اللجنة القانونية

العقوبة البديلة في التشريع العراقي

المستشار سعيد النعمان

عضو اللجنة القانونية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

  • المقدمة

تعرف العقوبة بأنها (جزاء جنائي يحدث إيلاما مقصودا يقرره المشرع ويوقعه القاضي على من تثبت مسؤوليته عن الجريمة) وأما العقوبة البديلة فيمكن تعريفها بأنها (عقوبة غير سالبة للحرية ضد المحكوم عليه أو( بأنها مجموعة من البدائل التي يتخذها القاضي تتمثل في أبدال عقوبة الحبس بخدمة يؤديها المحكوم لفئة من فئات المجتمع ) وأن فرض العقوبة البديلة هي تطبيق لمبدأ شخصية العقوبة ويعني هذا المبدأ اختصارها على الجاني دون غيره خلافا للعقوبة السالبة للحرية .

وأنها تنسجم تماما وتتوافق مع نص المادة 19 / ثامنا من دستور 2005 ( العقوبة شخصية ) . وكذلك تخضع لشرعية العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل . والتي تتسم بالعدالة النسبية . ولا تفرض الأ بحكم قضائي وأن تنفيذها يتم بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني . ومنها تشغيل المحكوم في مؤسسات العمل والإنتاج كي يستفيد ماديا ومعنويا .

وهناك الكثير من الدول التي أخذت بالعقوبات البديلة لأسباب وظروف اجتماعية واقتصادية وإدارية وتجارب من تجارب الحياة مخرجات المجتمع غير القادر على العيش على أسس تطبيق العدالة والحقوق والقوانين . فهناك فوارق كثيرة في التربية والإعداد والتي ينجم عنها اختلال في الحياة المجتمعية . وأما العقوبة السالبة للحرية التي تخلف أضرارا في بنية المجتمع والتي تقتضي إيداع مرتكب الجريمة السجن عقابا له وتخليص المجتمع من شروره وليكون عبرة للآخرين . لذلك صيغت القوانين العقابية في كل دول العالم صغيرها وكبيرها وتدرجت في العقوبة في ضوء خطورة الجريمة المرتكبة . ومن خلال التطبيق العملي لهذه العقوبات أثبتت فشلها ومنها عقوبات الحبس والتي تترك أثارا سلبية على المحكوم . لذلك أقتضى الأمر أللجو إلى العقوبة البديلة وتم تعديل القوانين العقابية على هذا الأساس ولأسباب تتعلق بمصالح المجتمع وبنيته ومبدأ شخصية العقوبة .

  • أثار العقوبة السالبة للحرية

صحيح أن العقوبة السالبة للحرية فرضت لتحصين المجتمع والخلاص من مرتكبي الجريمة وأن فرضها ضروري وجوهري لحماية المجتمع من شرورها وأثارها المقيتة والمدمرة . لذلك صيغية القوانين العقابية لمن يرتكبها وبعقوبات متدرجة تبعا لخطورتها . إلا أن هذه العقوبة تركت أثارا ضارة مخيفة نتيجة   إجراءات تطبيقها والنظرة المجتمعية إليها في ظل اختلاف الرؤى ومن بين هذه الآثار ـ 

أولا ـ النظرة المجتمعية  الدنيوية غير المقبولة إلى النزيل والتي تخلف أثارا نفسية وجسدية  ومعنوية.

ثانيا ـ كثرة السلبيات الإدارية وقلة الموارد المالية وسؤ معاملة النزلاء  .  

ثالثا ـ ضعف وتراجع الرعايا الصحية للنزلاء  نتيجة الزيادة المستمرة في عددهم .

رابعا ـ أن أثارها الاجتماعية تلاحق النزيل وعائلته إلى أخر يوم من حياته .

خامسا ـ تؤدي إلى أهدار في الطاقات المختلفة وبالذات عمليات الإنتاج .

سادسا ـ  أنها تكلف الدولة نفقات مالية كبيرة التي تصرف على النزلاء  .

سابعا ـ تودي إلى تفكك أسرة النزيل  سواء كانت العقوبة قصيرة أو طويلة .

ثامنا ـ تودي إلى زيادة في انحراف النزيل  والعود إلى عالم الجريمة نتيجة مخالطة أرباب السوابق .

الآثار الايجابية للعقوبة البديلة

لقد اعتمدت معظم دول العالم ومنذ أمد بعيد الأخذ بفرض العقوبة البديلة وكلا حسب ظروف مجتمعاتها وطبيعة تكوينها وأعرافها. وتباينت هذه الدول في أسلوب تطبيقها واجتهادات قضاتها وأحكامهم في فرض   هذه العقوبة تبعا لمزاياها وايجابياتها في تقليل العقوبات السالبة للحرية . أما صورها فهي ( الغرامة النقدية والمصادرة ونزع الملكية وسحب رخصة أو إجازة ممارسة عمل أو مهنة معينة ) وأنها تحمل بين طياتها مزايا ومنافع فردية وجماعية خلافا للعقوبة السالبة للحرية ومخرجاتها المؤذية التي تصيب المجتمع والدولة ومؤسساتها العقابية . وهنا أذكر بعضا من مزايا العقوبة البديلة ومنها على سبيل المثال :

أولا  ـ المساهمة في التخفيف من الميزانية المخصصة للنزلاء .

 ثانيا ـ التخفيف من زحمة السجون بغية السيطرة عليهم والابتعاد عن سوء المعاملة أو التخفيف منها .

ثالثا ـ تحسين في الرعاية الصحية ومتابعة المرضى منهم بشكل مستمر بسب قلة عدد النزلاء .

رابعا ـ أبقاء المحكوم على صلة بعائلته ومجتمعه وتغير سلوكه بالاتجاه الصحيح .

خامسا ـ أنها التطبيق السليم للمبادئ الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والوطنية .

سادسا ـ أنها تتوافق مع مبادئ وتطلعات مؤسسات المجتمع المدني وبالذات حقوق الإنسان .

 

  • ضوابط وقيود العقوبة البديلة

ولابد أن نشير أن تطبيق العقوبة البديلة ليس مطلقا لمن له صلاحية فرضها فهناك عدة قيود وضوابط عليه أن يلتزم بها ومن بينها :

 1ـ عدم تعارض العقوبة البديلة المراد تطبيقها مع مبادئ حقوق الإنسان ومقتضات العدالة .

2 ـ يجب أن يصدر  قرار العقوبة من قبل القضاء الذي يتولى النظر في الدعوى.  

3ـ وجوب أخذ موافقة المحكوم عليه .

4 ـ الأخذ بعين الاعتبار الظروف الشخصية والاجتماعية  للمحكوم والتعمق في دراستها تفصيليا .

 5 ـ أن لا تكون للمحكوم  سوابق قضائية . وأن لا يقل عمره عن (18 ) سنة .

6 ـ  أن لا تزيد العقوبة التي فرضت وفقا للقانون الحبس لمدة سنة واحدة .

 

  • العقوبة البديلة في التشريع العراقي

المطلع على قانوني أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 وتعديلاته النافذة وقانون العقوبات111 لسنة 1969 وتعديلاته النافذة سيجد . أن هناك عددا من المواد التي تضمنت العقوبات البديلة في أصول المحاكمات الجزائية ـ المادة ( 6 ) عدم قبول الشكوى أذا مضى ثلاثة أشهر من يوم علم المجني علية بالجريمة أو زوال العذر القهري ـ المادة ( 331 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تضمنت الإفراج الشرطي بعد قضاء المحكوم عليه ثلاثة أرباع مدة العقوبة أو ثلثيها أذا كان حدثا ـ المادة ( 238 ) للمحكمة التي أصدرت الحكم أن تقرر قبول الصلح ممن صدرت بحقه عقوبة أصلية سالبة للحرية لمدة سنة وأقل ـ المادة (199) وقف الإجراءات القانونية بناء على من رئيس الادعاء العام وأذن من وزير العدل . وألان لنرى مضامين العقوبات البديلة في قانون العقوبات . المادة ( 60 ) لا يسأل جزائيا من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الإدراك أو الإرادة ـ المادة ( 92 / 1 ) الحكم بالغرامة النسبية في حالة تعدد المتهمين ـ المادة (138) الحكم بغرامة لا تزيد على قيمة الكسب الذي حققه الجاني ـ المادة ( 144) إيقاف تنفيذ العقوبة في الجناية أو الجنحة التي لا تزيد على سنة أن تأمر المحكمة بإيقاف تنفيذ العقوبة شرط عدم وجود سوابق لديه عن جريمة عمديه ورأت من أخلاقه وماضيه وسنه وظروف جريمته ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى ارتكاب جريمة جديدة .

  • العقوبة البديلة في مشروع قانون العقوبات الجديد

الملفت للنظر أن مشروع قانون العقوبات الجديد أرسل إلى مجلس النواب منذ أب / 2021 وتم إيداعه لدى الدائرة القانونية للمجلس بانتظار تحديد موعد لمناقشته وقراءته ومن ثم التصويت عليه وبقي في محطة الانتظار بسبب الأوضاع المعروفة التي مريها المجلس والعراق بشكل عام وخلال هذه الفترة . توالت الندوات الجامعية ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بتسلط الضوء على مواده فمنهم المنتقد ومنهم المؤيد . والحقيقة أن التعديلات لقانون رقم 111 لسنة 1969 كانت مهمة وجوهرية وشاملة وتضمنت مبادئ وقواعد تنسجم وتتوافق مع تطلعات المجتمع العراقي وسنة الحياة وتطورها ومع السياسة الجنائية الحديثة التي وردت في قوانين الأمم المتحدة وهيأتها ومخرجات المؤتمرات الدولية والتدابير والإجراءات التي اعتمدتها اللجان في صياغة هذا المشروع . الذي أقر ميدا العقوبة البديلة وتوسع فيها بدلا من العقوبات السالبة للحرية . وتخفيض عقوبة الإعدام إلى السحن المؤبد وكذلك منح المشروع سلطة تقديرية للقاضي في فرض العقوبة مسترشدا بالمبادئ الأنسانبة والقيم الاجتماعية بغية  حماية مصالح وحقوق المجتمع . لقد أحتوى المشروع عقوبات رادعة لمكافحة جرائم الفساد المالي والإداري ومنع الجناة الإفلات من العقاب وإلزامهم برد ما أختلسوه  من أموال قبل أطلاق سراحهم . كما شدد المشروع العقوبات على الجرائم الضارة بالاقتصاد الوطني وحماية الأسرة والطفولة . والآن لنعرض المواد التي تضمنتها البدائل للعقوبة السالبة للحرية  وعددا من الشروط والقيود التي تضمنها المشروع لتطبيق العقوبة البديلة :

 1 ـ الفقرة أولا من المادة (76) التي راعت ظروف الجريمة والمحكوم عليه فنصت على إبدال عقوبة  الحبس البسيط الذي لا تقل مدته عن أربع وعشرين ساعة ولأتزيد على سنة واحدة مالم ينص القانون على خلاف ذلك ـ العقوبات البديلة التالية ـ العمل في المجتمع بدون أجر ب ـ الوضع تحت المراقبة في مكان محدد ج ـ الخضوع للمراقبة الالكترونية . وأن تكون العقوبة البديلة مساوية للعقوبة المحكوم بها .

2 ـ المادة ( 117 ) توفر العذر المخفف في جنحة فلا تتقيد المحكمة أذا كانت للعقوبة حد أدنى فلا تتقيد المحكمة في تقدير العقوبة وإذا كانت حبسا وغرامة معا حكمت المحكمة بإحدى العقوبتين فقط .

3 ـ أذا رأت المحكمة في جناية أن ظروف الجريمة أو المدان تستدعي الرأفة جاز لها أن تبدل العقوبة.

4 ـ المادة (130) إيقاف تنفيذ العقوبة الأصلية مع إلزام المحكوم عليه بأن يتعهد بحسن السلوك خلال مدة إيقاف التنفيذ .

 5 ـ المادة (139 / أولا ) صدور قانون العفو العام الذي يترتب عليه انقضاء الدعوى ومحو حكم الإدانة .

6 ـ المادة (140 / أولا ) العفو الخاص يصدر بمرسوم جمهوري يترتب عليه سقوط العقوبة المحكوم بها كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخف منها من العقوبات المقررة قانونا .

وهناك الكثير من الخيارات التي وردت بين مواد المشروع التي تسترشد بها المحكمة في تطبيق العقوبة البديلة  وعلى سبيل المثال ( حق الدفاع الشرعي ( المادة 31 ) الأعذار القانونية والظروف القضائية المخففة . المواد ( 116 لغاية 120 ) . ونرى التنسيق مع مجلس النواب لعرض مشروع القانون في أول فرصة مواتية لمناقشته والتصويت عليه ومن ثم إصداره وأن لا يترك لسنوات . كما لا نجد مبرر لتواجد مواد تتعلق بالجريمة الالكترونية طالما هناك مشروعا لقانون الجريمة معروضا على مجلس النواب  وحتما سيكون في أولويات جدول أعمال المجلس .   

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى