اللجنة القانونية

التظاهر السلمي حق دستوري

التظاهر السلمي حق دستوري

 المستشار سعيد النعمان

في الدستور العراقي 2005  وفي نص المادة 38 الفقرة ثالثا ( تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب )  ثالثا ـ (حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون ). ومنذ صدور الدستور لم ينجز مجلس النواب هذا القانون على الرغم من اندلاع التظاهرات في العديد من المحافظات بين فترات زمنية متقاربة. ولأسباب منها شكلية وموضوعية وخلافية وسياسية بين الاحزاب . وقبل فترة تم عرض مشروع قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي في احدى جلسات مجلس النواب لمناقشته بغية تمريره الا ان الانتقادات والاعتراضات الكثيرة على هذا المشروع الزمت لجنة الصياغة في المجلس سحبه لأعاده النظر في أغلب نصوص مواده مع الأخذ بعين الاعتبار ما ورد في الاعلانات والمواثيق والمعاهدات الدولية التي تضمنت نصوصها على حق التجمع السلمي والتظاهر ومنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966 وميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوربي  ( ان لكل انسان الحق في التظاهر وحرية التجمع السلمي )  كما ان أغلب دساتير دول العالم تضمنت نصوصا تؤكد على هذا الحق ورعايته وحمايته وصيانته الا ان العبرة بالتطبيق .
ان المطلع على مشروع هذا القانون سيجد ان أغلب نصوصه لا تتفق مع مضامين المعاهدات والمواثيق ويخالفها نصا وروحا لأنه يضعف الحريات وينتقص من الحقوق والتزامات الدولة تجاه حماية المتظاهرين والحريات المدنية والتي قد تحصل في كل تظاهرة سلمية .
في الفصل الرابع تحت عنوان حرية التظاهر السلمي المادة 1 اولا التي منحت الحق للمواطنين بالتظاهر سلميا للتعبير عن ارائهم والمطالبة بحقوقهم التي كفلها لهم القانون وفقا للشروط المحددة التي وردت في المادة 7 الخاصة بالاجتماعات ومن بين هذه الشروط  الحصول على اذن مسبق من رئيس الوحدة الادارية  قبل 5 ايام في الأقل على ان يتضمن طلب الاذن موضوع التظاهرة والغرض منها وزمان ومكان انطلاقها وتشكيل لجنة مكونة من رئيس وعضوين لحسن تنظيمها وأسماء من يتولى قيادتها والوفاء بالتزاماتها المقررة قانونا . وفي حالة رفض الطلب يحق للجنة الطعن بقرار الرفض أمام محكمة البداءة المختصة وعليها الفصل في الطعن على وجه الاستعجال . هذه هي الشكلية المعقدة الهدف منها المماطلة والتسويف وتوفيت الفرصة على اندلاع التظاهرة مع حصول الحدث . اضافة الى ذلك فان الفقرة ثامنا من هذه المادة منعت تنظيم التظاهرة قبل السابعة صباحا او بعد العاشرة ليلا . وفي المادة 11 الفقرة أولا ألزمت السلطات الأمنية مسؤولية توفير الحماية الأمنية للمتظاهرين اذا كانت قد نظمت  وفق أحكام هذا القانون ومفهوم هذه الفقرة بعدم جواز تنظيم التظاهرة الا وفقا لما ورد في المادة 7 المشار اليها أعلاه والا فلا حماية لها من قبل السلطات الأمنية التي تمثلها قوات مكافحة الشغب وقوات حفظ القانون الذي شكل مؤخرا من قبل رئيس الوزراء الحالي حتى ولو تعرضت التظاهرات لهجوم مسلح من قبل المليشيات أو من قبل تنظيمات الأحزاب النافذة وبتوجيه غير مباشر من الحكومة . لقد فرض القانون عقوبات شديدة مشابهة لما ورد في قانون مكافحة الارهاب . ففي المادة 13 الفقرة اولا فرضت عقوبة السجن لا تزيد على 10 سنوات لكل من اذاع عمدا لو  دعاية لحزب ولأعمال ارهابية أو بث الكراهية الى اخر النص . أما الفقرة ثانيا فقد تضمنت فرض عقوبة الحبس والغرامة اذا قام المتظاهر بأفعال عدوانية والزامه بدفع تعويضات عن الاضرار التي تلحق بالأشخاص أو الممتلكات .
لقد انتقدت منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان والعفو الدولي وغيرها مسودة مشروع القانون لأن المواثيق والمعاهدات الدولية لم تضع  شروطا وقيودا على ممارسة حق التظاهر كما ورد في المادة 7 وكذلك وجود نصوصا غير واضحة قد تستخدم سياسيا . وان عددا من نصوص هذا المشروع لا يتوافق مع حق التظاهر بسبب العقوبات والقيود التي وردت في المواد (7 و11 و13 ) . كما يلاحظ ان مشروع القانون منح الضوء الأخضر للسلطات الأمنية والموالين لها باستعمال القوة التي تودي الى القتل والإصابة الشديدة من خلال تسليحها بمختلف الأسلحة ضد المتظاهرين العزل الذي منحهم الدستور هذا الحق الأمر الذي أدى الى سقوط أعدادا كبيرة منهم ما بين شهيدا ومصابا وموقوفا على ذمة التحقيق الذي تتولاه السلطة الحاكمة بعيدا عن القضاء والادعاء العام . وان نصوص هذا المشروع لا تحقق العدالة النسبية في الأقل لأنه سلطوي وقمعي للحقوق والحريات التي تضمنتها المادة 38 الدستورية . وان يتولى القضاء التحقيق الابتدائي والقضائي في الجرائم والجنح الناجمة عن التظاهرات وتفعيل دور الادعاء العام في الرقابة على اجراءات التحقيق والمحاكمة . وعلى مجلس النواب ان يتعمق في دراسة مشروع القانون والغاء النصوص التي تعترض ممارسة حق التظاهر السلمي ومنها رفع العقوبات والغاء الشروط والقيود التي تكبل هذا الحق الذي كفله الدستور للمتظاهرين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى