اللجنة الاقتصادية

تأثير الفساد المالي والإداري على تطور الاقتصاد العراقي

تأثير الفساد المالي والإداري على تطور الاقتصاد العراقي

إعداد: إسماعيل الدليمي


مقرر اللجنة الاقتصادية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

  • يمثل الفساد المالي والإداري بالتصرفات والإجراءات التي يقوم بها الأفراد والجماعات خلافاً لمنطق العدالة والأخلاق بهدف تحقيق نفع خاص على حساب المال العام أو الخاص، وهو سلوك يتنافى مع النظم والشرائع الدينية والدنيوية والإنسانية المعتمدة، والتي تؤثر على بناء المجتمع بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وغالباً ما يظهر الفساد في الإدارات والمؤسسات الحكومية بالدول الفاشلة التي يغلب عليها التخلف وتردي الأحوال الاقتصادية والإدارية والاجتماعية، بما ينعكس سلباً على أحوال الشعب والمجتمع بشكل عام.
  • ومن أهم التحديات التي يواجهها تطور الاقتصاد العراقي هو الابتلاء بالفساد المالي والإداري الذي خيم على البلاد بعد الاحتلال عبر عمليات الهدم والتخريب لكيان الدولة الذي تم بناءه خلال عشرات السنين، وكان من بين أهداف الاحتلال القضاء على كل مظاهر التقدم فيه ليبقى العراق ضعيفاً يمكن السيطرة على موارده الاقتصادية وتحديد قدراته الدفاعية من أجل إتاحة الفرص للأعداء ليقولوا كلمتهم وتثبيت مواقفهم بما يؤمن تحقيق أهدافهم دون مواجهة والسيطرة على الموارد الاقتصادية في البلاد.
  • أما الثروة البشرية التي أفلح العراق في تكوينها خلال النصف الثاني من القرن الماضي والبنية التحتية التي خطط لمشاريعها ونفذ القسم الأعظم منها في القطاعات الإنتاجية والخدمية، كانت تمثل النموذج في السعي لبلوغ أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية دون أن يكون هناك أي مجال للفساد المالي والإداري الذي طغى على جميع مفاصل الحياة في العراق ما بعد الاحتلال.
  • في حين لم يكن في الحسبان لأي عنصر من الثروة البشرية تلك متمثلاً بموظفي الحكومة خاصة أن يتجرأ ويشترك في أية عملية فساد مالي إلا ما ندر، لأنه يعلم علم اليقين بأنه لن يجد من يسعفه من تبعات فعلته ولا تكون له شفاعة إذا تجاوز أحكام القانون، والأمثلة على ذلك غير قليلة في العراق، وهذه القاعدة التي تتبناها معظم الدول والشعوب التواقة للتقدم والازدهار.
  • الفساد المالي والإداري في العراق ما بعد الاحتلال لم يقتصر على الأطر العليا في الوزارات والمؤسسات الحكومية وإنما شمل القواعد الدنيا من الهياكل التنظيمية أيضاً بحيث أصبح الموظف النزيه مغلوباً على أمره وغير قادر على مقاومة تيارات الفساد في الإدارات الحكومية عامة، ودون أن يكون هناك محاسبة وتدقيق على المال العام خاصة بعد إدخال فئات جديدة في الإدارات الحكومية بأعداد كبيرة من أجل إضعاف تلك الإدارات مع سيولة عالية في الأموال لا سيما بعد تزايد الموارد النفطية، وهذا السلوك يزيد من أعداد الفاسدين مما يصعب مراقبتهم ومحاسبتهم.
  • أما الإدارات العليا في الوزارات والمؤسسات العراقية فأن معظمها قد ابتلت بالفساد المالي والإداري خلال العقدين الماضيين بحيث يصعب على المتابع أن يلاحظ موقعاً خالياً من الفساد إلا ما ندر، والشواهد كثيرة تمثلت في وزارات ومؤسسات عامة تواجه الآن دعوات لملاحقة الفاسدين من الموظفين الكبار والصغار وكذلك المراجعين من ضعفاء النفوس الذين تدنست أيديهم في الفساد والذين يواجهون حالياً حملات ملاحقة قضائية من أجل إعادة الأموال المنهوبة، ولكن دون نتائج إيجابية حتى الآن.
  • عليه، أصبحت مؤسسات الدولة غير قادرة على تلبية احتياجات المواطنين، مع تدلي العديد من الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والثقافة والأمن المجتمعي، ناهيك عن تدهور الحالة الأمنية في معظم مناطق العراق دون أن تتمكن السلطات الحكومية من السيطرة على مجريات الأحداث، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
  • كما أنه بعد احتلال العراق في العام 2003 تم تسييس الدين وترسيخ المفاهيم الطائفية واغتيال الكفاءات العسكرية والمدنية من قبل فرق الموت الأمر الذي أدى الى نزوح وهجرة الكثير من الموطنين الى الخارج بما فيهم الأقليات من السكان كالمسيحيين والصابئة والأيزيديين، إضافة الى الهجرة الداخلية التي شملت الملايين من أبناء الشعب تاركين خلفهم ما يملكون من أموال منقولة أو غير منقولة، موزعين على مخيمات في الصحاري والهضاب يواجهون الظروف الجوية القاسية صيفاً وشتاءً قانتين تحت رحمة بعض المنظمات الإنسانية إضافة الى مساعدات قليلة من جانب الحكومة، وحتى الوقت الحاضر لم تتمكن السلطات العراقية من إعادة جميع المهجرين الى مناطقهم، وان بعض المناطق التي هُجر سكانها استخدمت كمواقع عسكرية للمليشيات وباقية تحت سيطرتهم حتى الآن.
  • في ظروف كهذه من الصعب تحقيق أي تطور وتقدم في العراق بوجود الفئات المنفلتة التي أحكمت سيطرتها على جميع النشاطات الاقتصادية والاجتماعية مع تضخم هائل في أعداد المنتسبين بالإدارات الحكومية المختلفة والتي تستحوذ على الموارد المالية دون الحاجة الفعلية لخدماتهم، مع ضعف كبير في إنتاجية العاملين في تلك الإدارات الأمر الذي يؤثر سلباً على تحقيق النمو الاقتصادي في البلاد.
  • وإذا ما تم التفكير بالإصلاح وهو ما دعت إليه الحكومة الحالية ممثلاً بالمقترحات الواردة في الورقة البيضاء التي قدمتها الحكومة في بداية هذا العام فأن إصلاح الاختلالات في البنية الاقتصادية والاجتماعية والتداعيات التي واجهها المجتمع والاقتصاد العراقي نتيجة الفساد بأنواعه وأشكاله ستجد مقاومة من المجموعات المستفيدة من هذه الأوضاع الشاذة، ولا يمكن القضاء على الفساد المالي والإداري إلا بالتغيير الشامل الذي يبدأ بإرادة الجماهير الواعية ذات المصلحة في تحقيق الإصلاح الشامل في العراق، والله والوطن من وراء القصد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى