اللجنة الاقتصادية

مُوازَناتُ العراق .. بين المُمكن والحاصِل

مُوازَناتُ العراق .. بين المُمكن والحاصِل

شوان زنگنه

باحث سياسي واقتصادي ، مستشار حكومي سابق

عضة اللجنة الاقتصادية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

بلغتْ مُوازنات العراق للأعوام 2005-2019 (15 عام)، 1,518,085,417,000 دينار عراقي، أي حوالي 1 تريليون و 250 مليار دولار، وحسب الجدول أدناه :

 

وإِزاء هذه الموازنات الضخمة، حَسَبتُ ما كان يمكن إنجازه وقارَنتُه بما هو حاصل، فأعتبرتُ أن الإنفاق الحكومي قد إستَنزفَ 750 مليار دولار منها، بواقع 50 ملياراً للعام، فيبقى بذلك من الموازنات 500 مليار دولار، ثمّ إعتبرتُ أنّ فسادَ وسرقاتِ المتسلّطين على رقاب الأمة وأسيادِهم القابعين في الجارة الشرقية، الأرجنتين !!!. وغيرها من الدول، تَسبّبتْ في هدر 300 مليار دولار.. فبقِيَ في اليد 200 مليار دولار . فماذا كان يمكن فعله بهذا المبلغ ؟!.

الحساب بسيط :

فلو كان قد تمَّ خلال 15 سنة الماضية تخصيصُ 1 مليار دولار سنوياً للوزارات : التربية والصحة والإتصالات والتعليم العالي والداخلية والدفاع والصناعة والكهرباء والموارد المائية والإعمار والنفط، وحوالى 2.33 مليار دولار سنوياً لوزارة التجارة .. لكان يمكن تحقيق المنجزات التالية :

  • التربية : إنشاء حوالي 2000 مدرسة مع مستلزمات التعليم سنوياً. وكنا سنصل حالة الإكتفاء في المدارس، بل وكنا سنُصَدّر للخارج، أقصد كنا سنبني المدارس في المدن السورية واللبنانية واليمنية و حتى الإيرانية.
  • الصحة : إنشاء مستشفى تخصصي 200 سرير سنوياً في كل مدينة عراقية ولكل الأمراض وكل العمليات مع كافة الأدوية والتجهيزات الطبية المتقدمة وكوادرها المتخصصة.
  • الاتصالات : كان يمكن خلال 15 سنة إنشاء شركة إتصالات متنقلة (موبايل) وطنية، وشبكة إنترنيت شاملة وطنية، ومركز لقاعدة بيانات وطنية، إضافة الى تحويل دائرة البريد الى شركة CARGO وحوالة أموال عالمية .
  • التعليم العالي : إنشاء 10 جامعات ومعاهد ومؤسسات تعليم عالي سنوياً، مع كافة تجهيزاتها وملحقاتها من مختبرات ومكتبات وكتب واقسام داخلية وأماكن ترفيه وثقافة وغيرها .
  • الصناعة : إنشاء منطقة صناعية تخصّصية في كل مدينة، وتوفير كافة مستلزمات البنى التحتية من الطرق والماء والمجاري والكهرباء، خلال فترة 15 سنة، وتأجيرها للصناعيين بإيجارات رمزية .
  • النفط : خلال 15 سنة كان بالإمكان إنشاء مصفيين للنفط سعة 400 ألف برميل، مع مصفيين للغاز والغاز المصاحب، و تعزيز إمكانيات شركة الحفر العراقية بأجهزة حفر و كوادرها، وتهيئة الأرضية لإنهاء عقود الشركات الأجنبية وتوفير مبالغ طائلة للدولة .
  • الموارد المائية والزراعة : تخصيص 500 مليون دولار كل سنة لبناء السدود وإستكمال حاجة العراق منها، و تخصيص 500 مليون الأخرى كل سنة لتوزيعها كهبة ودعم للمزارعين وذلك لتحقيق الإكتفاء الذاتي وضمان الأمن الغذائي .
  • الكهرباء : كان يمكن صرف 15 مليار دولار خلال هذه الفترة لإضافة محطات كبيرة جديدة وترميم وصيانة المحطات الحالية وتحسين الشبكات الكهربائية لرفع الطاقة الإنتاجية من حوالي 15ألف ميغاواط/ساعة الى حوالي 30 ألف ميغاواط/ساعة التي هي حاجة العراق الفعلية للطاقة الكهربائية .
  • الداخلية : يمكن كل سنة شراء 500 مدرعة، و 4000 عربة وآلية وسيارة وتجهيزات شرطة ، و 10000 طن من الأعتدة والأسلحة الخفيفة والمتوسطة، و 10 طائرات مروحية للمتابعة والرصد الجوي .
  • الدفاع : يمكن كل سنة شراء طائرتين حربيتين، و5 مروحيات عسكرية، و 1000 عربة وآلية عسكرية، و 50 دبابة، و50 مدرعة، و 3000 طن أعتدة وأسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة و تجهيزات عسكرية .
  • الإعمار والبنى التحتية : خلال هذه الفترة كان يمكن توسيع وإعادة إنشاء وترميم البنى التحتية(الماء و المجاري و الغاز والكهرباء و الطرق الداخلية و الحدائق) الرئيسية لكل المدن، وإكمال نواقص الطرق الخارجية الرئيسية .
  • التجارة : إعطاء 100 دولار شهرياً لمليونين عائلة معدمة،وذلك لشراء المواد الغذائية حسب حاجاتهم بدلاً عن المواد التموينية .

 

هكذا كان يُمكن صرف المبلغ الذي إفترَضتُ بقاءَهُ وعدمَ تَعرُّضِه للسَّلب والنهب،وهذا كان الممكنُ فعله وإنجازه، ولكنه لم يكن الحاصلَ في الواقع مع الأسف .

فالذي حصل في الواقع هو غير ذلك كلياً،حصل الفقر وإنحطاط التعليم ونجاسة المستشفيات وإنقطاع الماء والكهرباء وإنعدام الخدمات وفقدان الأمن و تَوقّف الإنتاج .

وحتماً ستُلقُون اللَّومَ على الفاسدين والسُّرَّاق والمُرتشين والجَهَلةِ ممَّن قادوا ويقودون العراق  .. ولكنّ هذا التّشخيص ليس دقيقاً وليس في مَحِلّه، فالفساد وسوء الإدارة والسرقة بحدِّ ذاتها لا تقوى على هذا التدمير النوعيّ الهائل الحاصل في كافّةِ مرافق الحياة في العراق .. فهي أهونُ مِن أَنْ تَتسبَّب في هذا الحجم من التحطيم اللامعقول،و ما هذه الثُّلّة إلّا إفرازاتُ عاملٍ آخر كبيرومُؤَثّر، هو الذي أنتجَ هذه الثُّلّة وإستخدَمَها في هذا التّدهور المُمَنهَج و المُطَّرِد.

العاملُ المُؤثّرُ والسببُ : هو ذلك الجار الشرقي، أرجنتين !!!.بكلّ ثِقَلهِ وجَبرُوتهِ، ذلك النفوذُ الذي أَفرز شُلّة الحُثالى الذين عَبثُوا في البلاد، وهو كذلك مَنْ حلبَ الثروات، وفرض سلعتَه ومنتجتَه فتَعذّر الإنتاج حتى توقّف، وهو وحدُه دون غيره من أجبر العراق على إستيراد الكهرباء والمنتجات النفطية،وإمتَصّ إستثمارات الطاقة وأفرغَها من محتواها،وهو المسؤول عن التّدهوُر الأمنيّ وكل الدماء التي أُرِيقَتْ في العراق .

ويجب هنا أن لا نُجانِب الحقّ، ونُؤكِّد أنّ أمريكا كانت المُعينة الأساسية لِبسطِ هذا النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة وبهذه الصورة المُفرَطة اللّامَعقولة ، فهي شريكة في إفراز هذه الشلّة التافهة، وشريكة بالتالي في هذا الفساد والتدمير المُفرَط الذي حَلَّ بالعراق .

هذا النفوذ الإيراني المدعوم أمريكياً،أسّس نظاماً بائساً في العراق،على مستنقعٍ مَوبُوءٍ تتكاثر فيه الإمَّعات والكائنات المُضِرّة والمُعدِية، فأُبتُليَ كلُّ مَن دخله بوباء الفساد إلّا من رَحِم ربّي. هذا النظام هو منبع الفساد، ولن ينقطع دابرُ الفاسدين إلّا بزواله وتجفيفِ مستنقعِه.

لقد فقدَ العراق القدرة على التغيير الذاتيّ، وسوف لن يجد مخرجاً من هذا الوضع المُزرِيّ إلّا من خلال التغييرِ الذي سيَطرأُ على المنطقة برُمَّتِها،وتَراجُعِ الدورِ الإيراني وإنكماشِه، وتَغَيُّرِ معادلةِ النفوذ في الشرق الأوسط .

والسؤال الوجيه هنا :

هل سيرى العراق النور في آخر النفق ويسير بإتجاه نظامٍ حر مستقر نامي ؟! أم يستمرّ النفق المُظلِم بنفوذٍ أكثرَ حرصاً وعَبثيةً وظلماً، وبشلّةٍ أكثر فساداً وشراهة وتفاهة ؟!.

لِننتظرْ.. وإنّ غداً لِناظرِه لقرِيب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى