستور ) والمادة ( 39)  من قانون العقوبات (لا جريمة اذا وقع الفعل قياما بواجب يفرضه القانون ) الا ان روح القانون لا تقف حائلاً دون ذلك فحضور القاضي المثالي واجتهاده له تأثير كبير عند فرض العقوبة .

اما في الدعاوى المدنية قد لا يستطيع القاضي ان يجتهد ويطبق روح القانون بسبب ان النصوص التي تحكم هذه الدعاوى جامدة ومحكومة بقواعد فقهية منها قاعدة ( لا اجتهاد في مورد النص ) واذا اجتهد في حكمه تعرض للنقض التميزي والاستئنافي . كما ان سيادة القانون مرتبطة تماما وبشكل وثيق مع روح القانون ومداها والتي لها مساحة واسعة للتطبيق لان الغاية العليا دائما تتواجد مع روح القانون في حين ان القانون عرضة للتغير والتعديل زمانا ومكانا .

لذلك لا بد ان يتفهم القاضي ويدرك ويتحرى وبحرفية عن اسباب التغير ويحكم بروح القانون ومقاصد المشرع وينطق بالحكم شرط ان لا يتجاوز على القانون ويخالفه فيتعرض حكمه للنقض .

ولكل ما تقدم ـ ارى بشان تطبيق روح القانون ـ ان لا يخشى القاضي لوائح الطعون من الخصوم او احكام النقض تميزا واستئنافا بسبب تطبيقه روح القانون ـ وان يراعي القاضي المتغيرات المتسارعة في المجتمع عند تطبيقه للقانون الذي مضى على صياغته مدة طويلة ولم يلغى او يعدل واصبح عبئا ثقيلا على المجتمع ـ وان العدالة تفرض على القاضي التطبيق الروحي للقانون وبشكل واسع وكبير والابتعاد عن التطبيق الشكلي والسطحي ـ وان لا يستثنى اي قانون مهما كانت صياغته جامدة لان الفكرة الاساسية للقانون مراعاة المزاوجة بين الشكل الخارجي والروح الجوهرية له ـ وقد يكون هناك تباعد بينهما عند تطبيق القانون مع الواقعة التي قد تودي الى اغفال روح القانون وعدالة التطبيق ـ  ان تطبيق روح القانون يمكن ان يساهم في اصلاح الجناة ويخفف الضغط على المؤسسات الاصلاحية شرط ان لا يحدث اضرارا غير عادلة بأحد اطراف النزاع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى