اللجنة الاقتصادية

ملاحظات حول التنمية في العراق بعد الاحتلال

ملاحظات حول التنمية في العراق بعد الاحتلال

إعداد: إسماعيل الدليمي
اللجنة الاقتصادية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

تتضمن هذه الورقة ملاحظات موجزة حول أوضاع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق ما بعد الاحتلال وفي المراحل السابقة له متمثلة بحالة النمو في الناتج المحلي الإجمالي واختلافه فيما بين القطاعات وأهمية هذا النمو في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، مع توضيح للمبادئ التي اعتمدت عليها نشاطات التنمية خلال النصف الثاني من القرن الماضي، بخلاف ما سارت عليه نشاطات التنمية في العراق إن وجدت بعد العام 2003، بالإضافة الى التطرق الى الأسباب التي أدت الى تردي الأوضاع في مجالات التنمية بصورة عامة والعوامل المؤثرة فيها سابقاً ولاحقاً، وفيما يلي أهم الملاحظات حول الموضوع:

  • استهدفت خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق بعد منتصف القرن الماضي نموا في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل عام لا يقل عن 7% سنويا، ويختلف هذا المعدل من قطاع الى آخر بحسب ظروف العمل وإمكانات التنفيذ، ويتحقق هذا النمو نتيجة الاستثمارات العامة التي يتم تخصيصها في الخطط والمناهج الاستثمارية والتي تشمل مشاريع البنية التحتية بأنواعها كالطرق والجسور ومشاريع المياه والطاقة والأبنية الصناعية وأبنية الخدمات…الخ.
  • غير إن معدلات النمو هذه لا تحقق التنمية المطلوبة دون أن يتم تحسين كفاءة العمل في القطاعات المختلفة وتقديم الخدمات اللازمة إضافة الى تحسين قدرات الموارد البشرية في التفكير والابداع. أي أن مدى تحقق النمو في المقياس الكمّي لوحده لا يعكس الصورة الفعلية لمفهوم التنمية بل يتطلب ذلك شمول الجوانب النوعية لها، وأن يستخدم النمو في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام بما فيها الجوانب الإنسانية. لذا فإن التنمية عملية اقتصادية اجتماعية تستهدف رفع مستوى معيشة المواطنين وزيادة حجم الإنتاج بأنواعه وتخفيض مستويات الفقر والبطالة وتحسين مستويات التعليم والخدمات الصحية والثقافية والاجتماعية.
  • لقد اعتمدت التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق على مبدأ مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ، وهذا ما سارت عليه سياسة التنمية في العراق سابقا، أي يتم وضع الخطط والبرامج الإنمائية مركزيا عن طريق وزارة التخطيط ومجلس التخطيط وبالتعاون والتنسيق مع الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة، بينما يتم التنفيذ من قبل تلك الوزارات والمؤسسات بما في ذلك الدوائر المختصة في المحافظات والبلديات، وتكون متابعة سير عمليات التنفيذ مركزياً وعلى مستوى الوزارات والمؤسسات المعنية أيضاً، ويكون التنفيذ وفقاً للشروط العامة للمقاولات وبموجب الأسس والتعليمات والصلاحيات التي يقررها مجلس التخطيط عبر لجان فنية متخصصة موثوقة، حيث يتم تنفيد المشاريع بكفاءة عالية بعيدا عن أية خروقات إدارية أو مالية تؤدي الى عمليات فساد في المال العام.
  • غير إن أوضاع التنمية في العراق قد اختلفت كلياً بعد الاحتلال حيث أصبحت موارد البلد في مهب الريح بعدما تم تدمير البنى التحتية وإفراغ المؤسسات الحكومية من الأطر الفنية والعناصر المخلصة المعول عليها في إدارة عمليات التنمية، وحل محلها أفواجاً من البشر دون خبرة وبأعداد هائلة وفقا للمحاصصة بين الفئات الحاكمة، والني ركزت بل كان همها الأساس كسب الأموال والإسراف في الإنفاق دون رقيب، فتم تبذير الموارد دون أي أثر إيجابي على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد في الوقت الذي بلغت فيه موارد العراق من صادرات النفط منات المليارات من العملات الصعبة والتي تم إنفاقها جزافاً دون أن تتحقق تنمية اقتصادية واجتماعية بل وأصبحت النفقات التشغيلية في الموازنة السنوية تتجاوز 80% من مجمل التخصيصات، في الوقت الذي كانت التخصيصات غير الاستثمارية في الموازنات العامة لا تتجاوز 40% من مجمل التخصيصات السنوية.
  • يتضح مما تقدم بأنه لم تحصل في العراق بعد الاحتلال تنمية حقيقية تذكر بالرغم من الوفورات المالية الهائلة، بل جرت محاولات فاشلة لإبرام عقود على نطاق واسع من قبل الاجهزة المعنية مع مقاولين بمستويات مختلفة دون الالتزام بالأسس والشروط العامة للمقاولات وبلا تنسيق مع الأجهزة الاخرى ذات العلاقة بخصوص توفير مستلزمات التنفيذ بما في ذلك الخدمات المطلوبة، مما أدى الى صرف مبالغ طائلة على مشاريع في معظم القطاعات دون أن يتم أنجازها وبتكاليف عالية جداً قياس الى تكاليفها الحقيقية.
  • إن الأسباب التي أدت الى تردي الأوضاع في مجالات التنمية كثيرة والتي حالت دون تحقيق التنمية المطلوبة في البلاد، أولها ضعف الأجهزة المعنية بالتخطيط والتنفيذ في المستويات المختلفة إضافة الى ضعف المتابعة والرقابة على سير عمليات التنفيذ، ناهيك عن عدم وجود تنسيق فعّال فيما بين الجهات ذات العلاقة بتنفيذ المشاريع مع الأطراف المعنية بتوفير المستلزمات، كما أن آليات تنفيذ المشاريع لم تتم بالطرق والأساليب الصحيحة خاصة بعد أن أصبحت جميع الأجهزة التنفيذية بما في ذلك الإدارات المحلية مسؤولة عن وضع وتنفيذ المشاريع الخاصة بها خارج الأسس والمعايير اللازمة لذلك، بينما المفروض أن يتم توفير الأطر الإدارية والفنية المدربة في جميع الإدارات المسؤولة عن التنفيذ ليتم من خلالها إدارة عمليات التنمية بموجب الشروط العامة للمقاولات مع المتابعة والمراقبة المناسبة بالتنسيق مع الإدارات الفنية في الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة.
  • لقد انتهت حالة الوفرة المالية في العراق بعد تدهور أسعار النفط عالميا ومن الصعب التكهن بعودة الأسعار الى مستوياتها السابقة في الأمد المنظور مما أوجب محاولة التوجه الى جذب الاستثمار المحلي والأجنبي من دون جدوى نظرا للظروف الصعبة التي يمر بها البلد والتي لا تسمح بوجود تنمية اقتصادية واجتماعية، إذ إن إمكانات نجاح الاستثمارات المحلية محدودة جداً في ضوء الظروف السياسية والأمنية الراهنة فضلاً عن ضعف الإمكانات الحكومية اللازمة لدعم القطاع الخاص للقيام بدوره في مجالات الاستثمار إضافة الى الصعوبات التي تعيق تدفقات الاستثمار الأجنبي والتي أهمها توفير الوسائل اللازمة لجذب المستثمرين ومنها خلق ظروف العمل المناسبة وإمكانية توفير مستلزمات الاستثمار بما في ذلك سهولة ممارسة الأنشطة الاستثمارية وتوصيل الخدمات المطلوبة، فضلاً عن توفير المعلومات التي تساعد في اتخاذ القرارات الاستثمارية.

بناءً على ما تقدم لا مجال للتفاؤل بشأن إمكانات تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية ناجزة في العراق في الأمد المنظور طالما بقيت الظروف الحالية سائدة في البلاد والله في عون المواطنين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى