اللجنة القانونية

القصور التشريعي في تنظيم ممارسة حق التظاهر السلمي

القصور التشريعي

في تنظيم ممارسة حق التظاهر السلمي

الدكتور ميثاق غازي فيصل الدوري

عضو اللجنة القانونية

     يُعَدُ القانون وسيلة لبلوغ غاية هي تحقيق الصالح العام للجماعة, ويشترط في هذه الوسيلة تكامل تنظيمها للمصالح, فاذا ما عتراها النقص في التنظيم او شابها الخلل كنا امام قصور تشريعي في الحالة الاولى, وافتئات على المصالح في الحالة الثانية, والمصالح الواجبة التنظيم هي في ذاتها الحقوق أيا كانت شخصية او عينية, مادية او معنوية, فردية ام جماعية.

واعترف دستور جمهورية العراق لسنة (2005) بالتظاهر السلمي بِعَدِه حقا للأفراد, حيث نصت المادة (38/ ثالثا) منه إذ نصت على” تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب: ثالثا. حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون”. مما يعني وجوب وجود تنظيم تشريعي لممارسة هذه الحرية.

ومن الحريات الواجبة التنظيم حرية الافراد في التظاهر السلمي, فالتعبير عن خلجات النفس والادلاء بالراي في الامور العامة لا يمكن ان يترك دون تنظيم, لان ذلك يفضي الى الفوضى, فالحرية المطلقة مفسدة مطلقة. لذلك مَرَ التنظيم القانوني للتظاهر السلمي في العراق بمراحل تنظيم تشريعي بدأت اولى لبنات بنائه بصدور قانون الاجتماعات العامة والمظاهرات رقم 115 لسنة 1958 الملغي. وبإلغاء القانون اعترى تنظيم ممارسة حق التظاهر قصورا تشريعيا استمر زهاء الخمسة عقود. وبعد الاحتلال البربري للعراق عام 2003 من الولايات المتحدة الامريكية اصدر الحاكم المدني الامريكي( بول بريمر) امرا برقم 19 لسنة 2004 عنوانه حرية الاجتماع. وتلى ذلك قيام مجلس النواب في عام 2010 بإعداد مشروع قانون اسماه مشروع قانون تنظيم الحرية في الاجتماعات العامة والتظاهر السلمي والمواكب, لكنه للأسف لم يبصر النور الى يومنا لأسباب سياسية.

وسنستجلي اهم مظاهر القصور التشريعي في تنظيم ممارسة حرية التظاهر السلمي في امر سلطة الاحتلال, فجاء القصور الاول من ناحية عدم ايراد تعريف للمظاهرة, ولهذا القصور اثر بالغ في تنظيم ممارسة هذا الحق فالعدد المطلوب لتنظيم التظاهرة ومكان التظاهر كلها امور واجبة الذكر في التعريف لكي يتسنى للمتظاهرين وللسلطة العامة وللقاضي تمحيص الواقعة وتقرير مدى توافر العناصر الاساسية فيها كضمانة لممارسة الحرية.

ويعتري التنظيم القانوني قصور اخر فبعد ان اشترط امر سلطة الاحتلال المنحلة حصول منظمي التظاهرة على ترخيص من الجهة المختصة في البند(1) من القسم(3) وجعل منح الترخيص من اختصاص قائد فرقة او لواء, لهذا فان جهة الترخيص صارت مجهولة بعد انتقال السيادة للحكومات العراقية المتعاقبة, الامر الذي اعطى تلك الحكومات مجالا لتقييد ممارسة التظاهر السلمي على وفق رغباتها وما ينسجم مع نهجها. وذلك يقيد حق اساسي واصيل من حقوق الافراد.

ويتمثل القصور الثالث في غياب اهم ضمانة من ضمانات منظمي التظاهرات وهي ضمانة الطعن رفض الطلب المقدم لتنظيم التظاهرة, وفي هذا القصور اخلال واضح ومتعمد من جانب مُصدِرُ الامر, كما انه يتعارض مع مبادئ حقوق الانسان التي تكفل للأفراد حق مقاضاة الجهة التي ترفض طلباتهم. علما ان عدم النص على المحكمة المختصة بالطعن يخل بالتوقيت الذي يتوخى الافراد تنظيم التظاهرة فيه.

وجاء التنظيم مشوبا بقصور لا يقل اهمية عما ذكرنا وهو تجريم الافعال التي ترتكب بحق المتظاهرين اثناء التظاهرة, علما ان نصوص قانون العقوبات تتضمن وصفا دقيقا لبعض تلك الجرائم, وتضمن امر سلطة الاحتلال المنحلة قسما خاصا هو القسم (6) والذي جاء تحت عنوان الاشياء المحظورة, وتضمن ما يُحظَر على المتظاهرين ومنظمو التظاهرة, ولم يبين ما يُحظَر على الموظفين المسؤولين عن انفاذ القانون. وهذا لا يتسق مع قواعد سلوك الموظفين المسؤولين عن انفاذ القوانين الصادرة عن الامم المتحدة, والتي جاءت لتحظر افعالا لو ارتكبها هؤلاء اثناء حضورهم مكان التظاهر تشكل جرائم بحق المتظاهرين منها على سبيل المثال لا الحصر الاستخدام المفرط للغاز المسيل للدموع, وكذلك عدم مراعاة ترتيب استخدام العنف لفظ التظاهرة. وهذا القصور قد ساهم في افلات الذين ارتكبوا جرائم قتل بحق المتظاهرين في تظاهرات تشرين وما اعقبها من احداث.

وشابَ التنظيم القانوني كذلك قصور اخر هو عدم بيان الجهة المختصة بحماية المتظاهرين, ومسؤولية تلك الجهة عما يُرتكب من جرائم بحق المتظاهرين ترتكبها جهات ليست من المتظاهرين وليست من رجال الامن.

بعد هذا العرض الموجز لما اعترى تنظيم ممارسة الحق في التظاهر السلمي, نجد اننا امام قصور تشريعي يخل بممارسة هذه الحرية كما يجعل منها عرضة للتقييد بحسب رغبة السلطة السياسية والهيئات الادارية. وان هذا القصور افضى الى غياب الضمانات القضائية وصارت تبعا لذلك ممارسة هذه الحرية في مهب الريح. لذلك نرى وجوب اصدار قانون ينظم ممارسة هذا الحق, كما نرى ولغرض توفير الضمانات ان يصدر مجلس القضاء الاعلى اعماما يَعقِدُ لمحكمة القضاء الاداري في مجلس الدولة اختصاص النظر في الطعون التي يقدمها منظمو التظاهرة على الجهة التي رفضت الموافقة. كما يجب بيان المسؤولية الجزائية والمدنية عن الافعال التي ترتكب بحق المتظاهرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى