اللجنة الاقتصادية

الإصلاح المالي عبر الموازنات العامة في العراق

الإصلاح المالي عبر الموازنات العامة في العراق

إعداد: إسماعيل الدليمي
مقرر اللجنة الاقتصادية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

في محاضرته القيمة التي أبدع في تقديمها الدكتور حميد شكر عضو الأمانة العامة للمنتدى العراقي للنخب والكفاءات ورئيس لجنة الإدارة والمحاسبة والتخطيط الاستراتيجي حول واقع الموازنات العراقية منذ العام 2003 وحتى عام 2020 بتاريخ 9/7/2021، قد حفزني لتقديم هذه الورقة الموجزة حول الموضوع أعلاه بهدف تحقيق إضافة متواضعة لما قدمه مشكوراً المحاضر الكريم، والذي ركز في محاضرته على الجانب المالي في تلك الموازنات ومستعرضاً بصورة موجزة المحاور الواردة في الورقة البيضاء التي قدمتها الحكومة العراقية في أوائل هذا العام والتي تضمنت مبادئ وإجراءات حكومية إصلاحية كما تدعي الورقة للأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية، توطئةً لأعداد الموازنة العامة السنوية للعراق لعام 2021.

ويعتبر الإصلاح المالي الركن الأساس للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في البلاد باعتبار المال يمثل القوة الشرائية للمبادلات التجارية المحلية والخارجية ويمثل أيضاً القيمة الحقيقية للأموال المنقولة وغير المنقولة معبراً عنها بالنقد المحلي والنقد الأجنبي والسبائك المعدنية الثمينة وغيرها من الأرصدة المعتمدة في التعاملات المالية والنقدية، لذلك فأن أي خلل أو نقص وقصور في الأموال أو تدهور في قيمة العملة المحلية يعرض الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد الى مشاكل لا تحمد عقباها. وهذا ما حصل لتدهور العملة العراقية ليس في الوقت الحاضر فقط نتيجة لتداعيات وآثار الاحتلال الأجنبي في العراق عام 2003 وإنما ابتدأ تدهور العملة العراقية منذ عهد التسعينات من القرن الماضي نتيجة للحروب التي تعرض لها العراق إضافة الى الحصار الغاشم الذي امتد لثلاثة عشر عاماً مما أدى الى قطع الموارد المالية المتحققة من تصدير النفط الخام الى الأسواق العالمية، وحتى بعد تنفيذ برنامج تصدير النفط مقابل الغذاء خلال سنوات الحصار والذي تم تنفيذه تحت إشراف الأمم المتحدة لم يتمكن العراق من حرية التصرف بأمواله لينعم بموارده الاقتصادية والمالية.

غير أن واقع الحال يعطينا صورة أخرى في ضوء الاختلالات التي تشمل جميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، الأمر الذي يصعب التفائل في السيطرة على الأوضاع التي تؤثر في مجريات الأمور والتي تحول دون تطبيق أية خطط أو برامج دون معوقات بسبب الانفلات في الأوضاع العامة والفساد المستشري في البلاد، الأمر الذي يتطلب ضبط الأوضاع والقضاء على الفساد بأنواعه أولاً، ثم تأتي المحاولات في وضع البرامج الإنمائية بمستوياتها المتعددة لتحقيق الأهداف المنشودة في العراق.

يتضح مما تقدم أن الإصلاح المالي في العراق عبر الموازنات السنوية من الصعب تحقيقه في ظل الظروف الراهنة والتي سبقت الإشارة اليها ما لم يتم تخليص الهياكل الوظيفية في الحكومة والقطاع العام من البطالة المقنعة وتكدس الموظفين، واختصار العاملين على المنتجين فقط وتحويل القوى العاملة الفائضة الى نشاطات القطاع الخاص بأنواعها، مع الدعم المطلوب تدريباً وتأهيلاً ودعماً مالياً، عندئذ يمكن التنبؤ بالإمكانات الإصلاحية للأوضاع المالية في الموازنات السنوية ولو بشكل تدريجي.

وبعد ضبط تدفقات الموارد من النفط خاصة وتأمين الموارد الأخرى من كمارك ورسوم وتحصيلات مالية أخرى، وتوجيه إنفاقها بصورة صحيحة مع التركيز على المشاريع الاستثمارية خاصة في القطاعين الزراعي والصناعي، بذلك يمكن الوصول الى الإصلاح المالي المناسب وتحقيق نمو اقتصادي بحسب ما تستهدفه خطط وبرامج التنمية من أجل إحراز التقدم والازدهار في العراق.

كما يمكن إدراج عشرات التوصيات بشأن الإصلاح المالي والاقتصادي في العراق من خلال محتوى الورقة البيضاء أو الخطط الخمسية أو الموازنات السنوية، لكن العبرة بضمان تنفيذ تلك التوصيات، والبدء بإصلاح عاجل حقيقي في التربية والتعليم بمستوياته المختلفة إضافة الى التدريب والتأهيل وفق ضوابط محكمة بقوانين يتم تنفيذها بصرامة متناهية مع ترشيق أجهزة الدولة والقطاع العام بالأساليب المعروفة، بخلاف ذلك لا إصلاح مالي أو اقتصادي يمكن تحقيقه.

غير أن العراق سيبقى غارقاً في الفوضى بأوضاعه الاقتصادية والمالية دون أمل في الإصلاح الذي كثر الحديث عنه وتم تشخيص العديد من معوقاته دون جدوى طالما بقيت الأوضاع على حالها بانتظار التغيير الشامل، وضرورة التوجه للإصلاح المالي والاقتصادي الحقيقي الذي يعيد العراق الى مكانته الطبيعية في محيطه الإقليمي والدولي، بل يتطلب الإصلاح اتخاذ تدابير قاسية لمعالجة الأزمات المالية والاقتصادية السائدة حالياً من أجل توفير الموارد المالية اللازمة للشروع في تنفيذ الخطط والبرامج الإنمائية التي تحقق النمو والتقدم للعراق، والله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى