اللجنة الاقتصادية

تداعيات الاقتراض من صندوق النقد الدولي وآثارها على الاقتصاد العراقي

تداعيات الاقتراض من صندوق النقد الدولي وآثارها على الاقتصاد العراقي

إعداد: إسماعيل الدليمي
مقرر اللجنة الاقتصادية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
2/2/2021

  1. تلجأ بعض الدول ومنها العراق للاقتراض من المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي عندما تتبدد مواردها المالية نتيجة لسياساتها المالية والنقدية الفاشلة والخاطئة بأهدافها وإجراءاتها وعدم السيطرة على مواردها لتصل الى مرحلة تعجز فيها عن تسديد فواتير التزاماتها المالية والنقدية الخاصة باحتياجاتها التشغيلية والاستثمارية ، وذلك لضعف الإدارات والمؤسسات المعنية وتفشي الفساد الإداري والمالي فضلاً عن سرقة الأموال والمبالغة وعدم الحرص في الأنفاق الجاري المتمثل بالرواتب والأجور والمخصصات والعلاوات والمصروفات الأخرى التي تنفقها مؤسسات الدولة في كل سنة، عندئذ يتم التوجه دون تفكير وريبة للاقتراض من المؤسسات المالية الداخلية أو الخارجية.
  2. في العراق ما بعد الاحتلال وخاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة تزاحمت الوزارات والمؤسسات الحكومية والمحافظات والإدارات الأخرى على الاقتراض من المؤسسات والهيئات والصناديق الدولية بما فيها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إضافة الى الاقتراض الداخلي من المصارف الحكومية والأهلية، والتي تمثل النفقات التشغيلية التي تصل الى حوالي 80% من مجمل النفقات المخصصة لها في الموازنة السنوية. ولا شك أن هذا الوضع يمثل خللا هيكلياً في منهجية إعداد الموازنات في العراق والتي يتطلب تجنبها للمضي نحو الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
  3. في ما يلي بعض المؤشرات المتعلقة بالدين العام في العراق:
  • تفيد توقعات صندوق النقد الدولي أن مجمل الدين العام في العراق خلال العام 2018 على سبيل المثال يبلغ (132.4) مليار دولار ويمكن أن يصل الى (132.9) مليار دولار في العام 2022([1]) .
  • إن حجم الدين الداخلي للعراق في العام 2017 قد بلغ (47678.8) مليار دينار ويمثل (21.5%) من الناتج المحلي الإجمالي لتلك السنة.
  • في عام 2018 انخفض الدين الداخلي الى (41822.9) مليار دينار ويمثل (16.7%) من الناتج المحلي الإجمالي بسبب تحسن الإيرادات النفطية نتيجة لارتفاع أسعار النفط عالمياً([2]) ، مع تحقق زيادات في الإنتاج والتصدير.
  • لو تم تحويل مبلغ الدين الخارجي من عملة الدولار الى عملة الدينار عن طريق الضرب بسعر الصرف الرسمي السابق (1182 دينار للدولار الواحد) تكون نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الإجمالي (48.26%)([3]) في العام 2018.
  1. تمثل تخصيصات النفقات التشغيلية في الموازنة العراقية لعام 2019 حوالي (75%) مقابل (25%) للنفقات الاستثمارية والتي تتسرب منها مبالغ تصرف لأغراض تشغيلية أيضاً. ويتضح مرة أخرى وجود الخلل الهيكلي في هذه الموازنة نتيجة زيادة النفقات التشغيلية بشكل كبير عن النفقات الاستثمارية المعول عليها في تحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي.
  2. لا شك في أن العجز في الموازنة السنوية في العراق في عام 2019 الذي يمثل حوالي (20.7%) من التخصيصات والذي يتم تمويله عبر القروض الداخلية والخارجية له آثار سلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية خاصة عندما تكون النفقات التشغيلية تشكل زيادة كبيرة عن النفقات الاستثمارية الأمر الذي يستوجب التركيز على الجانب الاستثماري في الموازنة.
  3. ولأن التخصيصات التشغيلية في الموازنة المكونة من الرواتب والأجور والمنح والمخصصات ونفقات أخرى والتي تصرف لمنتسبي الأجهزة الحكومية الممولة مركزياً والبالغ عددهم حوالي (3) مليون منتسب بحسب موازنة العراق عام 2019، ومن بين هؤلاء أعداد كبيرة في الإدارات الحكومية يشكل وضعها حالة بطالة مقنعة، علماً بأن حوالي ضعف هذا العدد يتسلم رواتب وأجور شهرية من المؤسسات والشركات والإدارات الحكومية الممولة ذاتياً. كما أن هذه الأعداد قد ازدادت خلال السنة الأخيرة نتيجة التعيينات في وزارتي النفط والكهرباء وغيرهما من الوزارات والمؤسسات، وان مجموع المبالغ التي يتم إنفاقها سنوياً بما في ذلك حقوق المتقاعدين مدنيين وعسكريين تشكل عبئاً ثقيلاً على الإيرادات النقدية للدولة، مما يجعلها تضطر اللجوء الى القروض الداخلية والخارجية لسد العجز في الموازنات السنوية.
  4. غير أن الحل ينبغي أن لا يتوقف عند التوجه الى الاقتراض وإنما قبل ذلك لا بد من اتخاذ كافة الإجراءات لحسم موضوع العجز في الموازنات السنوية عن طريق تقليل الأنفاق أولاً وبشتى الطرق والوسائل والتحكم في أسباب الصرف وفق خطط وبرامج يتم اعتمادها بالتشريعات المناسبة، إضافة الى غلق منافذ الفساد المالي بأنواعه والعمل على إعادة الأموال المنهوبة، فضلاً عن تعظيم الموارد غير النفطية، بإعادة الحياة للقطاع الصناعي العام والخاص والنهوض بالقطاع الزراعي وتحسين أوضاع القطاعات الخدمية بما في ذلك التعليم والصحة والثقافة ومكافحة الأمية ورعاية الشباب ودعم نشاطات المرأة، وبذلك يمكن تحويل أعداد كبيرة من منتسبي المؤسسات الحكومية الفائضة عن الحاجة الحقيقية الى القطاع الخاص بموجب وسائل التشجيع والدعم المختلفة مع التركيز على النشاطات الإنتاجية.
  5. معلوم أن للقروض داخلية كانت أم خارجية أعباء ثقيلة على الوضع الاقتصادي متمثلة بالفوائد العالية المطلوب تسديدها إضافة الى أصل القروض والتي لها تأثير مباشر على توفير الموارد المالية المطلوب توجيهها للنفقات الاستثمارية والجارية اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق النمو والتقدم، إضافة الى تأمين الحماية للمواطنين وإدامة الحياة في المجتمع. ومع ذلك فأن الالتجاء للقروض الداخلية في الحالات الضرورية يمكن اعتمادها كحلول مؤقتة حتى تظهر نتائج التحولات الاقتصادية و الاجتماعية سالفة الذكر والابتعاد عن الديون الخارجية قدر الإمكان ، لضمان الاستقرار والنهوض الاقتصادي.
  6. والجدير بالذكر أن للعراق تجربة سابقة مع صندوق النقد الدولي في أوائل السبعينات من القرن الماضي حيث زار العراق وفد فني من الصندوق الدولي قام بدراسة حاجة البلاد الى الأطر الفنية الوسطى والماهرة من القوى العاملة اللازمة لسد احتياجات نشاطات التنمية، فأوصى الوفد بإنشاء عدد من المعاهد الفنية والمدارس المهنية والشاملة وأبدى الاستعداد لمنح قرض بشروط مناسبة آنذاك.
  7. تم عقد القرض مع صندوق النقد الدولي بمبلغ يقرب من (40) مليون دولار لمشروع يتضمن تصميم وإشراف على البناء والمساعدة في التشغيل لعدد من المدارس المهنية ومدارس شاملة تابعة لوزارة التربية وعدد من المعاهد الفنية (تكنولوجية، زراعية، إدارية) تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وبالرغم من اعتبار مبلغ القرض كبيراً بوقته الا أنه تم قبوله للاستفادة من المساعدات الفنية التي يتضمنها. إضافة الى الحاجة الفعلية لتمويل المشروع المهم جداً ، وبعد الاطمئنان على تنفيذ المشروع المؤلف من (28) من المدارس المهنية والمدارس الشاملة والمعاهد الفنية موزعة على معظم المحافظات، وبعد توفر وفورات مالية إضافية نتيجة لتأميم شركات النفط، والتأكد من تحقق أغراض المشروع تم تسديد القرض مع الفوائد بعد مرور أقل من ثلاث سنوات على عقده، تجنباً للأعباء المالية الكبيرة التي يتحملها الجانب العراقي.
  8. في العراق الجديد أصبحت معظم إدارات الدولة قادرة على التفاوض وعقد القروض الأجنبية في ضوء التشريعات النافذة، فتم خلال السنوات الماضية عقد عدد كبير من القروض مع مؤسسات ووكالات وبنوك دولية بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأن معظم تلك العقود يتم الالتزام بها عن طريق مبادرات من قبل وسطاء تابعين للمؤسسات الدولية أو الجهات العراقية، ولا يخفى على القارئ المحاذير التي تتضمنها عمليات عقد بعض القروض، والتي يمكن أن تتضمن تكاليف إضافية يتحملها الجانب العراقي، بينما يفترض أن تكون الإجراءات الخاصة بعقد القروض من قبل جهات مركزية مع اقتصار القروض على النشاطات والمشاريع التي لا يمكن توفيرها محلياً.
  9. إن الدعوة للاقتراض من صندوق النقد الدولي في الوضع الاقتصادي الراهن يدعو للقلق نظراً للضائقة المالية والاقتصادية التي يمر بها العراق نتيجة الإسراف في الأنفاق الجاري في الإدارات الحكومية المتمثل بالرواتب العالية لبعض الفئات والمبالغة في المكافئات والنثريات.. إلخ ، إضافة الى النفقات الكبيرة للأجهزة الأمنية ونفقات الدفاع والحشد الشعبي، فضلاً عن تقلص الإيرادات نتيجة لهبوط أسعار النفط عالمياً، والمبالغة في الصرف نتيجة الفساد المالي والإداري والسرقات التي أدت الى الوضع الاقتصادي الاستثنائي الراهن الذي لا يستحقه العراق، ولا بد من تغييره نحو الأفضل.
  10. والتغيير نحو الأفضل يمكن أن يتحقق بإجراءات سريعة وفعالة باحتواء واستثمار طاقات بشرية تتوفر لدى فئة من المتقاعدين الذين جرى تسريحهم من مؤسسات الدولة خلال السنة الماضية والذين تتراوح أعمارهم أثناء التسريح ما بين 60-63 سنة والمقدر عددهم بـ (85) ألف متقاعد بحسب تصريح رئيس اللجنة المالية بمجلس النواب، ولو تم استقطاب أي عدد من هؤلاء و غيرهم لأحياء المشاريع الإنتاجية المتوقفة والمشاريع الإنتاجية والخدمية الجديدة عن طريق صندوق أو بنك استثماري حكومي أو مختلط بإدارة حازمة و موثوقة يمكن لها أن تنقل الوضع الاقتصادي المتدهور الى وضع يرضاه المواطن العراقي القريب و البعيد، وللبدء بتطبيق هذا المقترح يتطلب إجراء دراسة فنية واقتصادية من قبل جهة متخصصة يتم بموجبها وضع خطة وبرنامج عمل للتنفيذ بما في ذلك اقتراح التشريعات والخطوات الإجرائية المطلوبة، والله من وراء القصد.

(1) شبكة أخبار العراق.

(2) البنك المركزي العراقي، المديرية العامة للإحصاء والأبحاث.

(3) الجهاز المركزي للإحصاء / مديرية الحسابات القومية، والبنك المركزي العراقي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى